الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الثلاثاء 25 يونيو 2019 / 12:29

أردوغان يدفع ثمن نمو قائم على الديون

رأى بيتر غودمان، المراسل الاقتصادي لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن الخسارة الفادحة للحزب التركي الحاكم في انتخابات بلدية إسطنبول الأحد الماضي، تنطوي على ما هو أكثر من التطلع إلى قيادة جديدة في أكبر مدينة تركية، إذ تبرهن على حجم اليأس من الكارثة الاقتصادية التي أصابت تركيا تحت حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

هناك عناصر غير الاقتصاد أسفرت عن الفزع العميق من حكم أردوغان، وأهمها مهاجمة أردوغان في السنوات الأخيرة للمؤسسات الديمقراطية وسحق المعارضة وحبس الصحفيين والاستيلاء على ممتلكات أعدائه

ويُشير التقرير إلى أن أردوغان خلال 16 عاماً قضاها في حكم تركيا، كان لديه الوقت الكافي لتحقيق وعوده بنمو اقتصادي قوي، ولكنه لم يحقق ذلك إلا من خلال اللجوء بقوة إلى الديون، وأطلق العنان لحصول مقربين من حاشيته على القروض في قطاعي العقارات والبناء، ولإقامة مشاريع بنية تحتية ضخمة.

ديون باهظة
ولكن حان الوقت لتسديد هذه الفاتورة الباهظة حسب تقرير "نيويورك تايمز". ففي العامين الماضيين لاحظ الممولون تنامي أعباء الديون الهائلة التي تواجه الشركات التركية الكبرى، وباتوا يخشون احتمالاً متزايداً لمطالبتهم بالسداد الكامل، فبادروا بتهريب أموالهم خارج البلاد، ما أدى إلى انهيار العملة التركية وانخفاضها أكثر من 40%، مقابل الدولار الأمريكي.

وعلاوة على ذلك، يتزايد التضخم بمعدل سنوي يقارب 19%، ويحاصر الأفراد العاديين والشركات على حد سواء، ويعجز المزارعون عن دفع ثمن أعلى للأسمدة المستوردة والوقود الذي تستخدمه الجرارات الزراعية، وتتحمل العائلات كلفة أكبر مقابل شراء الخضروات والبيض.

أما المصانع فتتحمل تكاليف إضافية لشراء المكونات المستوردة مثل الإلكترونيات، وقطع الغيار، وتجاوز المعدل الرسمي للبطالة 14%.

انهيار الليرة
ويقول المراسل الاقتصادي: "المثير للقلق أن الشركات التي مكنت أردوغان من تحقيق أرباح هائلة تشهد تدهوراً كبيراً في ميزانياتها مع هبوط الليرة التركية، ولأن الجزء الأكبر من ديون تلك الشركات بالدولار، فإن أعباءها تتزايد مع فقدان قيمة العملة التركية، خاصةً لأن معظم عائدات هذه الشركات بالليرة، ولذلك تهدد هذه الفجوة بإفلاسها".

ويوضح المراسل أن ديون تركيا المتوسطة والطويلة الأجل، وصلت إلى 328 مليار بالعملات الأجنبية، معظمها بالدولار، في نهاية 2018، حسب البيانات الرسمية، والشركات الخاصة مسؤولة عن حوالي ثلثي هذا المبلغ، وتدين الشركات الخاصة أيضاً بـ 138 مليار من ديون العملات الأجنبية المستحقة السداد في العام المقبل.

وبالنظر إلى أن إجمالي الانتاج الاقتصادي لتركيا كان حوالي 766 مليار دولار في العام الماضي، يمكن القول إن هذه الديون هائلة بالنسبة للاقتصاد التركي.

نفوذ أردوغان
ويلفت التقرير إلى عناصر أخرى، غير العوامل الاقتصادية مسؤولة عن الفزع من حكم أردوغان، أهمها مهاجمة أردوغان في السنوات الأخيرة للمؤسسات الديمقراطية، وسحق المعارضة، وحبس الصحافيين والاستيلاء على ممتلكات أعدائه.

ويأتي ذلك بعد أن رسيخ أردوغان لسلطته في البلاد وتقليص دور الجيش في الحياة الوطنية، وتمكين الإسلاميين من فرض إيديولوجيتهم بدل علمانية الدولة.

