المبعوث الأمريكي الخاص بإيران برايان هوك (أرشيف)
المبعوث الأمريكي الخاص بإيران برايان هوك (أرشيف)
الخميس 20 يونيو 2019 / 20:11

قطر.. في خطر

24 - سليم ضيف الله

في السياسة مثل الدبلوماسية أو غيرها من المجالات قاموس ولغة خاصة، وفي السياسة خاصةً ليس كل ما يقال يعني أنه كذلك، وليس كل ما لا يقال يعني أنه بلا أهمية، حتى أن ما لا يقال في السياسة يتجاوز أحياناً ما قيل صراحةً وعلناً.

وأمس الأربعاء، قالت واشنطن إن المبعوث الأمريكي الخاص بإيران، براين هوك، سيزور دول الخليج العربي، وفصلت الدول المعنية وذكرتها بالترتيب، وكان يُمكن لها أن تكتفي بالقول إن المسؤول الأمريكي سيؤدي جولةً إلى الخليج، دون إسهاب أو تفاصيل.

ولكن ذلك لم يحصل، وتولت الجهات المعنية بإمداد وسائل الإعلام ووكالات الأنباء التي سيزورها الرجل، في إطار رحلاته المكوكية في المنطقة، في ظل الأزمة والتوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران.

في البيان الذي أصدرته الخارجية الأمريكية، بقيادة مايك بومبيو، كان لافتاً غياب قطر من قائمة الدول المعنية بالزيارة، رغم موقعها الجغرافي ما يرشحها بالضرورة لذلك، ورغم الحضور الأمريكي الهائل على أراضيها، من جهة ثانية، ما يفرض نظرياً على الأقل، أن تكون الدوحة في الصورة، أو في دائرة اهتمام واشنطن.

ولكن بيان الخارجية تعمد ذكر كل الدول الخمس الأخرى واستثناء قطر، رغم أن الدول الأخرى تُمثل ثلاثة مواقف مختلفة من إيران، تتراوح بين التأييد الكامل لسياسة لجم لإيران، والحذر، لتنتهي بالتفهم أوالحوار مع إيران، مثل موقف مسقط، التي ظلت أحد الجسور القليلة للتواصل مع طهران.

ولكن الزيارة المهمة للمبعوث الأمريكي للمنطقة، ألغت أي دور ممكن لقطر، ومحت أي تأثير سلبي أو إيجابي كانت الدوحة تعتقد أنها تملكه للتدخل في هذه الأزمة، كما في غيرها من الأزمات، بدءاً بالقطيعة مع الدول الأربع المناهضة للإرهاب، أو الأزمات الإقليم، أو في مناطق أخرى من العالم.

وكان مُثيراً، تجاهل الخارجية الأمريكية المطلق والكامل لقطر، وهنا مربط الفرس، في ما يُقال وما لا يقال، وما يُستخلص من البيان، ويُقرأ بين السطور، فالولايات المتحدة، لا ترى مكاناً لقطر في الأزمة الراهنة، رغم "التحالف" الجديد منذ يونيو(حزيران) 2017 بين الدوحة وطهران، ولا ترى لها دوراً ممكناً في نزع فتيل الأزمة، رغم أنها تحتضن ثاني أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج الولايات المتحدة نفسها، ولكن الأخطر على قطر، هو أن الولايات المتحدة بهذا القرار، تدفع الدوحة بعيداً عن دائرة التأثير في المنطقة، لأنها تعرف على ما يبدو حقيقة موقف قطر من إيران، وهي معرفة تُذكر فوراً باتهام الرباعي المقاطع لقطر منذ أكثر من عامين، بالارتماء في حضن إيران والتحالف معها على حساب جيرانها الخليجيين والعرب، بل والتآمر معها عليهم، وهو بالضبط ما يؤكده نص البيان الأمريكي، خاصةً الكلمات التي لم ترد فيه، وبالمعاني التي لم يُشر إليها بصريح العبارة والكلمة.

إن قرار واشنطن الذي أخرج الدوحة من دائرة الاهتمام، ليس اعتباطياً أو متسرعاً، ولكنه يعكس نظرة إدارة الرئيس الأمريكي الحقيقية إلى قطر، فهي في أفضل الحالات حليف لإيران، أو "عميل مزدوج" لكنه مكشوف، ولذلك لا يُمكن الثقة فيه حتى وإن كان القاعدة المتقدمة التي ستنطلق منها الطائرات الأمريكية لضرب إيران، إذا حسمت أمريكا وأعلنت الحرب.

والأخطر على قطر، وعلى ما تبقى من مصداقية ليس هذا، بل الصفعة التي وجهتها الخارجية الأمريكية للدوحة، بإعلان البيان صراحة أن المسؤول الأمريكي، سيتبادل في زيارته مع المسؤولين في الدول الخليجية المعنية، "معلومات وتقارير" عن الوضع في المنطقة وعن دور إيران التخريبي، وتورطها في الهجمات الأخيرة في الخليج، ما يُسقط ورقة التوت عن عورة الدوحة ويفضحها أمام محيطها والعالم، فتجاهلها واستبعادها من دائرة المشاورات، يعني أنها على الأقل، "غير موثوقة" أو بكلمات لم يقلها البيان، غير "جديرة بالثقة"، خوفاً من تسريبها "المعلومات" إلى إيران.

إن هذه الزيارة لمسؤول أمريكي، من الدرجة الثانية، بما أنه يعمل مباشرة تحت إمرة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، صاحب المواقف المعروفة من إيران، وتحت إشراف المكتب البيضاوي، تكشف ببساطة مثيرة للدهشة، كيف تنظر واشنطن إلى دور ومكانة قطر في المنطقة والعالم، وتنسف واشنط ببيان لم يتجاوز مضمونه بضع كلمات كل الجهود الضخمة التي بذلتها قطر على امتداد سنوات، لاحتلال مكانة إقليمية أو دولية تُخول لها التأثير في الأحداث ومجريات الأمور، سواءً كان ذلك في الخليج أو في العالم، بفضل "قوتها الناعمة" وسمعة دبلوماسيتها، وقدرتها على تسيير دفة الشؤون الدولية أو الإقليمية، فإذا هوك يقذف بالدوحة إلى كواليس المسرح الدولي والإقليمي، والخليجي تحديداً ليس تجنياً بل عن معرفة بما ظهر في سلوك الدوحة وما خفي، وبحقيقة دوافع وخيارات قطر في هذه الأزمة كما في الأزمات الماضية، وأبرزها الأزمة مع الدول الأربع المقاطعة لها، ما يكشف حجم الهوة التي تردت فيها بسبب قراراتها السابقة، وحجم ما ينتظرها في المستقبل القريب، بعد أن تعود الأمور إلى نصابها مهما حصل، لتتخبط الدوحة وحيدة في أزمات لن تنتهي حتماً في القريب المنظور.