طفلان هنديان يتبادلان التهنئة بعيد الفطر (أرشيف)
طفلان هنديان يتبادلان التهنئة بعيد الفطر (أرشيف)
الثلاثاء 4 يونيو 2019 / 19:38

النور الذي يغمر العيون

علينا أن نعترفَ أن وجود البُغض والتناحر في هذا العالم يشير بإصبع حزين إلى عزوفنا عن حب الله، وحاجتنا إلى تقديم أوراق اعتماد إيمانية جديدة تُنقذ الإنسانيةَ من الهلاك. فلو أحببنا اللهَ بحق، ما بغض المرءُ أخاه، وما لاعنه، ولا ظلمه، ولا قتله.

الإيمان الحقُّ بالله، يحملُ في طيّاته احترامَ عقائد الآخرين، مهما تباينت. لأن في تباينها ثراءً، واتفاقًا على مبدأ أساسي

علمتني التجارب أن "طيبة القلب" و"ذكاء الذهن" صِنوان قرينان. لاحظتُ دائماً أن المحبة والحنو والرحمة، مقرونة بالارتقاء البيولوجي، والمستوى العقلي الرفيع. الشر لون من الانحدار لا يليق بمرتبة الإنسان العليا على السلم البيولوجي. وضعُ شروط "عنصرية" لمنح الحب، يضعُ الشخص في مرتبة "دنيا" من مراتب الكائن الحي.

كثيرًا ما شاهدنا فيديوهات وصوراً لقطة تحتضن عصفوراً جريحاً وتلعق جرحه. أو حمامةً تحتضن هرةً وليدة ماتت أمها وتهاجم مَن يحاول انتزاعها من حضنها. أو عنزةً تُرضعُ أرنباً مع صغارها. أو لبؤة تحمي غزالاً يطارده قناص.

الفكرةُ هنا أن ذلك الحيوان أو ذاك الطائر قد تجاوز "فصيلَه" الخاص ومنحَ الحب إلى "فصيل" آخر. وكما تشيرُ العنصرية والطائفية والقسوة إلى تدني المرتبة البيولوجية، تشير كذلك إلى انخفاض المستوى الفكري لذلك الشخص.

"لم أتسبب في دموع إنسان!" عبارةٌ هائلة ومخيفة قالها الجد المصري القديم، تجمعُ فلسفةَ الكون بكامله في خمس كلمات. لو غرسنا تلك الكلمات في قلوبنا لانتهت محنة الإنسان فوق الأرض. العدل يبدأ من حيث تلك الكلمات. والرحمة والتحضر والصدق والغفران والحب والسلام والمعرفة والزراعة والفنون والتحضر والصناعة والاقتصاد والتعليم والسياسة، جميعها نقاط على حبل تلك الكلمات النحيلة في الجملة السابقة الهائلة.

أنت حين تحب الناس فإن المستفيد الأوحد هو (أنتَ) وليس أحداً سواك. المُحسِن إلى الناس يشعرُ بسعادة عضوية. إذ أثبت العلم أن "السعادة" تتحقق حين يفرز الجسمُ أربعة هرمونات هي: إندورفين- دوبامين- سيروتونين- أوكسيتوسين. الهرمون الأخير لا يفرز إلا في لحظات الحُنو والاحتضان ومنح الحب للآخرين. وإذن محبةُ الناس دون غايةٍ، هي الغاية في ذاتها.

الذي اخترع "الشمعةَ" في القرون السحيقة، مسح دمعةً من عين طفلة تبكي في الظلام. والذي اخترع الطائرة طيّبَ قلب أم برؤية ابنها المسافر. والذي ابتكر الورقة والمطبعة هدهد طفلاً يحكي له أبوه حكاية قبل النوم. والذي ابتكر البيانو مسح دموع المحزونين في هذا العالم.

دعونا نتخفف من جميع صنوف التباغض والكراهية والعنصرية والطائفية. دعونا نملأ رئتينا بأوكسجين الحب حتى تحملنا البالونات، ونطير.

تُعلمنا الأديانُ كافة أن الكِبر والغرور من سمات التصدع الروحي وفقر الإيمان. المؤمن الحق لا يكون إلا متواضعاً وهو عزيزٌ، مهما اعتد بنفسه ومهما اعتز بكرامته.

الإيمان الحق بالله، يحمل في طياته احترامَ عقائد الآخرين، مهما تباينت. لأن في تباينها ثراءً، واتفاقاً على مبدأ أساسي: البحث عن الله، عبر مساربَ ودروب شتى. الإيمان أرقى من التدين. فالإيمان هدف، والتدينُ وسيلة. الإيمانُ يسبق الديانات والعقائد. الإيمان عمره على الأرض ملايين السنين، منذ نظر أول إنسان إلى السماء وقال: "يا رب"، فيما العقائد لم تولد إلا منذ بضعة آلاف سنة.

ولو شاء اللهُ لوحد الأديان، لكنه اختار أن يكون النورَ الذي يَغمر العيونَ ويعمر الأفئدةَ، فتلمحه العيون من زوايا عدة، وتلمسه القلوب عبر تجارب متنوعة.

الإنسانُ، كل إنسان، هو صنع الله وثمرة يديه الربوبيتين. فحين تتأمل زهرةً مشرقةً، وحين تستنشق شذاها، وحين تراقب فراشةً جميلة تخفق بجناحيها فوق الزهر، وحين تشخص في وهج الشمس البرتقالي أو ضوء القمر الفضي أو تلألؤ النجوم الألماسي أو سريان الغيم في السماء، فأنت تُمجد صنعَ الله الإعجازي وتقول: "سبحان ربي ما أبدعَ صنعك!" وحين تُقبل رأس طفل فكأنما تقول: "سبحان الله العظيم ما أجمل ما قدمت للأرض خليفةً لك، ليُعمر الكون ويُحسنَ إلى غيره من الناس!".

عيد فطر مبارك على العالم، وكل عام وأنتم طيبون مُحبون.