الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الخميس 20 يونيو 2019 / 19:33

الاستراتيجية الأمريكية الجديدة إلى أين.. إيران أم روسيا والصين؟

24. إعداد: شادية سرحان

بعد أكثر من 15 عاماً من التركيز على مكافحة الإرهاب والاهتمام بأزمات الشرق الأوسط، غيرت واشنطن في 2018 أولوياتها لتضع الصين وروسيا في قلب استراتيجية الدفاع الجديدة، وعلى رأس أولوياتها، ولكن هل يهدد تصاعد التهديد الإيراني في الشرق الأوسط والإجراءات الأمريكية لمواجهته، استراتيجية وزارة الدفاع الأمريكية التي تركز على موسكو وبكين.

أعلنت وثيقة الاستراتيجية لدفاع الوطني لإدارة ترامب، أن "المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب، هي الآن الشاغل الرئيسي للأمن القومي في الولايات المتحدة"، ما يعني أن الصين وروسيا أصبحتا على رأس الأولويات عند مخططي الدفاع في واشنطن، وليس داعش، أو القاعدة، أو الإرهابيين  المقيمين في الولايات المتحدة أو خارجها.

إيران تهدد الاستراتيجية

وفي ظل استمرار التصعيد الإيراني الأمريكي في الأشهر الأخيرة، يرى خبراء أن التوتر بين طهران وواشنطن يهدد بتقويض استراتيجية وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، التي تركز على منافسة قوى عظمى مثل الصين وروسيا، وسيزيد من احتمالات تغيير تلك الاستراتيجية.

وقالت المسؤولة السابقة في البنتاغون مارا كارلن والتي تعمل حالياً لدى معهد بروكينغز، إن "الطريقة المثلى لوأد استراتيجية الدفاع القومي وتركيزها على المنافسة على المدى الطويل والاستعداد لاحتمال نشوب صراع مع الصين وروسيا، هو بدء حرب أخرى في الشرق الأوسط"، مضيفةً أن "الحرب ضد إيران ليست وحدها التي ستصرف أنظار وزارة الدفاع عن استراتيجيتها بل أن التخطيط ذاته يمكن أن يستنزف الموارد".

وبحسب رويترز، قال مسؤول أمريكي آخر إن "قيادة البنتاغون تستهلك الوقت في مناقشة مسألة ما يمكن أن يعنيه نشوب صراع على نطاق واسع مع إيران بالنسبة للتركيز على الصين وروسيا"، مضيفاً أن "الأمل هو أن تكون إجراءات الردع التي يتخذها البنتاغون، بإرسال طائرات وسفن إلى المنطقة، كافية لتجنب صراع كبير مع إيران".



وفي هذا الشأن، أضافت مارا كارلن، في جلسة حوارية، أمس الأربعاء، أن "الشرق الاوسط ومحاربة الإرهاب لم يعودا يتمتعان بالأولوية في استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة، بل الأولوية الآن هي لمواجهة الصين، وروسيا لتأمين أوروبا وآسيا".

وقالت: "على الإدارة الأمريكية أن تعيد ترتيب أولوياتها من أجل وجود أوروبا وآسيا في منطقة آمنة تحت المظلة الأمريكية. هناك شعور متنام بأن النظام العالمي الذي أبصر النور بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ يتزعزع".

وتابعت كارلين "لا نشعر بالمفاجأة من توتر العلاقة بين أمريكا وايران، فبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفرضها عقوبات على ايران كان من الطبيعي أن ترد طهران الفعل، ولكن إذا كانت إيران مسؤولة عن الهجمات في الخليج العربي فما هي الجهة التي نفذتها؟ الجيش، الحرس أم الميليشيات الموالية لها؟ هذه الامور مهمة لأمريكا، لأنها قد تساهم في تحديد ردة فعلها"، وتسألت "هل ستنجر الولايات المتحدة المهتمة بروسيا والصين إلى أزمة مع إيران وكيف سيكون شكلها؟".

وأضافت "سمعنا في العام الماضي حديثاً عن حرب محتملة بيننا وبين كوريا الشمالية، ثم زال الخطر وانتقلنا الى المفاوضات ربما يجري الشيء نفسه اليوم مع ايران".



الصين ثم الصين ثم الصين

ويؤكد أغلب خبراء الأمن والدفاع والعلاقات الدولية أن الاستراتيجية الجديدة للإدارة الأمريكية التي أعلنتها في 2018، تمثل منعطفاً في الاستراتيجيات العامة للولايات المتحدة على المستوى العالمي.

