الإثنين 17 يونيو 2019 / 12:53

الدبلوماسية الإماراتية.. حكمة واعتدال وحزم

24- أبوظبي- محمد رمضان

تتسم السياسة الخارجية لدولة الإمارات في التعاطي مع الأزمات والتحديات سواء المحيطة بها أو العالمية، بالحكمة، والاعتدال، والحزم، ومناصرة الحق، وإقامة العلاقات مع جميع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل، وهو ما يتسق مع نهج التسامح والتعايش في مجتمع الإمارات، وذلك من منطلق إيمانها بأولوية الاستقرار وضرورة العمل الجماعي العربي والدولي، والوقوف بقوة ضد أي محاولات لتهديد أمن المنطقة.

سمات السياسة الخارجية للإمارات اتضحت عبر مراحل تضمنت العديد من الشواهد التاريخية والمواقف التي أكدت ثبات الرؤية والمبادئ، فمنذ تأسيسها عام 1971، والموقف الدبلوماسي للإمارات يرتكز على قواعد استراتيجية ثابتة تتمثل في الحرص على الالتزام بميثاق الأمم المتحدة، واحترام المواثيق والقوانين الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، متخذة من هذا المبدأ بعداً سياسياً تجلت حكمته بمنطق الحفاظ على أمن شعوب المنطقة والدفاع عن مكتسباتهم.

تميل سياسة الدولة في التعامل مع الأزمات والصراعات وحل النزاعات سواء على صعيد المنطقة أو خارجها، إلى أسلوب الحوار والطرق السلمية، والوقوف إلى جانب قضايا الحق والعدل، والإسهام الفعال في دعم الاستقرار والسلم الدوليين، حيث قامت بجهود مكثفة وتحرك نشط من أجل العمل على احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والخلافات الناشبة، وتسعى بشكل مستمر لتعزيز مختلف برامج مساعداتها الإنسانية والإغاثية للعديد من الدول.

الجزر المحتلة
الشاهد التاريخي الأبرز على الحكمة الإماراتية في العمل السياسي، تعاطيها مع قضية احتلال إيران لجزرها الثلاث - طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، فالنهج الدبلوماسي والسلمي الإماراتي لإنهاء الاحتلال لم يتغير منذ ذلك الوقت، حيث أنها تتبع سياسة الحوار والمفاوضات وتطبيق القوانين الدولية لحل الأمر.

سعت الدولة كثيراً لرفع الاحتلال الإيراني عبر كل الطرق السياسية والدبلوماسية السليمة، وحاولت إنهاء احتلال الجزر عبر التفاوض و عرض القضية على التحكيم الدولي، لكن الأخيرة لم تستجب متمسكة بسياسة العداء والتطرف في التعامل مع كافة القضايا الدولية والإقليمية وليس فقط قضية الجزر الثلاث.

وحرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، منذ تأسيس الدولة، على أن تكون قضية احتلال الجزر الإماراتية على رأس أولويات السياسة الخارجية للدولة، بطرحها والدفاع عنها في المحافل الدولية، حتى اكتسبت أهمية دولية وعربية خاصة بعد تبني الإمارات القضية وتنديدها في بيان صادر عن المجلس الأعلى للاتحاد في 2 ديسمبر (كانون الأول) 1971 "بإقدام إيران على احتلال جزء من الأمة العربية".

وتستمر الإمارات في طرح قضية الاحتلال الإيراني لجزرها الثلاث أمام المنظمات الأممية والدولية، تأكيداً منها على تمسكها التام بحقها في ملكية الجزر الأمر الذي يؤيده المجتمع الدولي، وأعربت الدولة في أكثر من مناسبة عن رغبتها في تسوية النزاع بالسبل السلمية، واللجوء إلى محكمة العدل الدولية للنظر في القضية، إلا أن إيران مصرة على رفض خيار المفاوضات، متجاهلة عن عمد حقائق التاريخ والسيادة الوطنية الإماراتية على الجزر.

الأزمة القطرية
ومن منطلق إيمانها بنهج الاعتدال وحل النزاعات الدولية بالحوار والطرق السلمية، تعاملت الإمارات مع التدخلات القطرية بشؤون دول المنطقة بإجراءات سيادية سياسية بعيداً كل البعد عن أي تصعيد عسكري لتغيير التوجه القطري الإرهابي الذي يهدف إلى نشر الفتن بين دول المنطقة وزعزعة استقرار شعوبها. 

واتخذت الإمارات العديد من الإجراءات القانونية ضد الممارسات والانتهاكات القطرية، ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة واحترامها للمواثيق والقوانين الدولية، ففي تعاملها مع التهديدات القطرية لسلامة الملاحة الجوية وأمنها بعد اعتراض مقاتلات لطائرات مدنية إماراتية 3 مرات خلال 4 أشهر، لم تتخذ الإمارات أي إجراء عسكري بل رفعت شكاوى إلى الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات الدولية ضد قطر التزاماً منها بالشرعية الدولية والقانون الدولي. 

وفي حادثة أخرى، أفرجت الإمارات في 6 مايو (أيار) الماضي عن زورق عسكري قطري دخل مياهها الإقليمية في أواخر أبريل (نيسان) وعلى متنه 4 عسكريين، هم: ملازم أول محمد حسم الهيل (قطري الجنسية)، ووكيل عريف سعيد ناصر المري، (قطري الجنسية)، ووكيل عريف محمد رياض البلتاجي (فلسطيني الجنسية)، والجندي فايز تلكوم (هندي الجنسية)، دون إلحاق الأذى بهم.

