شاطئ مايا باي التايلاندي المغلق (أرشيف)
شاطئ مايا باي التايلاندي المغلق (أرشيف)
الجمعة 17 مايو 2019 / 22:11

دي كابريو وإنستغرام وسفر إلى المريخ!

كان للاكتظاظ البشري عواقبه الوخيمة على البيئة العذراء، والتي عانت من موت 80% من شعابها المرجانية، وهي التي لا تنمو بأكثر من نصف سنتيمتر في السنة في أفضل الحالات وأشدها مثالية

ارتكب ليوناردو دي كابريو جريمة لا تُغتفر بحق شاطئ مايا في تايلاند منذ إصدار فيلمه الشهير "الشاطئ" في عام 2000، فقد فتح خلال السنوات الـ19 الماضية "صندوق باندورا" للشرور على جزيرة "كو في فيلي" الصغيرة، والتي راح يتوافد إليها آلاف السياح الذين يتخيلون أنفسهم وقد مُسخوا إلى نجوم هوليوودية بمجرد "انبطاحهم" على نفس الرمل المبارك الذي وطأته قدما دي كابريو.

وكان للاكتظاظ البشري عواقبه الوخيمة على البيئة العذراء التي عانت من موت 80% من شعابها المرجانية، وهي التي لا تنمو بأكثر من نصف سنتيمتر في السنة في أفضل الحالات وأشدها مثالية، فما بالك بالظروف التي تتحمل فيها على مضض لمسات ووكزات وفضول السيّاح الأجانب لأنهم يدرون على الجزيرة ما يصل إلى 12 مليون دولار سنوياً؟

وللسيطرة على الدمار، ارتأت السلطات التايلاندية تقنين عدد السيّاح، ثم قامت بالإغلاق المؤقت للشاطئ لبضعة أشهر، قبل أن تقرر تمديد إغلاقه حتى 2021 على الأقل لتمنح الشعاب المرجانية المسكينة بعض الوقت للتعافي.

ولكن حتى لو فتح الشاطئ ذراعيه مجدداً بعد سنوات من الآن لاستقبال الناس، متباهياً بعودة بيئته إلى سابق عهدها، وإصلاح معظم الأضرار الجسيمة، فهذه ليست بقصة نجاح. بالنسبة إلي، على الأقل.

فالمؤشرات تقول – مجدداً، بالنسبة لي - إن سكّان هذا الكوكب لن يستوعبوا مطلقا درسهم المرّ، وربما لم تعد هناك جدوى من محاولة تعليمهم.
فحينما أطلق العلماء صافرات الإنذار المدوية حول الحيد المرجاني العظيم في أوستراليا، والذي يتعرض لعملية "ابيضاض جماعية" مدمرة قتلت 90% منه بسبب ارتفاع درجات حرارة المياه، لا أعتقد أن أكثر العلماء تهكّماً، ومبالغة في سوداويته الكوميدية، تخيّل ردة فعل الناس!

لقد صعدت أعداد السيّاح المتوافدين إلى الحيد المرجاني بسرعة الصاروخ، ووصلت إلى مليونين زائر، حيث اعترف 69% منهم بأنهم يرغبون في مشاهدة هذه الأعجوبة الطبيعية قبل أن يكتب الله لها الزوال النهائي.

وكذلك حينما راح العلماء يقضمون أظافرهم هلعاً وتوتراً من ذوبان القطبين الجنوبي والشمالي، وما سيشكّله ذلك من ضربة موجعة لاستمرار الحياة كما نعهدها، أشك بأنهم تنبؤوا بردة الفعل المقيتة من العامة.

فأعداد رحلات "السفاري القطبي" في تزايد مطرّد كما تشهد كندا من الراغبين في رؤية الدب القطبي قبل أن تلحقه نهايته المأسوية. أما زوار القطب الجنوبي تحديداً، فارتفعوا من 5000 آلاف مغامر معتوه في بداية التسعينات، إلى 46 ألفاً من المتلهفين على رؤية ذلك الجليد الدائم قبل أن يصبح ماء.

لقد أصبحت أنانية تسجيل التجارب الشخصية الفريدة قبل فوات الأوان، والتقاط الصور المثيرة النادرة لـ "انستغرام" و "سناب شات"، تعتصر آخر المحاولات المستميتة لإنقاذ الكوكب.

وللأمانة، لم أعد أرجّح نجاة الأرض إلا لو أتحنا لسكانها الكرام السفر إلى المريخ لالتقاط "سيلفي" أخير معها فيما تحترق في الأفق.