الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني (أرشيف)
الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والإيراني حسن روحاني (أرشيف)
الخميس 23 مايو 2019 / 11:25

واشنطن تتفوق على طهران في إدارة الأزمة الأخيرة

في أول أسبوعين من شهر مايو (أيار) الجاري، بدا أن التوترات بين الولايات المتحدة وإيران متجهة نحو إشعال حرب. فقد أكدت الولايات المتحدة، عبر سلسلة إنذارات متصاعدة أن أي هجوم تشنه إيران سوف يقابل بقوة شديدة. وفي نهاية المطاف، ردت إيران بتهديدها المعتاد بشأن استعدادها لمواجهة كاملة مع واشنطن. لكن على الأرض يبدو الشرق الأوسط مثل رقعة شطرنج تقف فيه إيران وحلفاؤها وعملاؤها مقابل حلفاء أمريكا.

لأن إيران تعاني من آثار فيضانات عمت البلاد، ومن مشاكل بسبب عقوبات، لا تستطيع خوض حرب كاملة، فضلاً عن تولي حلفائها في العراق ولبنان مناصب حساسة

وبرز هذا الوضع بوضوح شديد عندما شن متمردون حوثيون مدعومون من إيران هجوماً بواسطة طائرة دون طيار على السعودية، وحينما سقط صاروخ قرب السفارة الأمريكية في بغداد.

ويشير سيث فرانتزمان، كاتب رأي ومحلل في قضايا الشرق الأوسط لدى صحيفة "جيروزاليم بوست"، وموقع "ميدل إيست فورم"، لتسليط الصحافة الأمريكية الضوء على دور مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، في صياغة سياسة الإدارة - وفيما إذا كانت أمريكا ستخوض فعلياً حرباً مع إيران. كما سعت وسائل إعلام إيرانية لاستيضاح ما تخطط له بالضبط إدارة ترامب. وحسب وكالة أنباء "تسنيم" الإيرانية، قال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس النافذ في الحرس الثوري الإيراني( IRGC)، في جلسة مغلقة للبرلمان الإيراني، أن الولايات المتحدة تخوض "حرباً نفسية" مع إيران، معتبراً أنه ليس لدى الولايات المتحدة ما يكفي من القوات لمهاجمة إيران.

لعبة معقدة
وبرأي فرانتزمان، ضمن لعبة التكتيكات الجارية بين إدارة ترامب والنظام الإيراني، يبدو أن الولايات المتحدة ضبطت مؤقتاً السلوك الإيراني. وتفضل إيران التهديد والوعيد في الخطاب مع استراتيجية متأنية في توسيع نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مدركة أنها ستهزم في أية معركة تخوضها ضد الولايات المتحدة.

وحسب كاتب المقال، لا تستطيع إيران المخاطرة برد انتقامي شامل ضد حلفائها أو ضد النظام في الداخل، خشية أن ينجم عنه فوضى وتقويض كل ما بنته خلال السنوات الأخيرة. ولأن إيران تعاني من آثار فيضانات عمت البلاد، ومن مشاكل بسبب عقوبات، لا تستطيع خوض حرب كاملة، فضلاً عن تولي حلفائها في العراق ولبنان مواقع حساسة في السلطة.

نظام مبهم
وحسب الكاتب، استفادت إيران، فيما مضى، من نظامها المبهم من التحالفات ومن قدرتها على تهديد قوى غربية، ومهاجمة قوات أمريكية بواسطة وكلائها، حتى وصل الأمر لدرجة اعتقال بحارة أمريكيين دون خوف من الانتقام. وفيما سبق، تعلمت إيران أن أمريكا تفضل الديبلوماسية، ولكن يبدو أن الإدارة الحالية وجهت إلى طهران إشعاراً حازماً.

وبرأي الكاتب، يكمن السؤال في ما تعلمته إيران من تصعيد التوترات. فإذا ظنت أن واشنطن غير جادة، أو إن شعرت بأن قرع واشنطن طبول الحرب يواجه بمعارضة داخلية متصاعدة، فقد ترى أن أمريكا مخادعة. ولكن إن اعتقدت إيران أن فريق ترامب سينتقم فعلياً، فسوف تتحرك بحذر في جميع المناطق في الشرق الأوسط حيث يحتك حلفاء أمريكا ووكلاء إيران ببعضهم البعض.

ولأجل فهم رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط،، يشير الكاتب بوجوب النظر إليها كما تفعل إيران. فمنذ ثمانينات القرن الماضي، عملت الجمهورية الإسلامية على توسيع نفوذها في المنطقة. وقد قاد ذلك إلى صراع شرس مع العراق في الثمانينات، وحيث حققت إيران، لبعض الوقت، بعض الإنجازات الجيوسياسية. ولكن إضعاف الدولة اللبنانية، وخلع صدام حسين في عام 2003، وفر فرصاً لإيران لاستخدام ميليشيات محلية حليفة في الوصول إلى السلطة. وقد تحقق لها ذلك في لبنان عبر حزب الله الذي يشغل نوابه مقاعد في البرلمان اللبناني. كما فعلت ذلك في العراق بواسطة ميليشيات حارب عدد من قادتها إلى جانب الحرس الثوري في الثمانينات. وأصبحت اليوم تلك الميلشيات التي تحمل اسم قوات الحشد الشعبي قوة شبه عسكرية تابعة للحكومة العراقية.

طمأنة
وفي الوقت نفسه، تعاونت إيران مع متمردين حوثيين في اليمن يحاربون تحالفاً تقوده السعودية والحكومة الشرعية في اليمن. كما تدعم إيران الحكومة السورية في حربها ضد معارضين هزم معظمهم، ولكنها تستخدم أيضاً قواعدها هناك لتهديد إسرائيل.

ورغم ذلك، يرى الكاتب أن إيران تريد طمأنة شعبها إلى أن الحرب ليست متوقعة من خلال تقارير صحفية توحي بعدم جدية إدارة ترامب. ويتناقض هذا الموقف مع تهديد ووعيد طهران المعتاد، فضلاً عن تحرشها السابق بسفن في الخليج وبقوات أمريكية في العراق. وبالطبع، ربما يفسر هدوء إيران المفاجئ بأنه الهدوء ما قبل العاصفة، ولكن يرجح أن يكون انعكاساً لاضطراب مفاجئ حيال السياسة الأمريكية. وذلك أمر جيد بالنسبة للمصالح الأمريكية لأنه يجب أن تبقى إيران تخمن وتبحث عن ماهية النوايا الأمريكية، وأن تأمر وكلاءها بالكف عن تهديد القوات الأمريكية في العراق.

وفي ختام مقاله، يرى الكاتب أن الولايات المتحدة سيطرت على الموقف في تصعيدها الأخير ضد إيران، والتغلب عليها في لعبة التهديد والوعيد، ودعم حلفاء على الأرض. وإذا شاءت واشنطن استمرار كبح إيران، فهي بحاجة لأن تواصل الضغط عليها.