حطام انتشلته إيران للطائرة الأمريكية المسيرة التي أسقطتها.(أرشيف)
حطام انتشلته إيران للطائرة الأمريكية المسيرة التي أسقطتها.(أرشيف)
الأحد 23 يونيو 2019 / 20:48

لماذا تراجع ترامب عن ضرب إيران؟

رأى تسيفي بارئيل، مراسل صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يتراجع عن توجيه ضربة عسكرية ضد إيران من أجل إنقاذ حياة 150 شخصاً من المدنيين كما يقول، ولكن خوفه الحقيقي كان من التداعيات المتوقعة للهجوم.

إيران سوف تفسر قرار تراجع ترامب بأنه ضعف من جانب الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه خسرت إسرائيل فرصة توجيه رسالة إلى طهران

ويعتبر بارئيل أن تقلبات الرئيس ترامب خلال الأيام الثلاثة الماضية كانت أكثر الرسائل المطمئنة التي تلقاها الشرق الأوسط مؤخراً، وبخاصة مع تضافر جميع المكونات الرئيسية التي يمكن أن تبرر شن هجوم عسكري أمريكي ضد إيران.

تصاعد التوترات
ويوضح المراسل أن الأزمة قد تصاعدت في الخليج عندما تعرضت ناقلات النفط السعودية واليابانية وغيرها من السفن للهجمات من قبل إيران، إلى جانب هجمات الحوثيين على السعودية، في محافظة جازان ومطار أبها.

وعلاوة على ذلك، عمدت إيران إلى انتهاك الانقاق النووي من خلال تقصير الفترة التي سوف تقوم فيها بتخصيب اليورانيوم، وهدد قادة الجيش الإيراني والحرس الثوري بضرب أهداف أمريكية إذا تعرضت إيران للهجوم حتى مع رغبتهم في تجنب المواجهة العنيفة.

وبلغت التوترات ذروتها مع إسقاط إيران لطائرة أمريكية بدون طيار الأسبوع الماضي، وبذلك توافرت الشرعية اللازمة لشن هجوم أمريكي ضد إيران، وتم تجميع المعلومات حول العديد من الأهداف الإيرانية وإصدار الأوامر بنشر القوات العسكرية الأمريكية، ولكن فجأة لم يحدث شيء وتمت العودة إلى مربع صفر.

حرب إقليمية
ويلفت بارئيل أن مبررات تنفيذ الهجوم الأمريكي ضد إيران ربما تكون غير كافية لشن ضربة من شأنها أن تتحول في غمضة عين إلى حرب إقليمية ستؤثر على حلفاء الولايات المتحدة المقربين في المنطقة، لاسيما أن إيران قادرة على استغلال وكلائها في لبنان وسوريا لشن هجمات مضادة عند الهجوم عليها أو للضغط على واشنطن.

وقد أوضح ترامب أن قراره بإلغاء الهجوم يعود إلى رغبته في تجنب مقتل 150 إيرانياً، ولكن يرى مراسل الصحيفة الإسرائيلية أنه يخشى من تداعيات قراره الأخير على المنطقة بأسرها، وبخاصة لأن الإدارة الأمريكية لديها رؤية وتطلعات إزاء إيران ولكنها تفتقر إلى الاستراتيجية اللازمة لتحقيقها. وللأسف لم تستسلم إيران حتى الآن رغم العقوبات الاقتصادية الأكثر قسوة التي فرضها ترامب.

ويشير المراسل إلى أن التحليلات تكشف عن حجم الخسائر الهائلة التي تكبدها الإيرانيون ونزوح الشركات الأجنبية التي كان من الممكن أن تستثمر في البلاد وتوقف عملاء النفط الإيرانيين عن الشراء من نظام الملالي، ولكن حتى الآن لا تتوافر المعلومات أو التقديرات حول المدة التي يمكن أن تتعايش فيها إيران مع هذه الظروف القاسية.

إسقاط نظام الملالي
ولفت المراسل إلى أن نظام الرئيس العراقي صدام حسين ظل صامداً لأكثر من عقد من الزمان لعقوبات أكثر قسوة من العقوبات المفروضة حاليا ضد إيران، ولم يُهزم صدام إلا في ساحة المعركة. ويبدو أن نظام الملالي سوف يتصرف بالشكل نفسه، ولكن لم تعرض إدارة ترامب أي إستراتيجية عملية للتعامل مع تمسك إيران بسياستها ورفض التفاوض على اتفاق نووي جديد، فهل ستكون الولايات المتحدة مستعدة للدخول في حرب شاملة لإسقاط نظام الملالي؟

ويقول المراسل: "يبدو أن قرار إيران بتجاوز حدود الاتفاق النووي الحالي يمنح الولايات المتحدة والدول الغربية التي وقعت على الاتفاق أسباباً لمهاجمة إيران، ولكن يحتاج شن هذا الهجوم إلى توافق في الآراء بين هذه البلدان، وهو الأمر الغائب في الوقت الراهن، لاسيما أن بعض دول الاتحاد الأوروبي تبذل قصارى جهدها لإيجاد طرق للالتفاف على العقوبات الأمريكية (لكنها لم تحقق نجاحا كبيراً)، ومن المؤكد أن قرار الحرب ضد إيران لن يتم تأييده من قبل روسيا والصين".

ويضيف المراسل أن الولايات المتحدة ربما تجد نفسها تواجه إيران وعداء المجتمع الدولي بمفردها، وعلى الرغم من أن التحالف الدولي المناهض للولايات المتحدة، الذي نشأ في أعقاب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، لم يؤثر في ترامب، إلا أن هناك فرقاً جوهرياً بين الدبلوماسية والحرب، وفي جميع الأحوال عندما يتعلق الأمر بمثل هذه الظروف، فلا يبدو أن واشنطن لديها خارطة طريق مقنعة.

معضلة المواجهة العسكرية
وتتمثل المعضلة التي تواجه أي مواجهة عسكرية، بحسب مراسل الصحيفة الإسرائيلية، في القضية التالية: هل ينبغي تقسيم المواجهة العسكرية إلى سلسلة من الهجمات المُصممة "لتوصيل رسالة"؟ أم ينبغي أن يكون الهجوم هو الملاذ الأخير الذي يتم تطبيقه بالقوة الكاملة؟ وفي ظروف أخرى، كان من الممكن أن يكون الرد على الهجمات التي وقعت في الخليج من خلال عدد من الضربات الكافية لأن تبعث برسالة، ولكن يمكن أن تتصاعد الأحداث سريعاً إلى ساحة معركة تشمل العديد من البلدان.

ويختتم مقال "هآرتس" بأن إيران سوف تفسر قرار تراجع ترامب بأنه ضعف من جانب الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه خسرت إسرائيل فرصة توجيه رسالة إلى إيران على أيدي الولايات المتحدة، بيد أن توجيه الرسائل لا يضمن تحقيق النتائج المرجوه دوماً، وهو ما أدركته إسرائيل جيداً على جبهات أخرى، مثل الولايات المتحدة التي استوعبت الدرس من المواجهات التي خاضتها.