إيران وأمريكا (أرشيف)
إيران وأمريكا (أرشيف)
الأربعاء 19 يونيو 2019 / 16:56

كيف ستدير إيران معركتها بالخليج في ظل التفوق العسكري الأمريكي؟

24 - إعداد: شيماء بهلول

خيمت نذر الحرب على المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران، خاصة مع تعزيز واشنطن لوجودها العسكري بنشر 1000 جندي إضافي في الشرق الأوسط لأهداف دفاعية تصدياً لتهديدات طهران.

وتفاقم التوتر بعد انتهاك نظام الملالي للاتفاق النووي وإعلانه أن احتياطاته من اليورانيوم المخصب ستتجاوز الحد المسموح به، فيما دعت واشنطن العالم إلى عدم الرضوخ للابتزاز النووي الإيراني.



جدية الموقف الأمريكي
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، أمس الثلاثاء عن إرسال نحو 1000 جندي إضافي إلى المنطقة، وقال وزير الدفاع بالنيابة باتريك شاناهان: "استجابة لطلب من القيادة المركزية الأمريكية، سمح بإرسال نحو1000 جندي إضافي لأغراض دفاعية للتعامل مع التهديدات الجوية والبحرية والبرية في الشرق الأوسط".

وأضاف أن "الهجمات الإيرانية الأخيرة تؤكد صحة المعلومات الموثوقة التي تلقيناها بشأن السلوك العدائي من قبل القوات الإيرانية، ومجموعاتها التي تهدد أفراد الولايات المتحدة ومصالحها في جميع أنحاء المنطقة، وأكد "سنستمر في مراقبة الموقف بجدية وإجراء تعديلات على مستويات القوة حسب الضرورة في ضوء تقارير الاستخبارات والتهديدات الموثوقة، ولم تحدّد وزارة الدفاع الأمريكية المواقع التي سينتشر فيها الجنود الإضافيون ولا موعد وصولهم.

يشار إلى القيادة الوسطى الأمريكية في البيت الأبيض، أوصت بإرسال 5 آلاف جندي، إلا أنه تمت الموافقة على إرسال 1000 فقط، وأن تلك القوات متخصصة في العمليات البرمائية، وستتوزع على السفن والقواعد في الخليج العربي.

وبدوره، أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن بلاده مستعدة لمواجهة أي تهديدات إيرانية وتقديم كل البدائل والخيارات إلى الرئيس دونالد ترامب لاتخاذ القرار.

وشدد بعد اجتماع مغلق له مع قائد القيادة المركزية الوسطى الجنرال كينيث ماكنزي و قائد القوات الخاصة في تامبا (فلوريدا) الجنرال ريتشارد كلارك، على أنه تشاور حول التكتيكات العسكرية والخيارات المختلفة للتعامل مع التهديدات الإيرانية بعد قرار إرسال ألف جندي إضافي للمنطقة.

وأوضح أن الولايات المتحدة مستعدة لردع التهديدات الإيرانية، مشيراً إلى أن الخارجية والبنتاغون يعملان لوضع البدائل والخيارات كافة، إذا ما وجّهت إيران تهديداً للجنود والمصالح الأمريكية، وذكر أن بلاده مستمرة في توجيه الرسائل إلى إيران وجميع الأطراف بأنها جادة في ردع التهديدات الإيرانية، وعدم استمرار العمل في البرنامجين النووي والصاروخي لإيران، مجدداً تأكيد عدم رغبة الرئيس ترامب في الحرب.



وفي مقابلة نشرتها مجلة "تايم" الأمريكية، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه سيبحث استخدام القوة العسكرية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، لكنه لم يجب على سؤال بشأن ما إذا كان سيلجأ لذلك لحماية إمدادات النفط.

ورغم دعوة بعض الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي لردّ عسكري، أشار الرئيس إلى أن تأثير أحدث هجمات على ناقلتي نفط نرويجية ويابانية في خليج عمان يبدو "ضعيفاً للغاية" حتى الآن.

