السبت 25 مايو 2019 / 20:37

في فهم "دموع" تيريزا ماي

لم تسعفها الفترة الزمنية القصيرة نسبياً في رئاسة الحكومة البريطانية من تحقيق إنجازات كبرى، ومنها كان مشروع الخروج من الاتحاد الاوروبي المسمى "البريكست" الذي "قصف عمرها السياسي"، غير أن تيريزا ماي حققت خلال شغلها منصب وزير الداخلية في حكومة كاميرون (2010 – 2016) وهي أطول فترة لوزير داخلية في تاريخ بريطانيا الكثير من الإنجازات، ومن أبرزها على الإطلاق تراجع معدلات الجريمة في بريطانيا، في ظني أن ماي دخلت التاريخ السياسي البريطاني لسببين الأول: لأنها قدمت بمحض إرادتها الاستقالة لشعورها بالفشل في تمرير الاتفاق الخاص بالانسحاب من الاتحاد الاوروبي، فلقد كانت قادرة على أن تتجاهل حقيقة أنها فشلت أربع مرات في تمرير الاتفاق الخاص بالانسحاب وتبقى في المنصب لحين سحب الثقة منها وهو سلوك ديمقراطي – حضاري قلما نشاهده هذه الأيام في ديمقراطيات الألفية الثانية التي تحولت إلى ديكورات للديمقراطية.

أما السبب الثاني: فهو حرصها المثير للإعجاب والتقدير على المصلحة الوطنية والتعبير العميق عن الإيمان بالقيم الديمقراطية، فعندما تدمع عيني رئيسة وزراء بريطانيا "العظمى" وهي تعلن استقالاتها من رئاسة الحكومة، فهذا يعني وببساطة "تعظيم" لاحدود له للممارسة الديمقراطية وتعبير وجداني مرهف عن الخوف على المصلحة الوطنية العليا ومستقبل بريطانيا وعلاقتها باوروبا والعالم، وستبقى لقطة البكاء العابرة تلك رمزاً لقيمة هذه السيدة ولمعنى الوطنية والحرص عليها في عالم ذابت فيه القيم بشتى أنواعها.

ففي الوقت الذي قدمت فيه تيريزا ماي استقالتها كان نتانياهو يبحث مع حلفائه في الليكود والأحزاب اليمينية في كيفية تقويض النظام القضائي في إسرائيل وفي تقليص صلاحيات المحكمة العليا فيها للهروب من محاكمته بتهم الفساد العديدة الموجهة إليه، ومن أجل استمراره في السلطة أطول فترة ممكنة، فبعد جلوسه على مقعد رئاسة الحكومة في إسرائيل لأكثر من عقد من الزمان بات عاجزاً عن تقبل فكرة أنه خارج إطار صنع القرار وبخاصة بعد أن يسّر له مجيء ترامب تحقيق أحلامه "التلمودية المتطرفة" كاعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس "الموحدة" عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل واشنطن سفارتها إلى القدس الشرقية واعترافها بالسيادة الإسرائيلية على الجولان وتقويض الأونروا تمهيداً لطي صفحة اللجوء الفلسطيني وإنهاء حق العودة.

استمد نتانياهو قوته من الخارج وتحديداً من شيلدون اديلسون ملياردير القمار، ودونالد ترامب ملياردير العقار، واستثمر "بالديمقراطية" والأن فهو يعمل على تحويلها إلى "ديكتاتورية"، فيما تيريزا ماي عظمت القيم الديمقراطية من خلال انسحابها الهادئ من رئاسة الحكومة ورفضت المساومة على الديمقراطية البريطانية "العريقة" كما رفضت التنازل عن مصلحة بلادها العليا.

من الحقائق المهمة هنا والتى يجب التأكيد عليها أن الديمقراطية لا تصنعها إلا عقول تربت على قيم الديمقراطية وفي أجواء اجتماعية صحية خالية من التشوهات القيمية والأخلاقية، أما العقول التي تربت في ظل بيئة مليئة بالمؤامرات والمكائد والأحقاد مثل بيئة نتانياهو لا يمكن أن تنتج ديمقراطية وستبقى نزعة التفرد والتسلط لصيقة بها، لأن عقل المحتل هو عقل لا يتقبل الحق، ولا يفهم العدل ولا يرضخ للقانون ولهذا يبقى جانحاً نحو التسلط والتجبر.