(أرشيف)
(أرشيف)
السبت 25 مايو 2019 / 00:05

قصة بريكست.. والسيناريوهات المحتملة

24 - إعداد: ريتا دبابنه

تقف بريطانيا اليوم، أمام تحدٍ جديد، بعد إعلان تيريزا ماي استقالتها من رئاسة الحكومة، تاركة خلفها الكثير من التساؤلات والشكوك حول مصير اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست".

وأعلنت ماي، اليوم الجمعة، في كلمة مقتضبة أمام مقر رئاسة الحكومة في لندن، أنها تشعر بأسف عميق لأنها لم تتمكن من تنفيذ قرار الاستفتاء المتعلق باتفاق بريكست، مؤكدة إنهاء مسيرتها السياسية يوم 7 يونيو (حزيران) المقبل.


نبذة تاريخية
وبدأ تداول كلمة "بريكست" والتي تعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بغزارة، فور إعلان الاستفتاء الذي تم في 23 يونيو (حزيران) 2016 وشهد خلاله بريطانيا احتجاجات عارمة بين مؤيدين ومعارضين، إلا أن النتيجة حسمت بفارق ضئيل (51.9%) لصالح الانسحاب.

وجاء الاستفتاء بعد مطالب من قبل المشككين في وحدة أوروبا من الجناحين اليساري واليميني، في الوقت الذي كان يرأس خلاله ديفيد كاميرون الحكومة.

لطالما كانت عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي موضع جدل منذ انضمامها إلى السوق الأوروبية المشتركة، كما كانت تعرف آنذاك، في العام 1973.


إلا أن خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بدأت تتنامى مطالب الخروج من الاتحاد الأوروبي من قبل الأحزاب اليسارية واليمينية، ما أدى إلى انقسامات داخل حزب المحافظين الحاكم.

وتنحى ديفيد كاميرون الذي قاد حزب المحافظين لـ 11 عاماً، وكان من المؤيدين لوحدة أوروبا، بعد أن خسر في حملته لإبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، في يونيو (حزيران) 2016 تاركاً المنصب لتيريزا ماي.


وبدأت ماي مرحلة المفاوضات مع التكتل الأوروبي، والتي خسرت خلالها وزراء على طول الطريق مثل بوريس جونسون، وديفيد ديفيس، ودومينيك راب، وإستير ماكفي، بالإضافة إلى تعرضها لحفنة أخرى من الاتهامات وفقدان الثقة في البرلمان.

أبرز المراحل
مرّ "بريكست" بقيادة ماي في عدة مراحل معقدة على مدار السنوات الماضية، كانت أولها في 29 مارس (آذار) 2017، حيث فعّلت رئيسة الوزراء المادة 50 من معاهدة لشبونة، لتنطلق عملية الخروج بشكل رسمي والتي كان من المفترض أن تنتهي في 29 مارس (آذار) الماضي.

ورغبة منها في تعزيز موقعها قبل الدخول بالمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، دعت ماي إلى انتخابات برلمانية مبكرة. لكن النتيجة في 8 يونيو (حزيران) 2018 كانت نكسة لماي التي بات عليها التحالف مع الحزب الوحدوي الديمقراطي الصغير في إيرلندا الشمالية، للتمكن من الحكم وتأمين أكثرية ضعيفة.


في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2017، أعلن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، وتيريزا ماي، عن توصلهما إلى اتفاق أولي حول الملفات الثلاث الأهم في الانفصال: التسوية المالية، وحقوق المواطنين الأوروبيين في بريطانيا، ومسألة الحدود بين إيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة، والجمهورية الإيرلندية العضو في الاتحاد الأوروبي.

بنود الاتفاق الأولي
ونص الاتفاق على "شبكة أمان" (باكستوب) لمنع عودة حدود مادية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا من أجل حماية اتفاقات موقعة في 1998 أنهت الاضطرابات الدموية في المقاطعة، وتقضي هذه الآلية المثيرة للجدل بإنشاء "منطقة جمركية واحدة" تشمل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لا تطبق فيها أي أنظمة للحصص أو رسوم جمركية على السلع الصناعية والزراعية.