ورداً على سؤال عما إذا كان سيفكر في اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي أو لضمان حرية تدفق النفط من الخليج، قال: "قطعاً سأجري مراجعة للقوات فيما يتعلق بالأسلحة النووية، وسأبقي الشق الآخر من السؤال علامة استفهام"، وحول ما يمكن أن يدفعه لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران، قال: "بالتأكيد سأفعل ذلك بشأن الأسلحة النووية".

ومن جهة أخرى، طالب أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي عقد جلسات إحاطة سرية مع أعضاء إدارة ترامب حول التوجهات الأمريكية والخطط بشأن إيران، وسط التوترات المتنامية.

وقال السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل: "أنا أقدر الجهود التي تبذلها الإدارة لإطلاع الكونغرس على آخر الجهود الدبلوماسية بشأن إيران، وأتطلع إلى الاستماع إلى أعلى دبلوماسي بالخارجية خلال اجتماع الجمهوريين".

وكما توقع أن ترسل الإدارة فريقاً مشتركاً من الوزارات المعنية إلى لجان مجلس الشيوخ من أجل جلسات سرية خاصة، بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران ستتجاوز كمية اليورانيوم المنخفض التخصيب المسموح لها، ما لم تتدخل أوروبا.

وحول إعلان البنتاغون إرسال قوات إضافية إلى منطقة الشرق الأوسط، قال: إن "الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران، أنا أؤيد الجهود الحكيمة للرد على الترهيب الإيراني، فهذا الانتشار العسكري الدفاعي سيساعدنا على حماية المصالح الأمريكية في المنطقة وردع العدوان الإيراني".

يشار إلى أن أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون يؤيدون إلى حد كبير استراتيجية إدارة ترامب تجاه إيران، بينما يحذر الديمقراطيون من أن عدم وجود استراتيجية واضحة يمكن أن يدفع البيت الأبيض إلى الانزلاق لصراع مع إيران.



تفوق عسكري أمريكي
وتزامناً مع إرسال الولايات المتحدة 1000 جندي إلى الشرق الأوسط، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن سرباً من مقاتلات "إف 15 – إيه" سيتوجه من قاعدة "سايمور" الجوية في ولاية نورث كارولاينا إلى الخليج.

وسيضع أي نزاع مفتوح بين إيران والولايات المتحدة في حال اندلاعه، التفوّق العسكري الأمريكي المتمثّل بالأسطول الخامس في البحرين، وعدد من القواعد في المنطقة، وحاملات الطائرات، ودعم حلفاء واشنطن في المنطقة، في مواجهة نظام معزول في إيران أرهقته العقوبات الاقتصادية على مرّ سنوات.

وأوضحت تقارير أن النظام الإيراني يمتلك قدرات عسكرية محدودة مقارنة بالأمريكية، تتمثل في الزوارق السريعة والألغام وصواريخ بر – بحر بقيادة الحرس الثوري، ما يجعلها الخاسر الأكبر في حال اندلاع حرب في المنطقة.



وفي سياق متصل، حذر أعضاء الكونغرس أمس من أن الرئيس يحتاج إلى صياغة استراتيجية واضحة ومخاطبة البلاد لشرح طريق المضي قدماً، في الوقت الذي تهدد فيه إيران بزيادة مخزوناتها من الوقود النووي وانتقادها تحت الضغط الاقتصادي الأمريكي المكثف.

ووفقاً لمحللين، فإن إيران تسعى من خلال إظهار قوتها الخاصة، إلى التأثير على الولايات المتحدة عن طريق تهديد طرق إمدادات النفط عبر مضيق هرمز، أو عن طريق التحذير بأنها ستخرق الاتفاق النووي المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.

وأشاروا إلى أن الولايات المتحدة عززت موقعها العسكري الخاص من خلال تسريع نشر مجموعة مهاجمة حاملات الطائرات في المنطقة، إلى جانب قاذفات القنابل "بي -52" و 2500 عضو إضافي من الخدمة الأمريكية منذ مايو(أيار) الماضي، موضحين أن "الخطر الآن يكمن في أن كلا الطرفين سيسعى لردع الآخر، ما سيزيد من التوترات التي سيجبرانهما على اتخاذ قرار سيء أو ارتكاب خطأ قد يؤدي إلى نتيجة واحدة".

