احتفالات الشعب بفوز إمام أوغلو في إسطنبول (أ ب)
احتفالات الشعب بفوز إمام أوغلو في إسطنبول (أ ب)
الإثنين 24 يونيو 2019 / 21:17

هل اقتربت نهاية الحقبة الأردوغانية؟

24 - إعداد: ريتا دبابنه

مُنى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأكبر خسارة في مشواره السياسي، بعد فوز مشرح حزب المعارضة الرئيسي في البلاد أكرم إمام أوغلو في انتخابات البلدية المعادة لمدينة اسطنبول، بعد نحو 3 أشهر من الخسارة المدوية الأولى التي هزت عرشه الأردوغاني المستمر منذ عقود.

وأعلن فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، مساء أمس الأحد، بنسبة أصوات بلغت 54% بعد فرز جميع الصناديق، وبذلك يكون هامش الفوز أكبر كثيراً، مما حققه عندما فاز قبل 3 أشهر.


أردوغان الضعيف
ويبدو أن هالة أردوغان الذي لا يُقهر، بدأت تخفت، مع نزول عشرات الآلاف إلى الشوارع مساء أمس الأحد، احتفالاً بفوز المعارضة الذي اعتبره الكثير من المراقبين الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فبعد سنوات قضاها الزعيم التركي محاولاً بناء جيش من الموالين له في كل مكان، جاءت مدينة اسطنبول لتكسر هذا القالب، وتفتح المجال أمام المعارضة التي خُنقت لعقود لتتنفس الصعداء.

أثبتت نتيجة الانتخابات التي جاءت بفارق 800 ألف صوت، مقارنة بـ13 ألف صوت في انتخابات مارس (آذار)، توقعات المراقبين الذي قالوا إن أردوغان قد يخوض مخاطرة ضخمة عندما طالب بإلغاء نتيجة الاقتراع الأول، وسط اتهامات بتجاوزات.


موقف دفاعي
يحكم أردوغان تركيا منذ 2003 حيث كان آنذاك يشغل منصب رئيس الوزراء، ثم أصبح رئيساً للبلاد، ليكون السياسي الأكثر هيمنة على تركيا منذ عهد مؤسسها، مصطفى كمال أتاتورك قبل نحو 100 عام، وتأتي هذه النتيجة لتضعه في موقف دفاعي للمرة الأولى، بحسب المحلل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى سونر تشابتاي.

تشعر المعارضة أخيراً بأنها قادرة على تحقيق الفوز ليس فقط في مدينة إسطنبول بل في المدن الأخرى، على الرغم من أن نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية الحاكم مازال هو الأكبر في باقي المدن، إلى أنها مستعدة تماماً لخوض الانتخابات الوطنية القادمة عام 2023 والتي من المتوقع أن تأتي في وقت أبكر بعد الهزيمة الساحقة لحزب أردوغان.


وهذا ما أشارت إليه الباحثة البارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أسلي أيدينتاشباش، التي قالت في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن خسارة إسطنبول تعني خسارة مصدر كبير للإيرادات للآلة السياسية لحزب العدالة والتنمية، تتراوح بين الإعانات للموالين للحزب، وعقود البناء والأموال المخصصة لوسائل الإعلام الموالية للحكومة، وقد تُطلق الخسارة سلسلة من ردود الفعل يمكن أن تنذر بانتخابات مبكرة في وقت لاحق من هذه العام".


دور الأكراد
وبالطبع لعب الناخبون الأكراد البالغ عددهم الملايين في إسطنبول، دوراً كبيراً ساعد بنجاح الحزب المعارض، بسبب غضبهم إزاء قمع الحكومة للنشطاء الأكراد في السنوات الماضية، ومحاربتهم ومحاولة إبادتهم عبر تهجيرهم وقتلهم قرب الحدود بزعم محاولتهم زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، كل ذلك رمى بثقله خلف إمام أوغلو، عن طريق الحزب الرئيسي الموالي للأكراد، حيث برز علمه بشكل واضح في احتفالات الفوز الأحد.

وبحسب الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة بيلكنت في أنقرة بيرك إيسين، فإن "نخبة حزب العدالة والتنمية ستسعى على الأرجح لتقليل أهمية الانتخابات والتصرف وكأنها ليست بالأمر المهم"، إلا أن ذلك لن يخدم أردوغان، فالنتيجة هي ما يهم في نهاية الأمر وليس وسائل الإعلام الموالية ولا الأكاذيب الأردوغانية التي دائماً ما تسترت على جرائم نظامه بحق الشعب طيلة الأعوام الماضية.


تقلص الدائرة الأردوغانية
ومع نمو استبداد النظام الأردوغاني، تتقلص دائرته الداخلية، فبحسب تقرير لشبكة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، ليس لدى الرئيس التركي وريث واضح، وحتى صهره، الذي يشغل وزير المالية الحالي، ليست لديه آمال كبيرة بهذا الشأن، وعلى ما يبدو أن الحزب الذي أسسه وبنّاه طيلة العقود الماضية، قد يصاب بالشلل من دونه.

وبدأت وسائل إعلام غربية بالحديث حول ما إذا اقتربنا من بداية النهاية لحقبة أردوغان، حيث أوردت صحيفة غارديان البريطانية في تقرير، أن فقدان إسطنبول له تداعيات على صنع السياسة في أنقرة، فالهزيمة الثانية أدت إلى انقسامات داخل حزب الرئيس، وأدت إلى انهيار الدعم الشعبي لشريكه في الائتلاف، حزب الحركة القومية اليمينية، وهو ما يحتاجه أردوغان لكي يحصل على الأغلبية في البرلمان.


آثار الاستبداد باقية
إلا أنه حتى لو حدث ذلك، وفقد أردوغان الأغلبية في البرلمان، ونزع عنه الحكم، فإن إلغاء "أردوغانية ربع قرن من الزمن"، سيستغرق وقتاً أطول بكثير، بحسب مراقبين.

فقد تعرض المجتمع التركي لضربات كبيرة على مدار الأعوام الأخيرة، حيث تدهورت البلاد بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة، وأدى ذلك إلى انهيار العملة انهياراً تاريخياً، وسقوط الاقتصاد، وتردي المستوى المعيشي، ناهيك عن انحدار مؤشرات حرية الصحافة واستقلال القضاء وحقوق الإنسان. لكن الشيء الوحيد الذي تشبثت به المعارضة من أجل الحياة العزيزة هو الانتخابات الحرة.


وبحسب مراقبين، فإن الخسارة الفادحة التي مني بها حزب أردوغان في إسطنبول، إضافة إلى شعبيته التي ضعفت بسبب سياساته الاستبدادية الخارجية والداخلية، وركود مشاريع البناء وانكماش الاقتصاد، والتضخم والبطالة، كل ذلك كلف أردوغان عدداً من المدن الكبرى بما فيها العاصمة أنقرة في انتخابات مارس (آذار) الماضي، ومن الممكن أن تكلفه أيضاً كرسي الرئاسة.