وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.(أرشيف)
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.(أرشيف)
الثلاثاء 28 مايو 2019 / 21:08

ميثاق عدم اعتداء على أجنحة الدرونز!

أياً يكن هامش الحرية التي يتمتع بها وكلاء طهران، فمن السذاجة الاعتقاد أن هذه الميليشيات تتحرك خلافاً لمصالح ايران وحساباتها في المنطقة

أعاد اقتراح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف توقيع ميثاق عدم اعتداء مع دول الخليج، إلى الاذهان اتفاقاً مماثلاً اقترحه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على الملك فهد عام 1989 يقضي أيضاً بترسيم الحدود بين العراق والمملكة، بعدما بقي هذا الملف معلقاً لسنوات طويلة. في حينه كانت العلاقات بين المملكة وبغداد مستقرة، لذا أثار الاقتراح استغراب العاهل السعودي الذي قرر مع ذلك مجاراة صدام. وبعد ذلك بأشهر، غزت القوات العراقية الكويت، وتبين أن النظام العراقي كان يعتقد أن الاتفاق سيضطر السعودية إلى اتخاذ موقف محايد من عملية الغزو.

ليس في الطموحات الإيرانية المعلنة أية خطط لغزو مباشر لدولة خليجية، إلا أن اقتراح ظريف مثله مثل عرض صدام، ظاهره شيء وباطنه شيء آخر.

في الظاهر، يبدو رئيس الديبلوماسية الإيرانية يمد يده لدول الخليج في محاولة لنزع فتيل أزمة متفاقمة وضعت المنطقة على شفير حرب. وفي الباطن، يعرف ظريف كما نظام بلاده، أن دول الخليج لن تقبل مبادرته، ما دام وكلاء طهران يسرحون ويمرحون في المنطقة ويعبثون بأمن الخليج ودول عربية أخرى ويهددون سلامتها.

ومهدت لاقتراح ظريف سلسلة مقالات ودراسات لخبراء أميركيين معارضين للانسحاب من الاتفاق النووي، تقول إن طهران لا تسيطر تماماً على ميليشياتها في المنطقة، في محاولة للنأي بها عن الهجمات التي نفذت على ناقلات نفط قبالة سواحل الامارات والهجمات المتكررة بطائرات درونز على مناطق في السعودية. وحرصت مجموعات ضغط أمريكية تنشط لصالح طهران على التمييز بين وكلاء الجمهورية الإسلامية في المنطقة، معتبرة أنها ليست كتلة متجانسة. وأشار مدير برنامج إيران في مجموعة الازمات الدولية علي فايز في محاضرة القاها في بيروت إلى أن لميليشيات الحوثي حسابات استراتيجية خاصة، وأن حزب الله يتمتع بحرية التصرف في الشؤون اللبنانية الداخلية.

أياً يكن هامش الحرية التي يتمتع بها وكلاء طهران، فمن السذاجة الاعتقاد أن هذه الميليشيات تتحرك خلافاً لمصالح ايران وحساباتها في المنطقة. فالجمهورية الاسلامية لم تنفق الملايين على شبكة وكلاء هي الأكثر ولاء وفاعلية في العالم، إلا لتنفيذ مشاريعها التوسعية. وقد أقر أكثر من مسؤول ايراني متحمس بأن بلاده صارت تسيطر على أربع عواصم عربية.

كان يمكن لاقتراح ظريف أن يكون خطوة لنزع فتيل التوتر في المنطقة، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لو أن طهران كانت جدية، ولكن الواضح أنها تحاول كسب الوقت والحفاظ على الوضع الراهن حتى 2020، موعد الانتحابات الأمريكية. وهي تراهن على انتخاب رئيس ديمقراطي يخفّف الضغوط عنها ويعيد العمل بالاتفاق النووي. وليس اقتراح ظريف معاهدة عدم اعتداء بعيداً من سياسة تمرير الوقت وهو محاولة لإيهام العالم بأن طهران تمد يدها الى دول الجوار، وبأنها غير مسؤولة عن وكلائها الذين يواصلون شن هجمات بألغام بحرية حيناً وطائرات درونز احياناً، مع أن دول المنطقة والعالم  كله يعرف أن تلك الميليشيات ما كانت لتتمتع بامكانات لوجستية متطورة وترسانات عسكرية ضخمة لولا وقوف طهران وراءها وتمويلها لها خدمة لمشروعها الإقليمي.