الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الإثنين 20 مايو 2019 / 22:18

الفلسطينيون ليسوا مستعجلين

الفلسطينيون الذين هُجِروا من أرضهم، والذين صمدوا على تلك الأرض وقاوموا، والذين حملوا القضية وحافظوا عليها حية في كل جهات العالم طيلة سبعة عقود، لا يستعجلون حل القضية، ولا ينتظرون هذا الحل في نهاية رمضان، أو بعد إعلان نتانياهو تشكيل حكومة جديدة في الكيان الغريب.

كل ما يجري الآن مجرد محاولات محكوم عليها مسبقاً بالفشل المدوي، ليس لأن الفلسطينيين منغلقون، ولكن لأن لديهم خطوطهم الحمراء

هم يعرفون أكثر من غيرهم كيف يحافظون على بقاء قضيتهم حية، وهم يعرفون أكثر من غيرهم أيضاً أن لا شيء من الغرب يسر القلب، وهم يقبضون على جمر الصمود حتى لو احترقت أيديهم، لأنهم يرون كيف يحرق هذا الجمر قلب العدو، وقلوب رعاته وداعميه.

هذا هو الواقع الفلسطيني المعاش على الأرض المحتلة في كل فلسطين التاريخية، وفي جغرافيا التسوية الفاشلة في الضفة وغزة، وفي عواصم الشتات على امتداد الأرض. وما غير ذلك وهم يخدع أصحابه.

وهذا هو الواقع الذي لا تراه الإدارة الأمريكية الحالية، وهو الواقع الذي لا تستطيع تشخيصه أطراف نافذة في الإقليم، ولا تريد أن تعترف به سلطتان انقساميتان في الضفة وغزة.

لكنه في كل الأحوال واقع مريح لمن يراهنون على حركة التاريخ ولا يحتكمون إلى شروط اللحظة المعتمة، ولمن يعرفون أن ترامب ليس مخلداً في حكم أمريكا وأن نتانياهو سيسقط عاجلاً أم آجلاً بملف فساد، وأن الوجود الاحتلالي على الأرض لا يمكن أن يكون طبيعياً، لا الآن ولا بعد ألف سنة.

الفلسطينيون ليسوا مستعجلين للحل ولا يقبلونه بأي ثمن. وكل ما يقال عن ما يسمى صفقة القرن لا يتجاوز الحديث عن لعب خارج الإطار الفلسطيني، وتنقيل كرات سياسية حول الملعب وليس على أرضه، ومحاولات يائسة للاقتراب من خطوط التماس يديرها حكم يقف خارج الملعب أصلاً، وإن كان يرعى فريقاً يهديه في كل لحظة ضربة جزاء.

سيتم الحديث عن الصفقة وسيجري العمل على ترويجها، وستقدم إغراءات مالية للفلسطينيين للتنازل عن كل حقوقهم التاريخية في الأرض، وكل حقوقهم الإنسانية بالعيش عليها، وكل حقوقهم السياسية وخاصة حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم، ولن يتحقق شيء، ولن يجد الأمريكان فلسطينياً واحداً يغامر بالتوقيع على صفقة تعتبر الوطن شركة وتختصر الحل في خطة إنعاش مالي.

كل ما يجري الآن مجرد محاولات محكوم عليها مسبقاً بالفشل المدوي، ليس لأن الفلسطينيين منغلقون، ولكن لأن لديهم خطوطهم الحمراء.

ولأن لديهم مخزون من الصبر ومن الصمود يكفي لأجيال كثيرة قادمة، والأهم من كل ذلك أن ليس لديهم ما يخسرونه بسبب رفضهم للمشروع التجاري الجديد.

نتابع استعدادات كوشنر، وغرينبلات، وفريدمان ويدهشنا إصرار هؤلاء على المضي في هذا المشروع، وضعف استيعابهم لحقيقة شعب لم يتم تجميعه من كل مطاريد الأرض، بقرار غربي ولم يستوطن في الأرض بل نبت فيها كما الزيتون.

ستكون هناك صفقة، ولن يكون هناك حل. وسيقدم الأمريكان عرضاً وليس رؤية، ولن يكون العرض مقبولاً حتى لو وجدوا من بقايا روابط القرى ومن أهل البزنس من يوقعون عليه.

الصراع قائم، وسيظل قائماً، وإن اختلفت أدواته وأساليبه. وربما حان الوقت لتغيير هذه الأدوات والأساليب، والانتقال إلى حالة جديدة تعود بالمطالب الفلسطينية إلى المربع الأول، وتعيد ترتيب الأهداف ليكون في مقدمتها مشروع العيش في دولة واحدة.

لا قبل رمضان ولا بعده، رهان حقيقي على حل قابل للتطبيق لأن أصحاب القضية ليسوا مستعجلين.