الجمعة 24 مايو 2019 / 12:13

بصمات تنموية وإنسانية خلدت اسم الشيخ زايد عربياً عالمياً

24 - أبوظبي - محمد رمضان

اقترن اسمه بالعطاء والتسامح، واستحوذت قيم التعايش والخير على مكانة عظيمة في فكره واهتماماته حتى أصبح اسماً شامخاً ورمزاً عربياً ستبقى ذكراه محفورة في قلب كل إماراتي وعربي، فهو قائد سطر التاريخ بالفخر والعز، وتركت أعماله الإنسانية والخيرية بصمات خلدت ذكراه في شتى بقاع الأرض، إلى أن أصبحت الإمارات بحكمة ورؤى مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تحتل المراكز الأول عالمياً كأكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية.

وبالحديث عن الإنجازات المحلية العظيمة لباني النهضة، فهي غنية عن التعريف، فمن يلقي نظرة على أرض الإمارات في ستينيات القرن الماضي ويقارنها بما هي عليه الآن من تطور واستقرار ورخاء سيعلم جيداً ما تحلى به الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من حنكة ونظرة مستقبلية جعلت الدولة في مصاف الدول المتقدمة.

أولى الشيخ زايد اهتماماً كبيراً بكافة الجوانب الاجتماعية والثقافية والتعليمية في الدولة، وحرص على أن يسطع نور العلم في ربوع الوطن من خلال تأسيس المدارس والجامعات والمعاهد الثقافية والمجتمعية، وبناء نظام تعليمي يعزز الهوية الوطنية، إلى جانب توفير أفضل الظروف التعليمية، كما أصر على توفير التعليم بالمجان، حتى استطاع أن يمحو الأمية في الدولة بشكل كامل، ويخرج العلماء والمثقفين.

وقال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في حديث له عن التعليم والثقافة، إن "العلم والتاريخ يسيران جنباً إلى جنب، فبالعلم يستطيع الإنسان أن يسطر تاريخه ويحفظه للأجيال، ليطلعوا عليه ويعرفوا ما قام به الأجداد والآباء"، كما قال: "تعليم الناس وتثقيفهم في حدّ ذاته ثروة كبيرة نعتز بها، فالعلم ثروة ونحن نبني المستقبل على أساس علمي".

المرأة والطفل
وكان للمرأة والطفل حيز كبير في اهتمامات المؤسس، حيث آمن ببناء الإنسان وبأهمية دور المرأة في خدمة المجتمع وبناء الدولة باعتبارها شريكاً أساسياً في الجهود المبذولة في تنمية ونهضة الإمارات، وأن الطفل هو ثروة الوطن، فعمل على إنشاء المؤسسات الخاصة بالنساء التي تهدف إلى النهوض بالمرأة ومكانتها، وكان أولها جمعية نهضة المرأة الظبيانية التي تعد أول تجمع نسائي في الدولة وتم إنشاؤها عام 1973 أي بعد عامين فقط من الاتحاد، إلى جانب إطلاق العديد من المبادرات التي تخدم الأطفال واليتامى وتعزز الاهتمام بهم كونهم أجيال المستقبل.

وعبّر الشيخ زايد عن نظرته للمرأة ودورها في بناء المجتمعات بالقول إن "دور المرأة لا يقل عن دور الرجل، وإن طالبات اليوم هن أمهات المستقبل"، أما عن الطفل فكان دائماً الراعي لهم وينظر إليهم نظرة الواثق، فقال عنهم إن "الطفل فلذة الكبد ونور العين ..ابتسامته تضيء الدنيا علينا وتعاسته حزن وألم وقنوط".

إلى ذلك حرص القائد الفذ على تنمية القطاع الرياضي ورسخ العديد من القيم التي ازدهرت من خلالها الرياضة، فشهد عصره إنجازات رياضية في مختلف المجالات تخطت حدود الوطن، حيث استضافت الدولة العديد من البطولات العالمية منها بطولة العالم للفروسية التي انطلقت في العاصمة أبوظبي عام 1998، كما شهد عهده الإنجاز الإماراتي الكبير في مجال كرة القدم عندما تأهل المنتخب لنهائيات كأس العالم عام 1990 في إيطاليا.