وقال نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال بول سيلفا، إن "مخاطر سوء التقدير حقيقية"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة سترد إذا هددت إيران أو أي من بدائلها(ميليشياتها) بطريقة مباشرة القوات أو المصالح الأمريكية في المنطقة".

يذكر أن في سنة 1988، شنّت القوات البحرية الأمريكية عملية قرب مضيق هرمز ضد إيران بعدما ارتطمت فرقاطة بلغم بحري، وقتل في العملية 300 جندي إيراني وأصيب 300 آخرون بجروح، بينما لقي طياران أمريكيان مصرعهما.



حرب عصابات إيرانية
ويرى محللون أن القرار الأمريكي إرسال 1000 جندي إضافي إلى الشرق الأوسط، يعزّز الخلل في موازين القوى في المنطقة الحيوية، في مواجهة جيش إيراني لديه خبرات في تكتيكات حرب العصابات البحرية ويرفض الانجرار إلى حرب مباشرة يدرك أنّه سيخسرها.

وذكر جان سيلفيستر مونغرونييه، من معهد "توماس مور" الفرنسي البلجيكي، أن التوجّه العام والوسائل العسكرية الإيرانية تندرج ضمن مفهوم حرب العصابات البحرية، مضيفاً: أن "الهدف سيكون إحداث أضرار كبيرة، مع المراهنة على رفض الولايات المتحدة الانجرار إلى تصعيد".

وبين أن الخطط الإيرانية تقوم على نشر ألغام في مضيق هرمز "مصنوعة في الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وكذلك في إيران"، فضلاً عن التحرّش بالوحدات البحرية الأمريكية من خلال الزوارق السريعة، واستخدام صواريخ بر - بحر المضادة للقطع البحرية، لافتاً إلى أن بإمكان الإيرانيين التسبب بمصاعب للبحرية الأمريكية في بحر عمان ومياه الخليج اللذين تعرفهما البحرية الإيرانية جيداً.

وأشار تقرير لـ "مركز الدراسات العليا البحرية" الفرنسي، إلى تشابه الاستراتيجية البحرية الإيرانية مع الاستراتيجيات الفرنسية في القرن الـ 19، التي كانت تقوم على مضاعفة أعداد الزوارق الصغيرة والسريعة بدل التركيز على بناء بوارج قوية، كما كان يفعل الإنجليز.

وقال جيمس هولمز من "كلّية الحرب البحرية الأمريكية، لصحيفة (ناشونال إنترست): إنّ "الإيرانيين سيركّزون قوّتهم النارية وجهودهم على المواقع الأكثر ضيقاً في الممر، حيث من المعروف مسبقاً أن العدو سيمر وحيث الاستهداف أسهل والفرار أصعب"، وأضاف أنه "لن تكون حرباً بحرية بالمعنى الحرفي، ولن تكون هناك مواجهة مفتوحة في البحر بين قوتين متكافئتين".



وذكرت تقارير إخبارية، أن إيران لا یتعین عليها شن حرب كبرى، حيث بإمكانها أن تكتفي فقط بھجمات متقطعة منخفضة المستوى لا تثیر بالضرورة ردود فعل أمریكیة، ولكنھا تخلق ارتفاعاً مفاجئاً لمستوى المخاطرة.

وأشارت إلى أن إیران بإمكانها أن تزرع ألغاماً ذكیة في البحر على ممر الناقلات بالإضافة إلى اكتشاف صھاریج كبیرة والالتصاق بھا، وكما يمكن لها ضبط تلك الألغام للانفجار متى ما أرادت.

وأوضحت أنها ستعتمد على تنفيذ أسالیب الھجوم "الھجین"، باستخدام سفن فردیة ومراكب شراعیة لیست جزءاً من القوات المسلحة الإیرانیة ولا تحمل أعلاماً إیرانیة، فضلاً عن إمكانیة تشغیلھا بواسطة وكلاء وميلیشیات مسلحة مثل الحوثیین في الیمن.

