العلامتان التجاريتان آبل وهواوي (أرشيف)
العلامتان التجاريتان آبل وهواوي (أرشيف)
الأربعاء 5 يونيو 2019 / 20:36

حروب آبل وهواوي

في أزمة هواوي، تضرب الولايات المتحدة الأمريكية، عرض الحائط، بقاعدة أساسية من قواعد الرأسمالية، وهي التنافس الحر بين الشركات الصغيرة، أو العملاقة، واحتكار الأسواق غير المحدود، وغير المشروط، سوى بالمهارات، وآفاق المكاسب المادية. هواتف شركة هواوي للجيل الخامس، تفوقتْ على هواتف شركة آبل، وكلمة السر في هذا التفوق، الابتكار الأنيق، سعة الهاتف، قوة بطاريته، سرعته، وأخيراً رخص ثمنه.

إذا سمحتْ ألمانيا لشركة هواوي بتشييد البنية التحتية للاتصالات لديها، فقد لا تتمكن ألمانيا من الحصول على معلومات هامة من واشنطن

أمريكا ما زالت القوة العسكرية العظمى الأولى في العالَم، إلا أنها في مجال الاقتصاد، يصعب أن تكون منفردة دون التنين الصيني.

عندما فشلت آبل في منافَسة هواوي، تدخلت أمريكا لقلب التنافس التجاري الرأسمالي الحر إلى موضوع سياسي. اتهمت أمريكا تكنولوجيا هواوي للجيل الخامس، بأنها خطر على الأمن القومي الأمريكي، وأنها قد تُستخدم تلك التكنولوجيا في التجسس، وأن شركة هواوي قريبة للغاية من دولة الصين.

الواقع أن شركة آبل قريبة أيضاً بشكل مبالغ فيه من دولة أمريكا، لدرجة أن شركة آبل جلست في الجوار صامتة، بينما دولة أمريكا تُحارب لمصلحة شركة آبل. الأمر أشبه بتلميذ تعثر في امتحان، فجاء والده ليتهم المدرسة، بأن الإضاءة الضعيفة المتعمدة، وقت الامتحان، أثرتْ على قدرات ابنه.

الدفاع عن الكيانات الاقتصادية الخاصة، بحجة الأمن القومي، وباسم الدولة، هو من صفات السياسات الاشتراكية الشمولية التي حاربتها الرأسمالية، وفازت عليها بسقوط الاتحاد السوفييتي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.

المشكلة أن الحرب التجارية بين أمريكا والصين، تتجاوز شركتي هواوي وآبل. هددت أمريكا بعض الدول الأوروبية الكبرى، مثل ألمانيا، تهديداً صريحاً، فإذا سمحت ألمانيا لشركة هواوي بتشييد البنية التحتية للاتصالات لديها، فقد لا تتمكن ألمانيا من الحصول على معلومات مهمة من واشنطن.

في 2013 اتصلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعد تلقيها معلومات تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، تجسست على هاتفها المحمول. لم يتضح وقتها نوع الهاتف المحمول، ربما كانت المستشارة أنجيلا ميركل تفضل هاتف التفاحة المقضومة.

تهديد أمريكا الغاضب، والمضحك لألمانيا، يفترض أن ذاكرة الدول معدومة، أو يفترض أن المستشارة أنجيلا ميركل، حتى لو تذكرت التنصت على هاتفها المحمول، فلن تجرؤ على السخرية من قيمة المعلومات المهمة التي تتبادلها مع الولايات المتحدة الأمريكية.

أدرجت الولايات المتحدة شركة هواوي على قائمتها السوداء، وبالمثل أعلنت بكين قائمةً سوداء لشركات أجنبية تضر بالاقتصاد الصيني، وأكدت وزراة التجارة الصينية أن القائمة السوداء، ستضم إلى جانب الشركات، شخصيات ومنظمات تنتهك معايير السوق، والعقود المبرمة، وتعرقل الإمدادات للشركات الصينية.