مجلس التعاون
وحول سياسته الخارجية اعتمد الشيخ زايد بن سلطان على ركائز تراعي مبادئ السلام والتسامح مع جميع شعوب العالم، وأسهمت نظرته المحنكة في دعم الاستقرار السياسي للإمارات حتى أصبحت نموذجاً يحتذى به عالمياً.

وعلى صعيد الوطن العربي، حرص باني الإمارات على أهمية ترسيخ قيم وحدة الشعوب العربية وتعزيز العلاقات المشتركة فيما بينها، باعتبارها الوسيلة الأقوى التي تتيح للدول العربية التصدي لأي تهديدات أو مخاطر خارجية، فساهم الشيخ زايد على حل الكثير من الخلافات العربية بأسلوب الحوار وتبادل وجهات النظر، كما لعب دوراً أساسياً في تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي انطلق من أبوظبي في عام 1981.

سوريا والسودان

وفي فبراير (شباط) سنة 1992، وقع صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي في دمشق ثلاث اتفاقيات مع سوريا لتمويل ثلاثة مشاريع صناعية بقيمة 911 مليون درهم، كما تبرعت الإمارات بخمسة ملايين دولار لصندوق إغاثة الكوارث الأمريكي لمساعدة منكوبي وضحايا إعصار اندرو الذي ضرب ولاية فلوريدا الأمريكية.

وتبرع القائد المؤسس بإنشاء كلية الطب ومستشفى ناصر بمدينة ود مدني السودانية وبمبلغ 3 ملايين دولار أميركي لحل مشكلة العطش في السودان، كما قدم صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي قرضاً بقيمة 5.16 مليون درهم لمشروع التنمية الريفية في منطقة دارفور بغرب السودان.

وفي عام 1999 وصلت إلى الخرطوم طائرة الإغاثة الثانية لمساعدة المتضررين من الفيضانات التي اجتاحت ولاية دنقلا السودانية وعلى متنها 40 طناً من المساعدات الغذائية.

لبنان
وبعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، أمر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بتنفيذ مشروع إزالة الألغام والقنابل العنقودية امتداداً لمشروع إماراتي لنزع الألغام في لبنان من عام 2002 ولغاية عام 2004 والذي تم من خلاله تطهير 58.073 لغم موزعة على 511 حقل ألغام، و4 ملايين قنبلة غير منفجرة و199 شركاً خداعياً على مساحة من الأرض بلغت 4 ملايين و930 ألفاً و286 متراً مربعاً وأعيد إلى الأهالي مساحة من الأرض بلغت في إجمالها 193 كيلومتراً مربعاً حيث دبت الحياة فيها مجدداً بفضل نجاح مشروع التضامن.

فلسطين
وكان زايد القائد من أكثر الداعمين معنوياً وإنسانياً للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره ومساندته في تخطي الصعاب والمعاناة حتى يقيم دولته المستقلة، فإذا دخلنا إلى أحياء مدينة القدس سنجد خير وذكرى زايد الإنسان في أروقتها، وبالتحديد في منطقة "بيت حنينا"، حيث تم إنشاء مشروع "ضاحية الشيخ زايد" بتكلفة 15 مليون درهم وتتضمن 58 شقة سكنية وزعت على أعضاء جمعية المعلمين.

ولم يغفل الشيخ زايد يوماً عن دعم القضية الأولى، حتى في أصعب الأوقات، حيث تبرع القائد المؤسس بـ30 مليون درهم لأسر ضحايا انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، للتخفيف من معاناهم، وهو يرقد على فراش المرض.

ومن الأقوال المشهورة للشيخ زايد عن القضية الفلسطينية، حين أعلن أن "دعمنا للشعب الفلسطيني سيستمر حتى يحقق هذا الشعب طموحه في إقامة دولته المستقلة، كسائر إخوانه في الوطن العربي".

