ملصق فيلم  "حرب الزومبي العالمية" (أرشيف)
ملصق فيلم "حرب الزومبي العالمية" (أرشيف)
الأربعاء 12 يونيو 2019 / 22:03

المستقبل زومبي

هناك تفسير آخر لهوس هوليوود بأفلام الكوارث، وهو أن استحضار الكارثة طوال الوقت، يصنع آلياً تميمة، تعويذة سحرية، رُقيةً تحمي الأرض الأمريكية الطيبة

يقوم فيلم (World War Z)، أو "حرب الزومبي العالمية"، 2013 للمخرج مارك فورستر، وبطولة براد بيت، وميرايل إنوس، على مفهوم الكارثة، والكوارث عديدة ومتنوعة في السينما الأمريكية، وكلها تستهدف الأرض الأمريكية، دون أسباب واضحة، ولهذا يبدو هذا الاستهداف الشرير للأرض الأمريكية الطيبة، ظالماً.

هناك تفسير آخر لهوس هوليوود بأفلام الكوارث، وهو أن استحضار الكارثة طوال الوقت، يصنع آلياً تميمة، تعويذة سحرية، رُقيةً تحمي الأرض الأمريكية الطيبة، وتلك الحماية تلتقي حظها السعيد صدفةً، وهذا الحظ السعيد يقول إن أفلام الكوارث تحقق بشكل عام، إيرادات كبيرة، لأن الناس تحب مُشاهَدَة الكارثة سيما وأنها تعرف خِصال البطل الأمريكي الذي ينقذ العالَم في اللحظات الأخيرة من الفيلم.

يبدأ الفيلم بمقتطفات من نشرات إخبارية. إنفلونزا الطيور، انجراف دلافين وحيتان ميتة على الشواطئ، تزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ظهور داء الكلب في تايوان، تشاؤمات وتنبؤات ميتشيو كاكو عالِم الفيزياء النظرية، الأمريكي من أصل ياباني، تفشي الزومبي، "الموتى الأحياء"، في 12 دولة.
الزومبي يشن حرباً شاملة على الجنس البشري، عبر العض، عضة دراكولا. الزومبي هو التعبير الخيالي عن حشود من الرعاع والمشردين والفوضويين والإرهابيين والمراهقين والأناركيين والعاطلين عن العمل، حشود السوشيال ميديا، حشود أعماها ضوء الحريات الزائف.

هوليوود بالطبع عندما تتعرض لحشود الزومبي في عمل فني، تحذف بصرامة كل ما هو اقتصادي، البعد الاقتصادي يدمر الجانب الأخلاقي. الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم في اقتصاد العالَم، فكيف لا تكون مُذنبة في ظهور الزومبي؟ أليس ظهور الزومبي هو رد فعل على موت آخر؟ موت الطبقة المتوسطة في العالَم أجمع؟ هل ماتتْ الطبقة المتوسطة دون حرب عليها؟ يرى البعض أن سياسات المال كانت القاتل الحقيقي للطبقة المتوسطة. إنسان الطبقة المتوسطة زومبي على طريقته، ميت حي لا يعض.

براد بيت في دور جيري، الموظف الهام السابق في الأمم المتحدة، ومهامه كانت غامضة، مخابراتية كما يستنتج المُشاهِد من ذكر أماكن اشتعلتْ بحروب أهلية مثل ليبيريا والشيشان وسريلانكا، لكن جيري الآن ينعم مع ابنتيه ريتش وكوني، وزوجته ميرايل إنوس في دور كيرين، بحياة هادئة سعيدة. تسأل كوني الصغيرة والدها: هل تفتقد عملك القديم؟ تنظر كيرين إلى زوجها، نظرة ذات معنى، وكأنَّ جيري الخيِّر، الأخلاقي، رفض سابقاً استغلال وظيفته في مهام أخرى، لمصلحة جهات مخابراتية، ولهذا ترك عمله، وانتصر للخير، انتصر للحق والصواب.

في إشارة مرور يهاجم الزومبي العربات. الزومبي يقفز للعض، قفزة ذئبٍ. تلميح إلى أن فيروس الزومبي انتقل من الحيوان إلى الإنسان. جيري وأسرته في العربة. ريتش ابنة جيري الكبرى مصابة بالربو. الفوضى تعم سريعاً. حشود الزومبي تمنح كل مَنْ لم يصب بعضةٍ، عضةً. تكفي عضة واحدة للانضمام إلى حشود الزومبي.

يدافع جيري وزوجته عن ابنتيهما كوني وريتش الرقيقتين. صنعة هوليوود، البنتان في غاية الرقة. وحشية الزومبي، ورقة كوني وريتش، وجهاً لوجه. رجل من الجهات العليا الأمريكية يتصل بجيري، أي أن جيري ما زال هاماً. يصمد جيري وأسرته لحين وصول المروحية. يحاول جيري الانتحار من فوق المبنى اعتقاداً منه أنه أصيب في صراعه مع الزومبي. أخلاق البطل الأمريكي. تمنعه كيرين.

