قوات تركية في عفرين السورية (أرشيف)
قوات تركية في عفرين السورية (أرشيف)
الخميس 23 مايو 2019 / 18:00

سوريا إلى جولات جديدة من العنف

حذر الكاتب ديفيد غاردنر، في مقال بصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، من اندلاع جولات جديدة من العنف في سوريا؛ حيث يواجه معقل المعارضة في إدلب هجوماً من قوات الأسد بمساعدة روسيا وتركيا.

تقول موسكو ودمشق إن أنقرة لم تنفذ وعودها التي تتعلق بكبح جماح هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة

ويرى غاردنر أنه على الرغم تزايد القلق الدولي إزاء لعبة حافة الهاوية الخطيرة التي نشبت في الخليج بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن سوريا (التي من المتوقع أن تشهد على أرضها المواجهة بين البلدين) تشتعل من جديد.

طرد إيران من سوريا
ويُشير الكاتب إلى أن روسيا تستخدم الغارات الجوية منذ شهر من أجل افساح المجال لدخول قوات نظام الأسد إلى جنوب محافظة إدلب، المعقل الأخير للمعارضة في شمال غرب سوريا. وخلال هذا الشهر، بدأت تركيا ووكلاؤها من القوات المحلية في التحرك شرقاً من الجيبين اللذين تسيطر عليهما أنقرة في الشمال الغربي بسوريا، في إطار حملتها المستمرة ضد الميليشيات الكردية السورية التي نجحت في محاربة داعش بدعم من القوات الجوية الأمريكية، ولكن يبدو أن واشنطن تستعد الآن للتخلي عنها.

وبحسب الكاتب، فإن الأكراد ليسوا وحدهم الذين يشعرون بالارتباك؛ فقد وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، بينما تعهد وزير خارجيته مايك بومبيو بطرد إيران وقواتها وميليشياتها من سوريا.

نوبات مروعة من العنف
وعلى مدى ثماني سنوات من الحرب القاتلة سقط في سوريا نصف مليون قتيل فضلاً وتشرد نصف سكان البلاد، والآن للأسف تستعد من جديد لنوبات جديدة من العنف ربما تكون مروعة، لاسيما في إدلب التي كانت إحدى أولى المدن التي انتفضت ضد الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2011.

واستعاد نظام الأسد السيطرة على إدلب في عام 2012، ولكن تحالفاً من الميليشيات الإسلامية تمكن من الاستيلاء عليها في عام 2015، واقتنعت روسيا بأن سقوط نظام الأسد سيكون محتوماً إذا لم تلتزم قواتها الجوية بدعم قوات نظام الأسد وحلفائه من الميليشيات المدعومة إيرانياً.

وبفضل دعم موسكو وطهران تحول المد لصالح الأسد، وفي العام الماضي باتت إدلب واحدة من مناطق "خفض التصعيد" التي ابتكرتها روسيا بالتنسيق مع إيران وتركيا التي عمدت إلى تغيير أولوياتها في سوريا من محاولة الإطاحة بنظام الأسد إلى وقف الترسيخ الإقليمي الجديد لحقوق الأكراد؛ خوفاً من احتمال ارتباطه بتمرد حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا.

ورقة التوت الدبلوماسية
ويضيف الكاتب: "كانت مقاومة المعارضة لاتزال قوية في تلك المناطق الأربع ضد أقلية نظام الأسد التي كانت تفتقر إلى القوة البشرية وتحتاج إلى مساحة للتنفس. وباتت مناطق "خفض التصعيد" بمثابة ورقة التوت الدبلوماسية لتغطية الهجمات البرية لقوات الأسد وميليشياته الموالية لإيران مثل حزب الله والضربات الجوية للطائرات الروسية".

ودفعت هذه الهجمات بقية مقاتلي المعارضة وكذلك اللاجئين المدنيين الناجين من درعا إلى الجنوب، حيث بدأت الانتفاضة ضد الأسد، إلى جيب الغوطة الشرقي الذي يهدد دمشق، وصولاً إلى إدلب، التي يصفها سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي بأنها "آخر مرتع للإرهابيين في سوريا".

ويعتبر الكاتب أن الأمر كان مسألة وقت فقط قبل إعادة جدولة الهجوم على إدلب الذي تم تأجيله في شهر سبتمبر(أيلول) الماضي، حيث تقول موسكو ودمشق أن أنقرة لم تنفذ وعودها التي تتعلق بكبح جماح هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة.

أسوأ مأساة إنسانية
ولدى هيئة تحرير الشام ما لا يقل عن 30 ألف مقاتل في إدلب، ولكن في المحافظة أيضاً حوالي ثلاثة ملايين مدني نزحوا على الأقل مرة واحدة. وتقدر الأمم المتحدة أن 180 ألف نسمة منهم اضطروا إلى الفرار مرة أخرى.

وتستهدف الغارات الجوية الروسية والسورية بالفعل المستشفيات والمدارس، وقد حذر مارك لوكوك منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة من أن الهجوم العسكري الشامل سيقود إلى أسوأ مأساة إنسانية في القرن الحادي والعشرين.

صفقة تركيا
وينتقد الكاتب الموقف المتخاذل الذي ينتهجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إزاء المأساة الوشيكة لإدلب، مشيراً إلى غضب أردوغان والكثيرين في تركيا، حليفة الناتو، من اعتماد الولايات المتحدة وحلفائها على المقاتلين الأكراد في حملتهم ضد داعش. وترتبط وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر، بدعم من الغطاء الجوي الأمريكي، على شمال شرق سوريا (قرابة ربع البلاد بالقرب من الحدود التركية)، بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، الأمر الذي تعتبره أنقرة تهديداً وجودياً.

وينوه الكاتب إلى أنه في أواخر عام 2016، اتخذت تركيا قراراً ساعد على تغيير مجرى الحرب السورية؛ حيث قامت بسحب قوات المعارضة السورية الموالية لها من الدفاع عن حلب لشن أول توغل ضد الأكراد السوريين في شمال غرب سوريا (عملية درع الفرات). ويبدو أن هذه الصفقة التي أبرمتها تركيا مع روسيا حول إدلب في العام الماضي كانت مقابل موافقة موسكو على عملية غصن الزيتون أو الغزو التركي لعفرين، الإقليم الكردي في شمال غرب سوريا.

ويرى كاتب المقال أن أردوغان كان بحاجة إلى موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على سياسته الجديدة المعادية للأكراد داخل سوريا، وفي ضوء ذلك يبدو أن تركيا تغسل يدها من إدلب والمعارضة السنية في مقابل إطلاق يدها ضد الأكراد.

ويختتم المقال بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يكتفى بموقف المتفرج فقط، وعلى الأرجح أن أوروبا غائبة عن المشهد تماماً رغم أنها قد تواجه أزمة هجرة جديدة بسبب موجات جديدة من اللاجئين شمالاً بسبب الصراعات، أما سوريا فهي لا تزال تحترق.