غلاف بطن باريس لزولا (من المصدر)
غلاف بطن باريس لزولا (من المصدر)
الأحد 26 مايو 2019 / 17:04

مشروع "كلمة" يُصدر ترجمة رواية إميل زولا "بطن باريس"

صدرت ترجمة رواية "بطن باريس"، للكاتب الفرنسيّ إميل زولا، وترجمها عن الفرنسية الكاتب والمترجم المصري المقيم في كندا ياسر عبد اللطيف، وراجع الترجمة وقدم لها الشاعر والأكاديمي العراقي المقيم في باريس كاظم جهاد.

وجاء هذا ضمنَ كلاسيكيات الأدب الفرنسي التي تصدر عن مشروع "كلمة" للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة-أبوظبي، وبالتزامن مع الدورة الـ 29 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، بحسب بيان صحافي تلقى 24 نسخة منه.

وبين روايات رائد المدرسة الطبيعية في الأدب الفرنسيّ، إميل زولا 1840-190، تشغل هذه الرواية مكانة أساسية، ففيها تجتمع الشواغل الرئيسة للكاتب، وفي أولها رصد الواقع السياسي والاجتماعي، وفي الأوان ذاته إخراج الكتابة من مطبات التناول الواقعيّ المباشر.

محور
وفي هذا العمل يرصد زولا بتفصيل مفعم بالشاعرية مجريات الحياة اليومية، وطبيعة العلاقات المهنية والإنسانية بعامة في أسواق "ليهال" Les Halles لبيع اللحوم، والأسماك، والفواكه، والخضار التي كانت، منذ نهايات القرن الثامن عشر، تحتل قلب العاصمة الفرنسية بعدما تنقلت على مر العهود بين عدة أحياء.

ورغم نقلها في بدايات العقد السبعيني من القرن العشرين إلى ضاحية رانجيس الباريسية، وإخلائها المكان إلى مشهد عمراني جديد بقيت تحمل الاسم ذاته، "ليهال"، وتعمرها الحدائق والمغازات الكبرى، وما برحت هذه الأسواق تحتل مكانة في وجدان من عاصرها وفي المخيال الشعبيّ والأدبي الفرنسي، وسماها الروائي في عنوان عمله هذا "بطن باريس" بالمعنى الحرفي للكلمة، لأنّه كان يرى فيها بطن المدينة، معدتها الهاضمة ومحور وجودها الفيزيائي، الذي يتحكم بمشاعرها وتشوفاتها ويخط صراعات البشر والأهواء في مسرحها العريض المتشعّب.

ومن هنا الوفاء في ترجمة العنوان لهذه الدلالة، تفضيلاً لها على عناوين أخرى قد تكون أقل مباشرةً في العربيّة، من قبيل "جوف باريس" أو "أحشاء باريس"، وسواهما.

"سمفونيّة ضروب الجبنة"

ومثل العادة، تقترن لغة زولا في هذه الرواية، الصادرة في 1873، بخصوصيات الشيء الموصوف وبتنوّع تجلّياته، هكذا يصف ما سماه "سمفونية ضروب الجبنة"، يرصد في أسواق "ليهال" وفرتها المذهلة، وشتّى صنوف الأسماك معروضةً بألوانها وحجومها وأشكالها وروائحها، ومختلف صنوف الخضار، وطقوس وصول العربات المحملة بالسلع الطازجة كل صباح.

كما يرصد أروقة السوق وأقبيتها السفلية ومزاداتها، ويحلل طبائع البائعات، والبائعين وأنانيتهم وأمزجتهم وصبواتهم المحبطة في الغالب، وتحالفاتهم المعقودة فالمنهارة فالمعقودة من جديد، وهذه التقلبات يقع ضحيتها بطل الرواية الشاب، فلوريان، الهارب من معتقل المنفيين في مدينة كايين في المستعمرة الفرنسية غويانا، الذي زُج به فيه بعدما قبضت عليه الشرطة في مظاهرة مناوئة لنابليون الثالث انجر إليها بالصدفة.

الجانب المظلم
وحول هذه الحبكة يرسم زولا شبكة واسعة من العلاقات والنماذج السلوكية والأهواء، تاركاً المصائر تتلاقى وتتقاطع أو تفترق، ويتوقف ملياً عند علاقة الحبّ التي تنشأ بين الصبي مارغولان والفتاة كادين، وكلاهما لقيط عُنيت بتربيتهما بائعة خضار، ويستعيد حوارات عن الفن مع الرسام كلود الذي يرتاد الأسواق بحثاً عن موديلات ومشاهد يطبق عليها تصوره الجديد لفن الرسم، ويرصد "ليهال" في مختلف ساعات النهار والليل، ويعاين أنماط سلوك الباعة وطقوس العمل ومختلف تعابير هذا الجمهور الواسع، وعلى سطح هذا الأوقيانوس البشري المتلاطم تطفو، وتخط النهايةَ المأساوية للعمل، روح الجشع والشغف بالوشاية تتعيش منه ثلاث نساء يخصهن زولا بتحليلات فريدة بها يُبرز الجانب المظلم من تكوين المجتمع بأسره.

هذا كله يمنح الرواية، كما كتب الناقد فيليب هامون، طبيعة توثيقية مؤكدة يفيد منها عالِم الاجتماع والمؤرخ والأنثروبولوجي والمعماريّوسواهم، كل في مجال بحثه، سوى أن هذه "الوثيقة" إنما هي مكتنفة في عملٍ أدبي وتخضع إلى نظامٍ دلالي وتمتثل إلى حركات بلاغية وأسلوبية، ويتحكم بها إلهام إبداعي، وهذا كله هو بالطبع ما ضمنَ للعمل استمراريّة تأثيره وفتنته.