ویمكن للنظام الإيراني أيضاً أن يستخدم قواته البحریة والجویة أو الصاروخیة ووكلائه في المنطقة لمھاجمة السفن في أي مكان في الخلیج، وحول مضیق ھرمز وخلیج عمان وفي میاه المحیط الھندي.

وكما سيلجأ إلى الاستعانة بالجماعات المتطرفة مثل داعش في تنفیذ مثل ھذه الھجمات التي من المحتمل أن تجر إیران والولایات المتحدة والدول العربیة إلى شكل من أشكال الصدام أو الحرب، وسيعمل أيضاً على الاستفادة من تواجد قاعدة لغواصاته البحریة التي ستعمل لتقلیل قدرة الولایات المتحدة على تتبع وكشف تحركاته.




دعوات لتهدئة الموقف
ومن جهتها، أكدت منسقة السياسة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني، أن تدخلات طهران في اليمن وسوريا ومناطق أخرى غير إيجابية، وأعربت عن القلق الأوروبي من تصعيد التوتر مع إيران، مضيفة "نعمل الآن على تهدئة الموقف".

وتوقع مسؤول بالخارجية الأمريكية أن تقوم موغيريني بالتواصل مع القادة الإيرانيين، لإثنائهم عن اتخاذ هذه الخطوة التي تهدد بإنهاء الصفقة الإيرانية كلية، وتهدد أيضاً برد أمريكي قوي على مواصلة إيران لبرنامجها النووي.

وكما حذرت روسيا من نشوب حرب في المنطقة، ودعت الولايات المتحدة للتخلي عما وصفته بالخطط الاستفزازية لنشر مزيد من القوات في الشرق الأوسط، وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن "تمركز القوات والمعدات الكبيرة يزيد من مخاطر الصدام وتصعيد التوتر غير المرغوب فيه.

وانضمت الصين إلى روسيا في التحذير من نشر ألف جندي إضافي في المنطقة، وحض وزير الخارجية وانغ يي طهران على عدم التخلي عن الاتفاق النووي.

وأفادت تقارير إخبارية، أن المبعوث الأمريكي الخاص بإيران برايان هوك يعتزم السفر إلى باريس الأسبوع المقبل لإجراء محادثات بشأن إيران مع مسؤولين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا.



تهديدات على الاقتصاد العالمي
وتزايد حجم الخطر والأذى الذي قد يلحق بالاقتصاد العالمي، مع شن إيران لحرب استنزاف واكتفاءها بهجمات وضربات خاطفة وصغيرة مؤثرة ضد شحنات النفط، رداً على العقوبات الأمریكیة التي جعلت صادراتھا من النفط للعالم تساوي "صفراً".

فقد تبدو احتمالیات نشوب الحرب مع إیران مستبعدة عند الكثیرین في الولایات المتحدة وأوروبا، لكن تداعیاتھا الاستراتیجیة أصبحت واضحة للعيان بعد الهجوم على ناقلتين للنفط في خليج عمان.

وأدى الخوف من مزيد من الهجمات على الناقلات التجارية، والانقطاع المستمر في تصدير النفط إلى ارتفاع السعر العالمي للنفط الخام بنسبة 4%، وكما أنها قد تؤدي إلى ارتفاع فوري في الأسعار، فضلاً عن التأثير على الجوانب الهامة لتدفق الطاقة إلى الدول الصناعية الرئيسية والمصدرين، الذين يساهمون في نجاح الاقتصاد العالمي.

وذكر تقرير أمريكي، أن مضيق هرمز ليس العائق الوحيد الذي قد يؤرق مصدري النفط في منطقة الخليج، حيث أن التواجد الحوثي بالقرب من سواحل البحر الأحمر ومضيق باب المندب، يدل على أن التهديدات لا تزال قائمة.

وأشار إلى أن إغلاق باب المندب سيؤدي إلى منع الناقلات القادمة من الخلیج من الوصول إلى قناة السویس أو خط أنابیب سومید(الممران الاستراتیجیان لشحنات النفط والغاز الطبیعي من الخلیج العربي إلى أوروبا وأمریكا الشمالیة)، ما سيؤثر سلبياً على صادرات العالم.