رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان.(أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان.(أرشيف)
الأحد 26 مايو 2019 / 20:54

أفق مُغلق وخيارات ضيّقة

يبدو أن مفاوضي الطرفين، نتانياهو وليبرمان، قد توصلوا إلى تفاهمات، وحلول وسط في هذا الشأن، إلا أنهم فشلوا في حل معضلة قانون التجنيد، الذي يشترط "يهودوت هتوراه" تعديله

توشك المدة الإضافية التي حصل عليها نتانياهو لتشكيل حكومته الجديدة على النفاد، ولكن مفاوضات تشكيلها تجابه عقبة قانون التجنيد، الذي لم تتمكن حتى الآن من تذليلها. وهذا يعني أن الأيام الأربعة المُقبلة تنطوي على احتمال: إما أن يُشكّل نتانياهو حكومة تحظى بدعم 60 من أعضاء الكنيست، أي النصف، أو ينجح في استمالة عضو أو أكثر من معارضة العماليين والوسط، أو يُعلن الفشل، ويدعو إلى انتخابات جديدة بعد ثلاثة أشهر.

وفي حال اللجوء إلى الخيار الأوّل، أي حكومة النصف، فإنها ستكون على قدر كبير من الهشاشة، ويمكن إسقاطها بسهولة من جانب المعارضة، ناهيك عن عجزها عن اتخاذ قرارات جدية في منعطفات حاسمة. ومع ذلك، يعتقد البعض أن تعريض حكومة كهذه إلى خطر السقوط، قد يُحرّض ليبرمان، الذي فاز حزبه "إسرائيل بيتنا" بخمسة مقاعد في انتخابات الكنيست الأخيرة، على الالتحاق بها للحيلولة دون سقوطها، في اللحظة الحاسمة.

وبينما يبدو خيار استمالة أعضاء من تحالف "أبيض ـ أزرق" أو ميرتس والعمل ممكناً من ناحية نظرية، إلا أن تحويله إلى واقع يبدو صعباً في ظل حالة الاستقطاب الحاد، ناهيك عن احتمال أن يُكلّف رئيس الدولة شخصاً آخر من التحالف المذكور، بيني غانتس مثلاً، بتشكيل الحكومة، كما جرت العادة في حالات سابقة، تنتقل فيها مهمة تشكيل الحكومة إلى ثاني أوفر المرشحين حظاً بعد فشل الأوّل.
وينطوي هذا الاحتمال على مشكلة أساسية، فلن يتمكن البديل من تحقيق أمر كهذا دون مشاركة أعضاء من الأحزاب العربية، وهذا غير وارد لديه ولدى نتانياهو على حد سواء. لذا، لا يبقى سوى احتمال الذهاب إلى انتخابات جديدة. وهذا ما لا يريده تحالف المعسكر القومي ـ الديني، في الوقت الحاضر، وما لم يحدث في تاريخ الانتخابات البرلمانية في إسرائيل.

ولكي تتجلى ملامح المشكلة، والواقع الراهن، بصورة أفضل، تجدر الملاحظة أن مفاوضات تشكيل الحكومة تدور في الغالب حول برنامجها السياسي، وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية، وحصة ممثلي القوى والأحزاب المشاركة في المناصب الوزارية، ومناصب نوّاب الوزراء، ومناصب غيرها في بيروقراطية الدولة.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بمفاوضات تشكيل الحكومة الحالية، فإن عقدتها الأساسية تتجلى في قانون التجنيد، الذي يشترط ليبرمان الموافقة عليه كمدخل للمشاركة في الحكومة. وفي القلب من القانون المذكور تجنيد طلاّب المدارس الدينية في الجيش الإسرائيلي. وهذا ما لا يوافق عليه حزب "يهودوت هتواره" الديني المتشدد، الذي فاز بثمانية مقاعد في الانتخابات الأخيرة.

كانت لدى ليبرمان تحفّظات علنية سابقة بشأن موقف نتانياهو من حماس في غزة، ومسألة دخول الأموال القطرية بموافقة منه، حيث طالب بموقف أكثر تشدداً في هذا الشأن، إضافة إلى شرط الحصول على منصبه السابق، أي وزير الدفاع، في حال المشاركة في الحكومة.

ويبدو أن مفاوضي الطرفين، نتانياهو وليبرمان، قد توصلوا إلى تفاهمات، وحلول وسط في هذا الشأن، إلا أنهم فشلوا في حل معضلة قانون التجنيد، الذي يشترط "يهودوت هتوراه" تعديله، والحصول على موافقة الزعيم الروحي للحزب، قبل المشاركة في الحكومة.
وتجد الإشارة، أيضاً، إلى أن مفاوضات تشكيل الحكومة بين ممثلي نتانياهو وبقية أطراف المعسكر القومي ـ الديني، قد شملت على الأرجح قانون الحصانة، الذي يعفي نتانياهو من خطر الملاحقة القانونية، وتجريد المحكمة العليا من سلطة وحق الاعتراض على قوانين الكنيست.

ومن الواضح أن الأمرين لم يُشكّلا عقبة جدية في أوساط معسكر اليمين القومي ـ الديني. فما يدعوه ممثلو المعارضة في تحالف "أزرق ـ أبيض"، وفي حزب العمل وميريتس، بمحاولة إنشاء نتانياهو لنظام في إسرائيل يشبه نظام أردوغان في تركيا، لا يتجلى كمشكلة جدية في تلك الأوساط، التي لا تعنيها مسائل كهذه بقدر ما تسعى للحصول على موازنات إضافية، وعلى ضمانات لعدم الانسحاب من الضفة الغربية، بل وتسعى بعض القوى الدينية المتشددة إلى تكريس قانون يحد من الاختلاط بين الجنسين في الجيش، ووسائط النقل، والفضاء الاجتماعي العام.

الصورة معقّدة، بالتأكيد، والخيارات صعبة، ولكن الجواب لن يتأخر، ولن يكون من الصعب التعرّف على أبرز ملامحه بعد يوم الأربعاء المقبل، على أبعد تقدير. وما يبدو في، ومِنْ، مشهد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، لا يتجاوز الآن أكثر من أفق مغلق، وخيّارات ضيّقة.