ويعتبر المراسل فوز مرشح حزب المعارضة الرئيسي "الشعب الجمهوري" في إسطنبول، المدينة التي بدأ فيها أردوغان حياته السياسية منذ ربع قرن، بمثابة تعبير من الناخبين عن سُخطهم العام عن وسائل حكم أردوغان.

ورغم أن تركيا تتمتع قوة اقتصادية هائلة بفضل موقعها على مفترق طرق بين أوروبا وآسيا، مثلاً والمناظر الطبيعية الخلابة التي تدعم صناعة السياحة، فضلاً عن عدد سكانها، حوالي 80 مليون نسمة، إلا أن تركيا تعتمد منذ فترة طويلة على السلع المستوردة، والنقد الذي اقتُرض بالعملات الأجنبية، وهو ما يجعل انخفاض الليرة مؤلماً بشكل خاص.

ركود اقتصادي
وهبط الاقتصاد التركي في النصف الأخير  2018 ووصل إلى الركود، ورغم استعادة نمو متواضع في الأشهر الثلاثة الأولى من 2019، وتحقيق نمو اقتصادي بـ 1.3% مقارنة مع الربع السابق، إلا أن معظم الاقتصاديين اعتبروا أنها ظاهرة مؤقتة بعد نتيجة الانفاق العام الذي لجأ إليه أردوغان لتحسين فرص الفوز قبل الانتخابات المحلية في نهاية مارس(ذار) الماضي.

ويقول تقرير الصحيفة الأمريكية: "يبدو الوضع قاتماً، ولا طريقاً واضحاً نحو أيام أفضل. وحافظ البنك المركزي على أسعار الفائدة القصيرة الأمد عند 24% لمنع هروب المزيد من الأموال للخارج، إذ تجذب أسعار الفائدة المرتفعة المستثمرين، وتشجعهم على قبول المخاطرة بالاحتفاظ بأموالهم داخل تركيا. ولكن المعدلات المرتفعة للفائدة تجعل الاقتراض أكثر كلفة على الشركات والمستهلكين الأتراك، وتقلص مبيعات السيارات، وتقود إلى تراجع المشاريع الجديدة، وتقوض النشاط الاقتصادي بشكل عام".

ويضيف التقرير أن تعيين أردوغان لصهره بيرات البيرق في وزيراً للاقتصاد في العام الماضي، دمر الثقة الهزيلة المتبقية في استقلال البنك المركزي التركي.

ويمكن أن يستخدم أردوغان سلطاته لتخفيض أسعار الفائدة، لإعادة النمو إلى المسار الصحيح، خاصةً أنه يعتبر أن ارتفاعها سبب التضخم، وبذلك يضخ موجة أخرى من الائتمان في الاقتصاد على الأقل لبعض الوقت، ما سيجعل الشركات تشعر بتحسن آفاقها.

لا ثقة في أردوغان
ولكن ذلك من شأنه أن يقود إلى انخفاض آخر لليرة وزعزعة الثقة في الإدارة الاقتصادية لتركيا، الأمر الذي سيؤدى إلى زيادة التضخم، وتفاقم الضغوط على المستهلكين، والشركات. أما البديل فيتمثل في قبول أردوغان ما رفضه منذ فترة طويلة، أي انخفاض معدلات النمو كثيراً، وتحت نسبة  6 أو7% سنوياً، النسبة التي اعتاد عليها من قبل.

ويختتم التقرير بالقول إن خسارة حزب العدالة والتنمية للانتخابات البلدية في إسطنبول تكشف أن سكان أكبر مدينة تركية غير متهورين في خياراتهم، ولكنهم لا يطمئنون لقيادة أردوغان.

وعلاوة على ذلك يبدو أن الأسواق الدولية مسرورة باحتمال ضعف أردوغان، مع ارتفاع الليرة بشكل متواضع في تداول يوم أمس الإثنين. ومن الواضح أن الذين يسيطرون على أسواق المال فقدوا الثقة في الرئيس التركي، ويستمتعون باحتمال استلام طرف آخر بعض الأدوات الاقتصادية في البلاد.