رمضان (تعبيرية)
رمضان (تعبيرية)
الأحد 2 يونيو 2019 / 21:33

رمضان بين الجمع والقمع

"رمضان يجمعنا" عبارة دعائية دخلت البيوت بفعل أداة إعلامية جبارة تملك عصى التأثير السحرية. لسنوات كانت هذه العبارة تتردد صوتاً، وتظهر مؤثراً بصرياً يوظف الخط العربي الجميل، ويسيطر على الأعين المحدقة في الشاشات الفضية وأعمدة الإنارة الدعائية في شوارع مدن الوطن العربي.

في رمضان تكون الصلاة صلة، والزكاة تزكية، والتراويح راحة، والاجتماع تلاقٍ. فلا مجال للقمع أو المنع

في الأسبوع الماضي كتب أحد الكتاب تغريدة يشتكي فيها من أن كاتباً كبيراً سطا على فكرة ومحتوى مقاله الذي كتبه بعنوان "رمضان يقمعنا". ختم تغريدته بروح المظلومية من كبار الكتاب الذين يقتاتون من إبداع قلم البسطاء. وبالطبع أشار للكاتب الكبير في تغريدته.

الكاتب الكبير أعاد تغريد هذه الشكوى في إثبات لحسن النية ونفيٍ لتهمة السطو الفكري متعجباً من المصادفة في توافق المقالين في العنوان "وإن اختلفا في المحتوى".

أتساءل كيف لم يخطر ببال أحد لسنوات طويلة أن يلاعب هذه العبارة لغوياً، فيستبدل الجيم قافاً، ويكتب مقالاً عنوانه "رمضان يقمعنا". وحين يحدث ذلك فإنه يحدث في الأسبوع نفسه، ويحمل المحتوى ذاته رغم إشارة الكاتب الكبير إلى أن المحتوى مختلف.

أوقن أن الكاتب الكبير لم يطلع أساساً على المقال الذي سبقه، ولو فعل لما كتب مقاله، فالرجل علمي منهجي ملتزم ومحترم. ووقوفي لن يكون هنا. بل سأتوقف عند النظرة التي نظر بها الكاتبان لرمضان، وربما يكون الاقتباس منهما موضحاً لفكرتهما المشتركة.

يقول الأسبق: "من المفترض أن يقمعنا هذا الشهر عن كل سلوك مشين" ويقول اللاحق: "هل تجاوبت أنفسنا مع هذا القمع التربوي؟" وبالتالي فإنهما معاً ينظران إلى رمضان باعتباره أداة قمع للنفس البشرية. ولا أظن أن هذه هي طبيعة الشهر وروحانيته.

عرف العرب كلمة القمع قديماً، وقالت أعرابية مُعرفة القمع: " القمع أن تقمع آخر بالكلام حتى تتصاغر إليه نفسه". ويحمل القمع دلالات سبية لا تتفق مع غاية الشهر الذي يرى العبادة فرحاً لا كدراً. والقرب من الله رغبة لا رهبة، والدين عز لا مذلة، والتبعية حب لا إجبار.

في رمضان تكون الصلاة صلة، والزكاة تزكية، والتراويح راحة، والاجتماع تلاقٍ. فلا مجال للقمع أو المنع.

وحين يُتبع رمضان بالعيد فإن ذلك يمثل مناسبةً ثانيةً متجددة لفرح النفس والترويح عنها. ففي الإسلام الوسطي لا مجال للقمع.