تظاهرة في دوما السورية عام 2011 (أرشيف)
تظاهرة في دوما السورية عام 2011 (أرشيف)
الثلاثاء 4 يونيو 2019 / 19:25

خارج سياقات الجدل

يرى البريطاني جورج مونبيو أن غياب بدائل "النيوليبرالية" التي تداعت في العام 2008 أبقى على قوة دفعها وساعد على بقائها لتمشي على الأرض كالأموات الأحياء .

فشل الموجة الأولى من الثورات العربية المختلف على توصيفها دلالة أخرى على عبثية محاولة العودة بالزمن إلى الوراء واستحضار تاريخ تجاوزه الغرب

تستحق وجهة النظر، حول حضور ما بعد التداعي، التوقف والنظر إليها من عدة زوايا دون إغفال أنها جاءت في سياق جدل غربي محتدم حول مآلات الأفكار والتجارب السياسية والنظم الاقتصادية وتأثيرها على مصائر سكان الكوكب خلال المرحلة المقبلة.

بالنسبة للمتابعين العرب تأتي أهمية استحضار رؤية مونبيو من توقيت تداعي النيوليبرالية الذي جاء قبل ثلاثة أعوام من اندلاع ما عرف في بلادنا بـ "الربيع العربي" وانخراط نخب عربية في التصدي لـ "المشروع" و"النمط" النيوليبراليين قبل سنوات من التداعي، ومحاولة هذه النخب تقديم مساهمات فكرية حول مخاطرهما على شعوبنا وظروفها الاقتصادية وتطورها الاجتماعي.

تصدي النخب العربية لشرور النيوليبرالية كان جزءاً من مشهد عالمي لمواجهة الانزياح نحو التوحش، لكن الأمر لم يخل من خصوصية إذ ساهم ذلك الاشتباك بشكل أو بآخر في توفير مقدمات لخروج المنتفضين العرب إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير ودلالات التقارب الزمني تقود إلى تفكير جدي في البحث عن الحلقة المفقودة التي أتاحت لأنظمة خرجت قطاعات شعبية لإسقاطها، الاستمرار في الحكم بصيغة أو بأخرى.

في جميع الأحوال يصعب استبعاد بعض الأسباب المفترضة لفقدان هذه الحلقة، ومن بينها الفارق بين حسابات حقول الثورات العربية المزروعة بالأوهام، وحسابات البيادر الخاسرة.

قد يكون أبرز الأوهام التي بنيت عليها حسابات الذين نزلوا للميادين من أجل التغيير الاعتقاد بإمكانية اللحاق بالنموذج الديمقراطي الغربي، ولهذا الاعتقاد ما يبرره إذا أخذنا بعين الاعتبار أن القطاعات الأوسع من الثوار العرب كانت مفتونة بالديمقراطيات الغربية، لكن النوايا الحسنة لم تلغ حقائق من بينها أن أزمات المجتمعات العربية كانت جزءاً من مظاهر أزمة عالمية أكثر شمولية، لها عناوين مختلفة، منها العمق الذي وصلت اليه أزمات النظام الراسمالي العالمي، وصعود العنصرية البيضاء، وإفرازات العولمة.

التقت هذه التفاصيل وارتداداتها العربية تحت عنوان عريض هو شيخوخة وهرم النموذج الديمقراطي الغربي، الذي حاول المنتفضون العرب إسقاطه على واقعهم باعتباره مخرجاً لبلادهم ومجتمعاتهم دون أي اعتبار لانهماك المثقفين الغربيين في البحث عن بدائل تسد الفراغ الذي خلفه انكماش التجربة الشائخة.

فشل الموجة الأولى من الثورات العربية المختلف على توصيفها، دلالة أخرى على عبثية محاولة العودة بالزمن إلى الوراء، واستحضار تاريخ تجاوزه الغرب مع إيغاله في أزماته، ما يعني أن ما شهدته المنطقة خلال السنوات الماضية أقرب إلى السير خارج سياقات التاريخ والجدل، ولن يكون في أحسن أحواله غير إعادة لإنتاج وتدوير الأزمات الداخلية دون مغادرة أزمة النظام العالمي.