جنود من الجيش النظامي السوري في تدمر (أرشيف)
جنود من الجيش النظامي السوري في تدمر (أرشيف)
الإثنين 20 مايو 2019 / 17:23

سوريا.. منجم الذهب الذي سرقه داعش

24- نيفين الحديدي

ما زالت قضية النهب والتدمير الذي تتعرض له المواقع الأثرية والمعالم التاريخية في مختلف مناطق سوريا، تحظى باهتمام عالمي واسع، نظراً لقيمتها الثقافية والتاريخية الكبيرة.

وليس البشر وحدهم ضحايا الحرب، التي تشهدها سوريا منذ سنوات، بل إن الكنوز الأثرية في البلاد تعرضت لعمليات نهب وتدمير، خصوصاً من قبل تنظيم داعش الإرهابي.

ويبدو التساؤل اليوم، عن حجم إرث داعش من النهب في سوريا، أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وخاصة بعد استسلام التنظيم وخروجه من آخر مناطق سيطرته في الباغوز، في مارس(آذار) الماضي. 

وفيما يجادل البعض بأن الاحتفال بهزيمة داعش سابق لأوانه، لا شك أن التنظيم الإرهابي ترك آثار الدمار في أعقابه، كما أن القطع الأثرية المنهوبة في سوريا لا تقدر قيمتها بثمن، إذ أنها خسارة للثقافة والتاريخ. 

ومن المعروف، أن القطع الأثرية المنهوبة في سوريا شكلت مصدر دخل مهم لتنظيم داعش، فيما تشير التقديرات إلى أن قيمتها المادية تتراوح بين بضعة ملايين وعدة مليارات من الدولارات.  





مدينة تدمر التاريخية "لؤلؤة الصحراء" 

دورا أوربوس
وقد حاول اثنان من علماء آثار الشرق الأدنى، بالإضافة إلى باحثين في سوق الفن، نشر بحث في المجلة الدولية للملكية الثقافية، كمحاولة أولى لتقدير القيمة المادية في السوق للتحف والقطع الأثرية المسروقة، حسب تقرير نشرته صحيفة "إسرائيل هيوم".  




مدينة "دورا أوربوس" قرب دير الزور

ودرس الباحثون، موقعين أثريين في سوريا، ينتميان لفترات زمنية مختلفة، الأول هو مدينة "دورا أوربوس"، في بادية الشام قرب دير الزور، والتي امتزجت بها حضارات العالم القديم، فقد كانت محمية رومانية على نهر الفرات، وقبل أربع سنوات كشفت صور الأقمار الصناعية أن المدينة السورية قد نُهبت على نطاق هائل، من بين المواقع الأثرية المنهوبة في سوريا. 

تل البيعة
الموقع الثاني الذي شملته الدراسة، هو بلدة "تل البيعة" في شمال شرق مدينة الرقة، أو مدينة "توتول" التاريخية، وتعد واحدة من المدن الأثرية والتاريخية الهامة في حضارات الجزيرة السورية، وكانت عاصمة كبيرة للعصر البرونزي في الألفية الثانية قبل الميلاد.

وفي العقود الأولى من القرن العشرين، كشف علماء الآثار ما يقارب 40٪ من "دورا أوربوس". في حين تم دراسة حوالي 10٪ من "تل البيعة" في الثمانينيات والتسعينيات. وبحسب السجلات الموثقة، هناك في هذين الموقعين أكثر من 13 ألف قطعة أثرية، يضاف إليها العملات المعدنية.

وتبين الدراسة، أن القيمة الإجمالية المقدرة لجميع القطع الأثرية، بما في ذلك القطع النقدية، التي تم التنقيب عنها في "دورا أوربوس" حتى الآن تبلغ 18 مليون دولار. فيما تقدر قيمتها في "تل البيعة"، بـ 4 ملايين دولار، وفق الصحيفة.



مدينة تدمر التاريخية في قلب الصحراء السورية

15 ألف موقع أثري
وتقدر قيمة القطع الأثرية اليونانية والرومانية، التي تشكل الغالبية العظمى من العناصر الموجودة في "دورا أوربوس"، بأسعار أعلى في المزاد، مقارنةً بعناصر العصر البرونزي، التي تشكل غالبية القطع الأثرية في "تل البيعة".

غير أن الدراسة، شملت موقعين أثريين فقط في سوريا، ولكن قاعدة البيانات الأكثر شمولاً للمواقع الأثرية السورية، التي جمعها عالم الآثار جيسي كاسانا، والمتعاونون في كلية دارتموث، حددث حوالي 15 موقع رئيسي في البلاد، تعرض للنهب والتدمير، خلال سنوات الحرب في سوريا.

وتشير البيانات، التي قام فريق "كاسانا" بفحصها إلى أن 3 آلاف من تلك المواقع الأثرية، شهدت بعض عمليات النهب، منذ بداية الحرب السورية منذ مارس(آذار) عام 2011 إلى منتصف عام 2015.

منجم ذهب 

وإذا كان جزء صغير من عناصر موقع أثري واحد، مثل "تل البيعة" يمكن أن يحقق مبيعات بقيمة 4 ملايين دولار، وهناك 15 ألف موقع أثري، فليس هناك حاجة للكثير من الخيال لمعرفة قيمة منجم الذهب الأثري في البلاد.

وهذا يعني أنه على مدار السنوات الأربع الماضية، كان لدى داعش كنوز من القطع الأثرية تحت تصرفهم، والتي تمكنوا من المراهنة عليها في معركتهم. 

لؤلؤة الصحراء
كما سيطر داعش في 11 ديسمبر(كانون الثاني) 2016، على تدمر "لؤلؤة الصحراء"، علماً أنه سيطر على المدينة في الفترة الممتدة بين مايو 2015 حتى مارس 2016، قبل أن يستعيد النظام السيطرة عليها، ثم يخسرها مجدداً.



معبد بل في مدينة تدمر التاريخية قبل تدميره من قبل إرهابيي داعش (رويترز)

جريمة بحق الحضارة 

ودمر داعش خلال فترة سيطرته الأولى على المدينة معبدي بعل شمسين وبل، وقوس النصر، وقطعاً أثرية كانت في متحف المدينة، كما دمر مطلع 2016 التترابيلون الأثري، ووصفت الأمم المتحدة ذلك بـ"جريمة حرب".

وكانت صور الأقمار الاصطناعية للأمم المتحدة، قد أظهرت في الأول من سبتمبر(أيلول)، تدمير داعش معبد بل، جوهر مدينة تدمر الأثرية في سوريا، ووصفت يونسكو، ذلك بأنه "جريمة لا تغتفر بحق الحضارة".




ومدينة تدمر الشهيرة في قلب الصحراء السورية، يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي سنة، وهي مدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي.

وكانت قوات الأسد، قد أعلنت  في الثاني من مارس(آذار) 2017، استعادة السيطرة على مدينة تدمر الأثرية من تنظيم داعش، بمساعدة القوات المتحالفة والطيران الروسي.



جنود من جيش الأسد في مدينة تدمر بعد استعادتها من داعش

ورغم الدراسات التي تحاول تقييم إرث داعش من نهب الآثار في كل من العراق وسوريا، ولكن تقييمها بشكل مادي ينتقص من قيمتها، إذ أنها خسارة للثقافة والتاريخ، ولا يمكن أبداً وضع "ثمن" للتاريخ والحضارة.