وفيما يخص حقوق المواطنين، فنص الاتفاق على أن "المواطنين الأوروبيين المقيمين في المملكة المتحدة والبريطانيين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي قبل انتهاء الفترة الانتقالية، يمكنهم مواصلة العيش في بلدان إقاماتهم". وبإمكان مواطني الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مواصلة العيش والعمل أو الدراسة والحصول على مساعدات اجتماعية واستقدام عائلاتهم.

أما بالنسبة للأمور المالية، فنص تسوية مالية، فتعهدت المملكة المتحدة احترام التزاماتها التي قطعتها في إطار الميزانية الجارية التي تمتد لعدة سنوات (2014-2020) وتغطي الفترة الانتقالية أيضاً.



خطة تجارية
واستكمالاً لمراحل بريكست، في 6 يوليو (تموز) 2018، أعلنت تيريزا ماي، عن خطتها بشأن العلاقة التجارية مع الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد بريكستن وهي الحفاظ على المبادلات الزراعية والصناعية من خلال خلق "منطقة تجارة حرة" مع الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد، ووضع نموذج جمركي جديد.

ونتيجةً لهذا الموقف المرن الذي اتخذته الحكومة البريطانية، استقال اثنان من أبرز وزرائها، هما وزير بريكست ديفيد ديفيس الذي استبدل بالمناهض لأوروبا دومينيك راب، ووزير الخارجية بوريس جونسونـ الذي خلفه جيريمي هانت.

مشروع اتفاق تقني
وفي 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، أعلنت الحكومة البريطانية أن المفاوضين البريطانيين والأوروبيين توصلوا أخيراً إلى مشروع اتفاق تقني، متضمناً فترةً انتقالية. وفي اليوم التالي، وافق مجلس الوزراء البريطاني على مشروع الاتفاق، لكن 4 أعضاء من الحكومة استقالوا من بينهم دومينيك راب.

وفي 22 نوفمبر (تشرين الثاني) من نفس العام، أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا توصلا إلى مشروع اتفاق بشأن الروابط في مرحلة ما بعد بريكست والذي اتخذ شكل "إعلانٍ سياسي".


وجرت الموافقة على الإعلان السياسي وعلى اتفاق الخروج في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) خلال قمة أوروبية.

ويحسم الاتفاق خصوصاً مسألة قيمة الفاتورة التي على لندن دفعها للاتحاد الأوروبي وتتراوج قيمتها بين 40 و50 مليار يورو. كذلك، يتضمن الاتفاق خطة "شبكة الأمان" التي تنص على منح إيرلندا الشمالية وضعاً خاصاً لتفادي تشكل حدود فعلية مع جارتها إيرلندا، وذلك كملاذ أخير.

دعم اتفاق الخروج
ودعت تيريزا ماي النواب البريطانيين إلى دعم اتفاق الخروج الذي توصلت إليه مع الأوروبيين في تصويت برلماني في 11 ديسمبر (كانون الأول).

وفي 12 ديسمبر (كانون الأول)، فازت تيريزا ماي في تصويت منح الثقة لحكومتها بناء على طلب نواب من حزبها مناهضين لاتفاق الخروج، لتنال 200 صوت مقابل 117 ضدها.

وتلقت الحكومة نكستين في البرلمان في 9 يناير (كانون الثاني) الماضي، مع اعتماد النواب تعديلاً يجبر الحكومة على تقديم خطة بديلة خلال ثلاثة أيام في حال رفض البرلمان للاتفاق. ووافق النواب أيضاً على تعديل آخر بقانون الموازنة، يهدف إلى الحدّ من قدرة الحكومة على تغيير السياسة الضريبية في حالة بريكست بدون اتفاق.