تصل المروحية بأسرة جيري إلى حاملة الطائرات. تُشبه حاملة الطائرات في فيلم "حرب الزومبي العالمية"، الكمبوند، لكن هنا تحميه المياه، لا الأسوار. العزل من خصائص الرأسمالية الفائقة. أمريكا الدولة الوحيدة التي تملك عشر حاملات طائرات. هوليوود تحب دخول حاملة الطائرات في دراما الأفلام. تلويح بالقوة أحياناً، وقارب نجاة العالَم في أحيان أخرى. عصفوران بحجر واحد.

قائد حاملة الطائرات يطلب من جيري العودة إلى عمله، سيذهب إلى مناطق في كوريا الجنوبية، لتتبع مصدر الفيروس مع العالِم صغير السن فاس باخ. يرفض جيري المهمة، ويقول بأنه لا يستطيع ترك أسرته. مباشرةً يقول له قائد حاملة الطائرات، بأن كل فرد هنا يعمل لضرورة ما، إمّا أن تقبل المهمة، أو أن تغادر حاملة الطائرات أنت وأسرتك. يضطر جيري لقبول المهمة، مقابل بقاء زوجته وابنتيه على حاملة الطائرات.

من عيوب سيناريو الفيلم، أنه وضع بشكل مفاجئ، قناعات البطل الأخلاقية، في اختبار حاد، إمّا أسرته، أو فناء البشر. اختيار جيري لأسرته، أنانية مفرطة في وقت الكارثة، واضطراره لقبول المهمة، يقلل من الأخلاقية المثالية المعتادة للبطل في السينما الأمريكية، طالما لا يثق في العمل مع الجهات المخابراتية.
يرى الدكتور فاس باخ أن تفشي الكارثة هي عدوى فيروسية، وبمجرد معرفة مصدر الفيروس، ستكون هناك فرصة لتخليق مصل مضاد. هناك تشابه بين جزئ فيروس الزومبي وجزئ الإنفلونزا الإسبانية التي لم يكن لها وجود قبل 1918، لكنها في 1920 قتلتْ 3% من سكان الأرض.

يقول العالِم صغير السن فاس باخ لجيري: أحياناً يكون الجانب الأكثر وحشية في الفيروس، يكون أيضاً نقطة ضعفه. فاس باخ الوحيد الذي لا يؤمن بموضوع الزومبي، فهو يتعامل مع فيروس ينتقل بالعدوى. يموت العالِم فاس باخ موتة مضحكة فور وصول الطائرة إلى كوريا الجنوبية، ومهاجمة الزومبي لطاقم الطائرة. يجري فاس باخ عائداً إلى الطائرة، فيقع على وجهه ميتاً، بعد أن خرجتْ رصاصة من مسدسه إلى جسمه.

الجزء الثاني من الفيلم تم تصويره مرتين، وانتشرتْ في الصحافة وقتها، أخبار عن ضعف الجزء الثاني من الفيلم، واضطرابه، وغضب شركة الإنتاج، وإعادة كتابة النصف الثاني من الفيلم، بكاتب سيناريو آخر. في السينما يصعب تدارك أخطاء السيناريو أثناء التصوير، ولا يجدي نفعاً إعادة التصوير، وإعادة الكتابة مرتين أو ثلاثة.

تتبع مصدر الفيروس، ومعارك جيري مع الزومبي، تصل به في النهاية إلى منظمة الصحة العالمية. حاملة الطائرات تتخلى عن زوجة جيري وابنتيه دون معرفة مصير جيري، ولمجرد غيابه في المهمة، اعتبر قائد حاملة الطائرات، أن جيري في عداد الموتى. بعد الأيام الثلاثة التي كان فيها جيري فاقداً للوعي في مبنى منظمة الصحة العالمية، يعرف أن أسرته في مخيم أقل أمناً، بعيداً عن حاملة الطائرات.

رئيس منظمة الصحة العالمية يسأل جيري: لماذا جئت هنا، ماذا تريد منا؟ يرد جيري: أبشع أمراضكم. أريد عنصراً جرثومياً يسبب نسبة وفيات عالية، لكنه قابل للشفاء. ترد على جيري طبيبة في المنظمة: تريد شيئاً بين البكتريا والفيروس. التيفوس، الالتهاب السحائي، إنفلونزا الطيور، الحمى القرمزية. يفكر جيري في حقن غير المرضى بفيروس الالتهاب السحائي، ليصنع تمويهاً على الزومبي الذين لا يقتربون من مرضى بفيروس مشابه لفيروس إصابتهم.

كأنَّ جيري أكمل فكرة العالِم صغير السن فاس باخ. يبدو أن كاتب السيناريو كان يحمل عبء إسناد كل القدرات الإنسانية إلى البطل جيري. ربما لو لم يمت العالِم صغير السن فاس باخ في أحداث الفيلم، موتاً مُفبركاً، أو بالأحرى لو لم يتم التخلص منه لحساب البطل، ما كان له، وهو العالِم الدارس للفيروسات، أن يحل لغز الزومبي بتلك الثقة والسهولة التي هبطتْ على براد بيت، أو جيري موظف الأمم المتحدة.