مقاتلون أكراد من قسد في شمال سوريا (أرشيف)
مقاتلون أكراد من قسد في شمال سوريا (أرشيف)
الثلاثاء 28 مايو 2019 / 11:00

"إكونوميست": من سيحكم شمال سوريا؟

يطلق الأكراد السوريون على دولتهم تسمية روغوفا، التي تعني أين تغرب الشمس. وتقول مجلة "إيكونوميست" إن التسمية مناسبة إذ تعرض الاكراد، طيلة عشرات السنين، لقمع القوميين العرب، وطردوا من أراضيهم، ومنعوا من استخدام لغتهم، ثم جاء جهاديو داعش الذين أدى القتال ضدهم إلى تدمير مدن كردية.

تستغل تلك الخلافات بين العرب والأكراد، تركيا شمالاً، والحكومة السورية جنوباً

لكن بعد هزيمة داعش، عاودت تلك المدن النهوض، ومن أكبرها كوباني، التي تبدو اليوم أوسع وأعلى بنياناً مما كانت عليه، وهي تحتض نصباً تذكارياً شاهقاً للحرب، وتستضيف ثاني معرض للفنون. ويقول بريفان هاموش، رسام مشاهد طبيعية: "كفى آلاماً".

بركة
وتلفت المجلة إلى سيطرة الأكراد، على مدار الحرب الأهلية السورية، التي بدأت في 2011، على ثلث سوريا. وفي 2016، أعلنوا منطقة حكم ذاتي لهم في روجوفا التي تضم معظم حقول النفط في سوريا، وأعلى سدودها، وسلة خبزها.

وتمر عبر المنطقة طرق تجارية قديمة مثل طريق الحرير. وتمثل تلك الأرض القيمة بركة لإدارة روغوفا بقيادة كردية، ولكنها تجتذب أيضاً الأعداء. وفيما يعيدون بناء منطقتهم، يواجه الأكراد تهديدات، في الداخل السوري، ومن الخارج. ويخشى عدد كبير منهم تخلي أمريكا عنهم، أقوى حلفائهم، في غمضة عين.

وفي الوقت الراهن، يبدو أن الأمور في تحسن، إذ أدى استمرار القتال، والعقوبات، ونقص الأموال، إلى إعاقة إعادة الإعمار في معظم أنحاء سوريا، ولكن شاحنات عملاقة محملة بحفارات، وإسمنت تصطف لأميال عند حدود روغوفا مع العراق.

وتجوب قوافل صهاريج البنزين الطرق السريعة نحو دمشق. وتصلح وكالات إغاثة يمولها الغرب البنية التحتية، ومستشفيات ومدارس في المنطقة. ولا يزال البرلمان الذي شكل في سبتمبر(أيلول) يلتقي في مدرسة ثانوية، وذلك يعني أيضاً سهولة الوصول إلى سياسيين، والالتقاء بهم.

مجتمع تقدمي
وفيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، يعتبر زعماء روجوفا، وفق المجلة، تقدميين بالمقارنة مع سواهم في معظم أرجاء الشرق الأوسط. فتعدد الزوجات محظور، ويرأس كل مكتب حكومي رجل وامرأة، كما تدير امرأة مدينة الرقة، عاصمة داعش سابقاً. وقليلاً ما ترى مسؤولة كردية محجبة، رغم أن الأكراد مسلمين، ولكنهم غير متشددين في تطبيق فروض إسلامية مثل صيام رمضان. ويعتبر الإيمان عندهم مسألة خاصة. وبسبب العدد المتزايد من المتحولين للمسيحية، افتتحت في كوباني كنيسة جديدة.

لكن قادة روجوفا الجدد مدينون بالفضل للجان ثورية مدججة بالسلاح، لا لصناديق الانتخاب، إذ برزوا من خلال حزب العمال الكردستاني، ومقره في شمال العراق.

ولروجوفا، حسب المجلة، سمات دولة الحزب الواحد القمعية، إذ تلاحق أحزاب معارضة. ولكن يقول المسؤولون هناك إنهم أفضل من النظام السوري، أو المتمردين الذي حاربوهم. ومع ذلك، يقول صحافي كردي هرب من المنطقة: "إنه مجرد نظام استبدادي آخر".

توسيع المشاركة
وحسب "إكونوميست"، يصعب حكم روغوفا بسبب ديموغرافيتها. ويعتقد أنها تضم ما بين 500 ألف و 1 مليون كردي، بالمقارنة مع ما لا يقل عن 1.5 مليون عربي. ولذلك حاول مسؤولون أكراد توسيع نطاق المشاركة، فاستبدلوا في سبتمبر( أيلول) الماضي اسم روجوفا بآخر، وهو"إدارة الحكم الذاتي لشمال وشرق سوريا.

ونقلوا عاصمة الإدارة من القامشلي، مدينة كردية إلى عين عيسى، بلدة عربية باهتة. كذلك، عين عرب في مناصب حكومية رفيعة. ويقول بولات كان، القائد في قوات سوريا الديوقراطية قسد، الجيش المحلي: "نسعى لإنشاء اتحاد جيوغرافي، لا اتحاد عرقي".

ورغم ذلك، يشعر العرب في روجوفا بأنهم دخلاء، فالقوات الكردية المعروفة باسم وحدات حماية الشعب، هي التي تقود قوات قسد. ويزعم شيوخ قبائل عربية أن الأكراد استولوا على أرضهم، ويفرضون عاداتهم. ويتحدث بعض العرب عن "احتلال كردي"، ومنع محتجون قرب دير الزور الوصول إلى آبار نفط بإطارات مشتعلة، وقالو: "سرقوا نفطنا".

تصيّد
وحسب المجلة، تستغل تلك الخلافات بين العرب والأكراد، تركيا شمالاً، والحكومة السورية جنوباً.

ونظم كل منهما لقاءات قبلية في محاولة لاستمالة عرب روغوفا. وترغب تركيا في اقتطاع منطقة عازلة عند حدودها الجنوبية قد تشمل مدناً كردية.

ولا يملك الأكراد قوة جوية وسلاحهم الثقيل قليل ولا يضاهي ما لدى الجيش التركي. كما لا يمكنهم الوقوف في وجه جيش الأسد الذي يقول إنه يريد استعادة السيطرة على كامل سوريا.

وفي الوقت نفسه، لا يزال خطر داعش كامناً، إذ يقيم جهاديون نقاط تفتيش مرتجلة على الطرق السريعة.

وفيما يطمح أكراد سوريا لأن يكونوا حلفاء دائمين لأمريكا، مثل أكراد العراق، فأن روجوفا لا تحظى باعتراف دولي مثل كردستان العراق.

ويقول مدرس في القامشلي: "لا نعلم إلى متى ستستمر روجوفا، تشعر أنها مبينة على رمال".