الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الأربعاء 22 مايو 2019 / 21:42

ورشة البحرين

على قلة القرارات الحكيمة التي تتخذها إدارة الرئيس ترامب، فإن قرار تأجيل الشق السياسي من صفقة القرن، والشروع في نقاش حول الشق الاقتصادي، ينطوي على قدر من الحكمة، ولكن شرط أن يطبق بالشكل الصحيح، بما لا يجعل الشق الاقتصادي بديلاً عن السياسي.

هذه الورشة الدولية ينبغي ان تكون باباً جديداً يمهد لاعادة الاشتباك الفلسطيني مع الواقع السياسي الجديد في الإقليم والعالم

الفلسطينيون الذين يحتاجون أكثر من غيرهم دعماً اقتصادياً دولياً، وقفوا دائماً وبفاعلية مشهودة ضد المحاولات الإسرائيلية التي هدفت إلى تهميش الصراع السياسي برشاوى اقتصادية، كما طرح الفلسطينيون نظرية تلازم المسار الاقتصادي مع السياسي، ذلك خشية أن يستيقظوا يوماً على اندثار الحل السياسي، وتحولهم في نهاية المطاف إلى مجرد أناس بلا كيان مستقل، سعوا إليه منذ بداية قضيتهم وكفاحهم الوطني، بل وشارفوا على إنجازه حين كانت أوسلو وفق مفاهيمها حين إنجازها، مقدمةً لدولة حقيقية، وكذلك حين اعترف العالم كله بما في ذلك الأمريكيون، والإسرائيليون بحقهم في دولة وذلك في إطار حل الدولتين الذي صار مصطلحاً عالمياً مجمعاً عليه لتوليد دولة فلسطينية مستقلة، كان يمكن أن تقام قبل سبعين سنة .... ولكن.

لا أعرف كيف سيتم التعامل الرسمي الفلسطيني مع إطلاق أفكار تركز على المسار التنموي الذي سيبدأ في المنامة عاصمة دولة البحرين الشقيقة، ولكن ما أراه حكيماً أن ترحب القيادة الفلسطينية بالفكرة والفعالية، وسيكون العالم معها حين تصر على حتمية إيجاد ضمانات حقيقية تجعل المسار الإقتصادي، وإن سبق السياسي، عاجزاً عن التحول إلى بديل له.

المنطق الفلسطيني في هذه الحالة هو الأصح وهو المثبت عملياً حين لم تستطع إسرائيل فرض حل غير سياسي، وحين لم تستطع أمريكا مجرد إعلان صفقة القرن بفعل الرفض الفلسطيني القاطع لها والذي كان أساساً للرفض العربي، وللتحفظ الدولي الشامل عليها.

ان ورشة المنامة التي أقدر أن المشاركين فيها هم دول ومؤسسات مؤثرة في صنع القرارات السياسية حيال القضايا الدولية، ومن ضمنها القضية الفلسطينية، هذه الورشة الدولية التي هي في واقع الأمر ورشة تحضيرية ينبغي أن تكون باباً جديداً يمهد لإعادة الاشتباك الفلسطيني مع الواقع السياسي الجديد في الإقليم والعالم، وينبغي أن تسمع كلمة فلسطين من داخل المؤتمر ومن حوله، والتي مفادها أن الفشل المتواتر لكل محاولات التسوية، بما في ذلك صفقة القرن كما كان يروج لها مسبقاً، هو بسبب تجاهل وإنكار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وفي صلبها حقه الإنساني، والسياسي في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة، مع حل جذري لقضية اللاجئين وفق القرارات الدولية.

لقد أدرك العالم كله هذه الحقيقة باستثناء أمريكا، وإسرائيل، واذا أرادت هاتان الدولتان المؤثرتان بصورة أساسية في المسار الفلسطيني، أن تتوصلا إلى تسوية تضع حداً للاشتعالات المتواصلة على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وبلوغ حالة من استقرار المصالح والمناخات السياسية في الشرق الأوسط، فعليهما أن تغيرا نظرتيهما وسياساتهما إزاء الصراع مع الفلسطينيين، وأن تقلعا عن التحايل غير المجدي على البديهيات وأن تذهبا مباشرةً الى أقرب مسافة بين نقطتين وهي الخط المستقيم، أي الحل السياسي الذي يكون الاقتصاد والتنمية مقدمةً له، وليس بديلاً عنه.

ما أقوله أخيراً للرئيس محمود عباس، الذي لا تنقصه الجرأة على اتخاذ قرارات تبدو غير شعبوية إذا كانت فيها مصلحة حقيقية لشعبه، أن ينسق مع أشقائنا في البحرين، وسائر العرب وغير العرب، ليس فقط لإنجاح اتجاه تقديم الدعم الاقتصادي والتنموي للفلسطينيين، بل من أجل الحصول على ضمانات قوية وذات مصداقية لإلزام إسرائيل وأمريكا، بأن الحل السياسي هو الأساس، وأن الحل الاقتصادي والتنموي دون السياسي لابد وأن تذروه الرياح وهذا ما لا يريده الفلسطينيون، ولا العالم أن يحدث.