استقالة ماي
وبعد أن رفض النواب 3 مرّات الاتفاق الذي أبرمته ماي مع بروكسل، ما أدى إلى تأجيل موعد انسحاب لندن من الاتحاد الأوروبي من 29 مارس (أذار) إلى 12 أبريل (نيسان) الماضيين، ومن ثم إلى 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ناشدت ماي البرلمان قبل أيام، دعمها في خطتها الجديدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أن حزب المحافظين وأحزاب المعارضة المؤيدة لبريكست عارضت بشدة مسعاها الأخير.

وفي مشهد مؤثر، خرجت ماي من مقرها وسط لندن، اليوم الجمعة، لتودع الساحة السياسية في كلمة عاطفية مقتضبة تخللتها مشاعر مثقلة بالحزن والدموع.


أبرز المشرحون
وفور إعلان استقالة تيريزا ماي من منصبها، وضعت العديد من الصحف ووسائل الإعلام لائحة بالطامحين أو الذين يتمتعون بفرصة لخلافتها على رأس الحكومة.

وعلى رأس القائمة جاء اسم بوريس جونسون (54 عاماً) وهو أحد أهم مهندسي فوز تيار بريكست، عينته تيريزا وزيراً للخارجية لكنه لم يكف عن انتقاد استراتيجيتها في المفاوضات مع المفوضية الأوروبية قبل أن يغادر الحكومة للدفاع عن انفصال قطعي عن الاتحاد الأوروبي.

وورد أيضاً اسم وزير الخارجية الحالي جيرمي هانت (52 عاماً)، الذي دعم بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، قبل أن يغير موقفه على إثر ما اعتبره طرحاً "متبجحاً" للمفوضية في المحادثات.

وجاء في اللائحة اسم دومينيك راب، الذي عُين وزير بريكست في يوليو (تموز) ثم استقال بعد 4 أشهر بسبب خلافه مع ماي حول اتفاق الخروج الذي توصلت إليه مع المفوضية الأوروبية، ويعد المشكك تماماً في الاتحاد الأوروبي، والمحامي السابق في القانون الدولي من شخصيات الحرس الجديد في حزب المحافظين.


وضمت أيضاً كل من وزير البيئة مايكل غوف، ووزير الداخلية ساجد جاويد، وأندريا ليدسوم، الوزيرة المكلفة العلاقات مع البرلمان التي قدمت استقالتها الأربعاء، ووزيرة العمل أمبر راد.

أبرز السيناريوهات
رجح مراقبون سيناريوهات محتملة لمرحلة ما بعد تيريزا ماي، بحسب والوكالة الفرنسية للأنباء.

ويمكن لبريطانيا، أن تطلب من الاتحاد الأوروبي تأجيلاً جديداً، ولا سيما أن لا النواب البريطانيين ولا النواب الأوروبيين سيرغبون في خروج بلا اتفاق، ومن المتوقع أن تبحث قمة أوروبية في نهاية يونيو (حزيران) القادم مسألة بريكست.

وهذا السيناريو الذي تخشاه الأوساط الاقتصادية، سيعني خروجاً من الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى مرحلة انتقالية، على أن تخضع في هذه الحال العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى قواعد منظمة التجارة العالمية نظراً إلى خروج لندن من السوق الموحّدة والاتحاد الجمركي.


ويمكن أن يميل خليفة تيريزا ماي الذي سيكون مؤيداً لبريكست بلا أدنى شك، نحو بريكست متشدد بشكل يسمح للمملكة المتحدة عقد اتفاقات تجارية خاصة بها.

وكثّف الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في الأشهر الأخيرة التحضيرات لاحتمال التوصل إلى مرحلة "لا اتفاق"، لا سيما إذا حل مكان تيريزا ماي على رأس حزب المحافظين، وبالتالي في رئاسة الحكومة أكثر المؤيدين لبريكست وزير الخارجية السابق بوريس جونسون.