وبعد استمرار السلطات القطرية في سياستها التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، والتلاعب والتهرب من الالتزامات والاتفاقيات، ومواصلة دعمها وتمويلها واحتضانها للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة والطائفية، ولحرص الإمارات على استقرار أمن المنطقة، اتخذت الدولة عدة إجراءات ضد النظام القطري لما فيه مصلحة دول مجلس التعاون والمنطقة، كان أهمها قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر.

الإرهاب الحوثي
تؤمن الإمارات أن العيش بأمان ودونما أي تهديد يطال حقوق الأفراد والدول حق مقدس، ومن هذا المبدأ وقفت إلى جانب قضايا الحق والعدل، وأسهمت بشكل فاعل في دعم الاستقرار والسلم الدوليين، ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله وصوره وعدم التسامح مع كل من يموله، حيث أنها لم تفوت أي فرصة لتأكيد موقفها الثابت تجاه كل ما من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ومواجهة كل أنواع الفكر المتطرف والضرب بيد من حديد على من يثبت تورطه في الأعمال الإرهابية، سواء تعلق الأمر بالانخراط المباشر في الجماعات الإرهابية، أو دعمها بالمال والسلاح، أو نشر فكرها المتشدد في المجتمعات.

ومن هذا المنطلق، ساهمت الإمارات في حفظ الأمن القومي الخليجي والعربي عبر العديد من المواقف التاريخية المشتركة، والرؤى الموحدة في الملفات كافة، لتحقيق أمن واستقرار المنطقة، ومنها مشاركتها في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة الممكلة العربية السعودية لحماية مكتسبات اليمن ودول المنطقة، ومناصرة الشعب اليمني في مواجهة إرهاب ميليشيات الحوثي التابعة لإيران التي لا تفهم سوى لغة واحدة وهي لغة السلاح والحرب. 

وتؤكد الإمارات مراراً التزامها بدعم مسار التسوية في اليمن، وذلك بدعمها المستمر لكل المبادرات التي تم القيام بها في وقت سابق بالتنسيق مع القوى الإقليمية والدولية، لكن حرص الإمارات على حل الأزمة اليمنية يوازيه في الوقت نفسه رفضها المطلق لكل الأعمال التي تقوم بها ميليشيا الحوثي من خرق واضح للاتفاقيات السابقة واللاحقة.

ويعد الموقف الرسمي والشعبي للإمارات واضحاً تجاه ما تقوم به الميليشيات من انتهاك صارخ لحقوق الشعب اليمني، وهو موقف يجمع بين الرفض المطلق للعبث الحوثي، والسعي المستمر لإيجاد الحلول عبر القنوات الدبلوماسية الدولية، وينسجم موقفها تماماً مع موقف الحكومة الشرعية من كل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها مؤخراً، كما أنها تؤكد تضامنها الكامل مع السعودية ووقوفها معها في صف واحد ضد كل تهديد لأمن واستقرار المنطقة، ودعمها كافة الإجراءات في مواجهة التطرف والإرهاب الحوثي.

العمليات التخريبية
وفي الحادثة الأخيرة لتعرض 4 ناقلات نفط لعمليات تخريبية داخل المياه الإقليمية للدولة الشهر الماضي، تعاملت الإمارات مع الموقف بكل حذر وشفافية دون أي ردود عسكرية، ولم توجه أصابع الإتهام إلى أي دولة بعينها رغم أن جميع الأدلة تشير بوضوح إلى أنها عملية تفجير دقيقة ومنضبطة تقوم بها دولة، وذلك حرصاً منها على عدم اتهام أي جهة دون وجود أدلة كافية تشير إلى دولة بذاتها.

وطالبت الإمارات المجتمع الدولي بالتعاون من أجل تأمين الملاحة الدولية، وتأمين وصول الطاقة، والعمل سوياً لتجنيب المنطقة التصعيد، وإعطاء فرصة لصوت الحكمة، خاصة أنه في وقت هذا الاعتداء كان عدد السفن في المنطقة التي حدث فيها التفجير نحو 184 سفينة بين سفن نفط وشحن وغيرها وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً للملاحة الدولية.

وأشار وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، خلال مؤتمر صحافي أول أمس السبت، إلى أن "الأمان الحقيقي للاستقرار يكون استقرار دول المنطقة مجتمعة بمظلة دولية لسبب أن المنطقة هي الشريان الأساسي للطاقة في العالم، ولا نريد أن يكون هذا تكرار في المنطقة بين فترة وأخرى لكي نزدهر ونستقر".

وقال، إن "من يحاول خلال الوقت الحالي أن يضعضع الاستقرار في المنطقة لا ينظر إلى الهدف الأسمى والأكبر، فنحن دول تستطيع أن تضاعف من تطوير التنمية في منطقة الشرق الأوسط ولكن هناك أصوات التخلف والتطرف، ومن يريد أن ينظر إلى الماضي ولا يريد أن ينظر إلى المستقبل، ومن يريد أن ينظر للنظرة العنصرية وليس للنظرة الإنسانية، ومن يعتقد أنه أفضل من الآخرين وأسمى منهم وأن تراثه أرقى من تراثهم".

وأكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، في مناسبة أخرى، أنه "يجب أن يشمل أي اتفاق مع إيران بالإضافة إلى الملف النووي، وقف دعمها للإرهاب وبرامج الصواريخ البالستية"، وأوضح أن الحادث الذي وقع قبالة سواحل الإمارات يرفع التوتر في المنطقة، ويمثل اعتداء على سلامة الملاحة الدولية، مشيراً إلى أن "الإمارات والسعودية والنرويج مستمرة في التحقيق بشأن الحادث، لإفادة مجلس الأمن بتفاصيل الاعتداء".