ويرى هؤلاء أن التحولات الكبرى التي شهدها العالم في العقد الأخير، وأبرزها تراجع الهيمنة الأمريكية وصعود دور لاعبين جدد غير غربيين، مثل الصين وروسيا، وهما حسب تعبير البنتاغون "منافسون من المستوى نفسه"، فرضت مواجهتهم أولويةً على أجندة صنّاع القرار في واشنطن على حساب الأولويات الأخرى، وبينها الحرب على الإرهاب وما ترتب عنها، وقد عززت مواقف ترامب وفريقه العنيفة ضد الصين الاعتقاد بوجود انسجام كامل بينهما وبين المؤسسة العسكرية، وأن السياسات التي ستُعتمد ستكون خاضعة لأولوية التصدي لها".

وكان القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي الذي استقال قبل يومين، باتريك شاناهان، قد طلب في اليوم الأول لتوليه منصب القائم بأعمال وزير الدفاع من القادة المدنيين بالجيش الأمريكي التركيز على "الصين ثم الصين ثم الصين".

ونفذت الولايات المتحدة، في الشهر الماضي وحده، عمليتين في بحر الصين الجنوبي وعملية عبور من مضيق تايوان، في خطوات أثارت غضب الصين.



أزمة هواوي
بالتزامن مع التوتر العسكري، ترى واشنطن في "هواوي" الصينية تهديداً للأمن القومي.
 
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "الولايات المتحدة تحاول إقناع الحلفاء بأن هواوي تمثل تهديداً أمنياً قوياً، متهمة إياها بالتجسس وجمع البيانات السرية في بلدان مختلفة من العالم. وفي نفس الوقت وثقت روسيا بالصين في تطوير الجيل الخامس من تقنية الاتصال".



الصراع مع روسيا في أوروبا

أما بالنسبة لروسيا، فتحاول الولايات المتحدة الأمريكية باستمرار توجيه أوروبا بعيداً عن الغاز الروسي، وتوجيهها نحو زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال الأمريكي.

وفيما، لا يزال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ينتقد السياسة الأوروبية المعتمدة بشكل مفرط على الغاز الروسي، ظهرت سلسلة من الصراعات بين الولايات المتحدة وروسيا، خاصة مع استئناف العمل بخط أنابيب نورد ستريم 2 الروسي الذي وصفه ترامب بأنه "خطوة جذرية إلى الوراء لأمن الطاقة الأوروبي ومصالح الولايات المتحدة".

ومما لا شك فيه أن هذا النزاع القائم بين الدولتين من شأنه أن يهدد استقرار إمدادات الطاقة الأوروبية، فمع استهداف الحكومة الأمريكية صادرات الغاز الروسية في المستقبل، فإن هذا سيؤثر بشكل خطير على إمدادات الطاقة لأوروبا من الغاز الطبيعي.



الشرق الأوسط

أما الشرق الأوسط، فيظل محورياً لدى قوى الكبرى، خاصةً الولايات المتحدة، ومسرحاً مهماً للصين، في مواجهة الولايات المتحدة.

وبحسب المحللين السياسيين، يتوقع أن يشهد عام 2019 قدراً من التنافس بين القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، لكنه سيكون أقل من التنافس بينها في مناطق أخرى، مثل آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، بسبب تباين حجم مصالح هذه الدول في المنطقة وأدوات تحقيقها المصالح.



قوة إلى الزوال

يؤكد الكاتب وأستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة "كولورادو ستيت" الأمريكي  بيتر هاريس، ففي مقال بمجلة "ناشيونال إنترست"، أن معظم خبراء السياسة الدولية يعتقدون أن قوة أمريكا في العالم آيلة إلى التراجع والزوال.

وأضاف هاريس، "سواء كان الخبراء يعزون ذلك الزوال إلى خلل تعاني منه أمريكا، أو إلى بروز الصين والقوى الصاعدة الأخرى فإن المراقبين يميلون للاعتقاد بأن عهد القطب الواحد، سيفسح المجال لنظام عالمي تسود فيه أكثر من قوة كبرى".

وبهذا الصدد، ورداً سؤال للكاتب والباحث السياسي يفغيني سيدروف، عن توجه سياسة الإدارة الأمريكية الجدية، قال الأخير لقناة "سكاي نيوز عربية"، إن "الصين على رأس أولويات السياسة الأمريكية وهي أولوية رئيسية برغماتية، أما في المرحلة الراهنة، فإيران هي الشغل الشاغل للإدارة الأمريكية، بسبب تحديها اأمريكا، أما روسيا ، فتكمن أهميتها في التباحث بين الدولتين حول الأسلحة الاستراتيجية، والأسلحة المتوسطة وقصيرة المدى، ويعتقد أن السياسة الأمريكية لن تتغير وستبقى الصين الشغل الشاغل من الناحية البرغماتية أي من الناحية الاقتصادية والتجارية".