اليمن
وهناك في أرض الحضارة والتاريخ اليمن، ارتبط اسم الشيخ زايد بالعديد من المواقف الإنسانية والبطولية، منها إعادة بناء سد مأرب الذي يعود تاريخه إلى الألفية الأولى قبل الميلاد ويعتبر واحداً من أهم السدود اليمنية التي تتمتع بحضارة عريقة، حيث ساهمت هذه المبادرة الكريمة بإعادة الحياة والنشاط لتلك المنطقة ودعم التنمية الزراعية بنهضة ملحوظة في إنتاج المحاصيل.

مصر وسوريا
وفي أوائل أكتوبر (تشرين الأول) 1973، كان الشيخ زايد في زيارة لبريطانيا يتابع تعزيز العلاقات الثنائية وقضايا تهم العالم العربي، وفوجئ بأخبار قيام حرب بين كل من مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وتحدث إلى الرئيس المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد، ليطمئن منهما مباشرة على الوضع الصعب، وقال لهما: "إنني معكما في كل ما تقومان به والإمارات معكم في كل ما تطلبون منها".

وتكفل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بعد حرب أكتوبر بمساعدة مصر على إعادة إعمار مدن قناة السويس التي دُمرت في العدوان الإسرائيلي عليها عام 1967، كما تبرع في العام 1990 خلال مشاركته في الاحتفال التاريخي العالمي الذي أقيم في أسوان بمبلغ عشرين مليون دولار وذلك لإحياء مكتبة الإسكندرية القديمة.

الصين وأمريكا
أما إنجازاته العالمية فلم تقتصر على مجتمعات أو بلاد بعينها، وتخطت مشاريعه ومؤسساته الإنسانية والخيرية والعلمية والاجتماعية حدود المكان والزمان دون الأخذ بعين الاعتبار لون أو دين أو عرق أو معتقد من يستفيد منها، حيث دعم العديد من المنظمات العالمية والدولية التي تهدف إلى مساعدة الشعوب والمجتمعات التي تعاني من الكوارث والحروب، كان أهمها منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، حيث تبرع بمبلغ 100 ألف دولار لدعم أنشطة المنظمة في برامجها الهادفة لمساعدة الطفولة، وبـ424 ألف دولار لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي و54 ألف دولار لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.

وامتدت المشاريع الخيرية في عهد الشيخ زايد لتشمل حتى دول العالم المتقدم، ففي الصين سنجد مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين، الذي يستقطب مئات الطلاب والدارسين الصينيين سنوياً من الراغبين في تعلم اللغة والثقافة العربية، وبالذهاب إلى الولايات المتحدة، سنجد معهد الشيخ زايد لتطوير جراحة الأطفال في واشنطن الذي يعتبر من أفضل مستشفيات الأطفال في أمريكا، وفي عام 1999 وبتوجيهات من الشيخ زايد، غادرت مطار أبوظبي طائرة إغاثة متوجهة إلى اليونان لمساعدة المتضررين من الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من البلاد.

البوسنة والهرسك
كما دعم الشيخ زايد شعب البوسنة والهرسك خلال تعرضه لأبشع جرائم الحرب في تسعينات القرن الماضي حيث وجه في 26 أبريل (نيسان) 1993 بتقديم مبلغ 10 ملايين دولار لإغاثتهم من الأوضاع المأساوية التي يمرون بها، وأمر بإرسال العديد من شحنات الإغاثة من المواد الغذائية والطبية إلى البوسنة ووجه باستقبال أفواج من الجرحى لعلاجهم بمستشفيات الدولة وتكفل بإقامة العشرات من العائلات في شقق مجهزة بالكامل وتوفير فرص العمل لهم.

مساجد زايد
وإلى جانب ارتباط اسم الشيخ زايد بالإنسان والقائد والملهم، ارتبط اسمه أيضاً بالمساجد والمستشفيات عالمياً، حيث تم إنشاء العديد من الجوامع والمشافي في مختلف دول ومجتمعات العالم تحت اسم "زايد"، وشملت لندن والسويد وأثيوبيا والمغرب وكينيا وأمريكا والشيشان ومصر وفلسطين وجزر القمر وباكستان وروسيا ولبنان وغيرها العديد من المدن.