في صمت أوقفت الصين منذ عام تقريباً، استيراد نفايات الولايات المتحدة الأمريكية، فغرقت بعض المدن الأمريكية في النفايات. فيلادلفيا أكبر مدن ولاية بنسلفانيا، لم تستطع تحمل تكلفة إعادة تدوير النفايات، بسبب نقص الموارد المالية، فلم يبق أمام المدينة سوى المحرقة، وحرق النفايات يسرع عملية التلوث.

أيضاً أشارت وسائل إعلام صينية رسمية إلى أن بكين قد تقيد مبيعات المعادن الأرضية النادرة للولايات المتحدة الأمريكية التي تستورد 80% من تلك المعادن من الصين، وهي معادن تدخل في صناعة الإلكترونيات، والتكنولوجيا الفائقة، والعتاد العسكري، والأجهزة الطبية.

وفي نفس الوقت قررت شركة هواوي تقليل خط إنتاج هواتفها الجديدة، ووعدت المستهلكين بنظام تشغيل جديد غير نظام أندرويد، وهو نظام التشغيل الذي ستحجبه غوغل عن هواتف هواوي، بعد مدة لا تتجاوز 90 يوماً.

من آثار الحرب، تراجعت مبيعات آيفون آبل 17%، في الربع الأول من 2019، وأصدر المدير التنفيذي لآبل تيم كوك، أول تحذير من تباطؤ الأرباح، وهو تحذير لم يصدر منذ 2002.

وعلى الفور، وبعصبية الخسائر، وغموض المستقبل، أعلنت آبل الشروع في إطلاق خدمات آبل نيوز الإخبارية، وستطلقها في تطبيق مقابل اشتراك شهري بقيمة 10 دولارات، ثم إطلاق "آبل كارد"، وهو كارت إئتماني مثل كروت البنوك، لكن بالنسبة لآبل، فإن الكارت الجديد به نسخة رقمية متوفرة على الآيفون، وتقول آبل: إن "آبل كارد غير قابل للقرصنة".

وحكاية أنه غير قابل للقرصنة لا تستقيم تماماً مع العالَم الرقمي، ففي 2018 تمكن تلميذ أسترالي في مدرسة، من اختراق شبكة شركة آبل المحصنة والمؤمنة بأحدث التقنيات الدفاعية، وأدى الاختراق إلى تدخل مباشر من مكتب التحقيقات الفيدرالية، ووجهت جهات التحقيق تهماً جنائية للطفل، وأعرب محامي الطفل، أن نوايا موكله لم تكن عدائية، وأنه فعل ذلك من باب إعجابه بشركة آبل.

أعلنت آبل أيضاً، إطلاق "آبل تي في"، وهو إعلان مباشر لمنافسة "نتفلكس"، وأظهرت آبل الأسماء الشهيرة التي ستعمل في "آبل تي في"، مثل ستيفن سبيلبرغ، وأوبرا وينفري، وجينيفر أنيستون.

وصف البعض أن نتائج الخدمات الحديثة لآبل قد تكون طويلة الأمد، وهي خدمات تشتبك مع الذكاء الاصطناعي المستقبلي، والثقة فيها ليستْ كاملةً لسمعتها في إزاحة الإنسان لحساب الآلة، ولهذا قد لا تُسعف سريعاً تباطؤ الأرباح، ولاتزال أرباح شركة آبل تعتمد  بشكل أساسي على آيفون، ومن المقلق أن مبيعات آيفون انخفضت على أساس سنوي بنسبة 17%، وانخفضتْ مبيعات آيفون في الصين بنسبة 22%. 

مدينة فيلادلفيا تفاعلت مع أخبار آبل على وسائل التواصل الاجتماعي، فوضعت سيدة سمراء صورة لها على تويتر، وفي خلفية الصورة، مدخنة عملاقة، وقالت تحت الصورة، وهي تشير للمدخنة: "نستنشق دخان النفايات، ونُصاب بالربو والسرطان، بينما آبل تحاول إعادة تدوير المشاهير، والفشل قد يذهب بالمشاهير إلى المحرقة أيضاً".