السفير الأمريكي في القدس ديفيد فريدمان (أرشيف)
السفير الأمريكي في القدس ديفيد فريدمان (أرشيف)
الخميس 13 يونيو 2019 / 20:55

العرّاب

"اختار أن يهجر مكتب المحاماة وتمثيل الناس ومصالح موكليه من رجال الأعمال وأصحاب الأموال ليصبح وكيلاً مباشراً لـ"الرب"

الأمر في النهاية عائلي تماماً، الصراع المرير العربي الصهيوني الذي تجاوز القرن، وعبر حروب الامبراطوريات حتى وصل إلى "حقبة ترامب"، يعود الآن إلى المائدة المنزلية لرجل الأعمال الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة، الحديث العائلي الذي يتبادله أفراد العائلة على العشاء بعد صلاة الشكر البيضاء، الأمنيات القادمة من "الإيمان" المغلق لنبوءات رسل العهد القديم تهبط على المائدة فيما يشبه الوحي، بينما يتحدث "العراب" الذي يمسك يد البنت الكبرى في الممر في طريق "العودة" من "العهد الجديد" إلى "العهد القديم" بإلهام عن "أرض إسرائيل الكبرى والكاملة"، نهض "ديفيد" المحامي عن مائدة العشاء وذهب ليصبح "رسولاً" مكلفاً بتنفيذ النبوءة في الأرض المقدسة.

بهذه الحمولة وصل "هنا"، ليس سفيراً لواشنطن بالضبط أو ممثلاً للبيت الأبيض، لقد اختار أن يهجر مكتب المحاماة وتمثيل الناس ومصالح موكليه من رجال الأعمال وأصحاب الأموال ليصبح وكيلاً مباشراً للرب.

هذا في وصف "ديفيد فريدمان" المتنبئ الأساس، والمرجعية الرئيسية في كل ما يتعلق ب"إسرائيل" لدى عائلة "ترامب".
عندما اشار مبكراً الى قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية للقدس، بدا مغالياً بعض الشيء ومتسرعاً الى حد ما بالنسبة للصحافة بما في ذلك الصحافة الاسرائيلية اليمينية، ولكنه كان حاضرا كما لو أنه ولد في الاحتفال نفسه أثناء افتتاح السفارة في القدس، وظهر في الصور رافعاً إبهامه في إشارة واضحة لدوره في إنجاز "المعجزة".

سيظهر "ديفيد فريدمان" من جديد في حلقة مستشاري "الرئيس" عشية اعتراف الأخير بضم هضبة الجولان السورية لإسرائيل، كأستاذ في التاريخ هذه المرة. في "توضيحه" لأسباب اتخاذ قرار الاعتراف بضم هضبة الجولان السورية لإسرائيل، أشار "ترامب" إلى أنه تلقى درساً مختصراً في "التاريخ"، كان ذلك فحوى خطابه أمام تجمع الائتلاف اليهودي الجمهوري في "لاس فيغاس"، حين أوضح ترامب، وسط ضحك الجمهور، أنه اتخذ هذا القرار السريع خلال نقاش مع كبار مستشاريه بشأن سلام الشرق الأوسط ومن بينهم صهره جاريد كوشنر وكذلك السفير لدى إسرائيل ديفيد فريدمان:

"قلت أيها الرفاق أسدوا لي معروفاً. حدثوني قليلاً عن التاريخ بشكل سريع. تعرفون لدي أمور كثيرة أعمل بشأنها حول الصين وكوريا الشمالية" أضاف ترامب في وصف المشهد، مستعرضاً حشداً غامضاً من المستشارين واسمين واضحين؛ صهره جاريد كوشنير وعراب ابنته ديفيد فريدمان.

درس التاريخ السريع ذاك تحول إلى رافعة سياسية جديدة في حملة "نتانياهو" الانتخابية الذي كان يلهث خلف حزب الجنرالات.
هدايا كثيرة تم إلقاءها من الشرفة على حملة "نتانياهو" في ذلك السباق إضافة للقدس والجولان والهبات والقروض القابلة للإعفاء وضمانات القروض، وتغذية ترسانة الأسلحة، وتجويع الفلسطينيين في الضفة وغزة، وتجفيف وكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تقدم خدماتها لحوالي ستة ملايين لاجئ...، ورغم ذلك لم يتمكن "نتانياهو" من تشكيل الوزارة وعليهم أن ينتظروا حتى سبتمبر (أيلول).

القلق والشعور بفوات الوقت هو ما يسم تحركات الرجل في الأسابيع التي تلت فشل تشكيل حكومة المستوطنين في إسرائيل، الانكشاف الواضح لهشاشة الأرض وارتجاجات الأرضيات، ومخابئ الزلازل التي تعج بها المنطقة.
  
من هنا يمكن تفسير الظهور الأخير ل"ديفيد فريدمان" الأسبوع الماضي، حيث أعلن فيما يشبه التدشين لحملة "نتانياهو" في السباق الجديد، حق اسرائيل في ضم أجزاء من "الضفة الغربية"، هذه هي الهدية الكبرى في السلسلة، تصريح "فريدمان" هو قفزة عالية في الهواء، اشارة ضوئية سيلتقطها "ترامب" كوصية من "التاريخ"، وسيحتفظ بها في جيبه الداخلي أثناء زيارته المتوقعة لتدشين "مستوطنة يهودية ستحمل اسمه في هضبة الجولان، التدشين الذي سيحرص فريدمان أن يسبق انتخابات سبتمبر في اسرائيل، وأن يشكل دفعة قوية في سباق تتويج "نتانياهو" بالولاية الخامسة التي سيتفوق فيها على مؤسس "الدولة" "بن غوريون" وسيدخل "التاريخ" كمؤسس حقيقي "لإسرائيل على أرضها الكاملة"، بدونه سيكون من الصعب مواصلة تنفيذ "المعجزة" وستتبدد سانحة تاريخية تتفاقم هشاشتها كل يوم، تشبه ظاهرة فلكية نادرة يصعب تكرارها."