رئيس بلدية اسطنبول الجديد أكرم إمام أوغلو.(أرشيف)
رئيس بلدية اسطنبول الجديد أكرم إمام أوغلو.(أرشيف)
الأربعاء 26 يونيو 2019 / 21:47

تركيا الجديدة

سيحاول تيار الإسلام السياسي تغيير جلده، وتغيير اسمه. تأسيس حزب، أو أحزاب جديدة، من قادة حزب "العدالة والتنمية" السابقين، الذين لا يختلفون عن أردوغان في شيء

قبل يومين من فوز أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب "الشعب الجمهوري"، للمرة الثانية، على مرشح حزب "العدالة والتنمية"، بن علي يلدريم، ببلدية إسطنبول، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الناخبين في مدينة اسطنبول، بأن الاختيار الانتخابي، سيكون بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبين بن علي يلدريم.

وقبل يوم واحد أيضاً، من فوز أكرم إمام أوغلو ببلدية إسطنبول، نقل أردوغان أصول بلدية إسطنبول القيمة إلى وزارة الشباب والرياضة، والنقل يقضي بطرح ملكية مبنى أتاكوي الدولي للشباب، في مناقصة، مقابل 35 مليون ليرة، إلى وزارة الشباب والرياضة. وهذا يعني أن أردوغان كان يتوقع الهزيمة المذلة الثانية.

وبما أن الكذب يجري في عروق قادة الإسلام السياسي، كما تجري مياه النهر، فقد هنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مرشح حزب "الشعب الجمهوري"، أكرم إمام أوغلو، بفوزه في انتخابات بلدية إسطنبول.

يعرف أردوغان أن هذه هي بداية الانشقاقات في حزب "العدالة والتنمية". سيحاول تيار الإسلام السياسي تغيير جلده، وتغيير اسمه. تأسيس حزب، أو أحزاب جديدة، من قادة حزب "العدالة والتنمية" السابقين، الذين لا يختلفون عن أردوغان في شيء.

الفشل يدفع تيار الإسلام السياسي، إلى التجديد الزائف، فكما كان حزب "الرفاه" الإسلامي بقيادة نجم الدين أربكان في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وانشق عنه أردوغان، وأسس حزب "العدالة والتنمية"، أيضاً سيكون هناك حزب إسلامي جديد، يدَّعي بأنه ليس حزباً إسلامياً، وسيتهمه أردوغان بالخيانة، وهي نفس تهمة الخيانة التي التصقتْ بأردوغان، تجاه معلمه نجم الدين أربكان.

يبدو أن الغرب ليس سعيداً بالصعود المفاجئ لأكرم إمام أوغلو، فالغرب لا يريد لقصة الصعود في تركيا، الخروج عن عباءة الإسلاميين، أو تيار الإسلام السياسي، فأن يكون الصراع في الماضي بين أربكان وأردوغان، وفتح الله غولن وأردوغان فيما بعد، فلا بأس من صراع مستقبلي بين أردوغان وأحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء السابق، وعبد الله غول، الرئيس السابق. أمريكا بالمثل لا تريد صعوداً أيديولوجياً لحزب "الشعب الجمهوري"، البعيد عن الإسلاميين.
  
من المفارقات أن يُطلق على حزب "الشعب الجمهوري"، اسم الحزب المُعارض، بقصدٍ، أو بدون قصدٍ، وهو من أقدم الأحزاب التركية، وهو الذي أنشأ النظام الجمهوري، والبرلمان في تركيا، أي أنشأ تركيا العلمانية الحديثة. أُنشئ حزب "الشعب الجمهوري" عام 1923، على يد مصطفى كمال أتاتورك. الوصف الدائم لحزب "الشعب الجمهوري"، بأنه الحزب المعارض، يُضمر إهانة ما، لعل الإهانة تأتي من أحزاب الإسلام السياسي، الأقصر عمراً في تركيا، والتي تختزل بكلمة "المعارض"، تاريخ وعمر حزبٍ، يُقارب قرناً من الزمن.

الإسلاميون يضمنون لأمريكا والغرب، استمرار الاضطراب، والحرب على الإرهاب، القضاء على الإرهاب، البقاء عليه في نفس الوقت. إن الحرب على الإرهاب، تضمن لأمريكا والغرب، اضطراب العالَم أجمع، وبحجة هذه الحرب الأبدية، يُدار اقتصاد عملاق، غير شرعي، لا يُمكن الاستغناء عنه.

نبرة وسائل إعلام الغرب، تحمل حسرة دفينة، على رعونة أردوغان وصلفه، فإعادة انتخابات إسطنبول للمرة الثانية، بعد الهزيمة الأولى، جعلتْ الأمر يبدو، وكأنَّ المُنَافَسَة بين أردوغان، وبين أكرم إمام إوغلو، وبدا رجل أردوغان بن علي يلدريم، المرشح لبلدية إسطنبول، زائداً عن الحاجة، لا حول له ولا قوة.
استخدم أردوغان في دعايته، إرهاب الهوية، مَنْ ينتخب غير يلدريم، مشكوك في إسلامه. كل أدوات الدولة كانت مُكرسة لتشويه مرشح حزب "الشعب الجمهوري"، ومع ذلك زادتْ شعبية أكرم إمام أوغلو، الذي حافظ على خطاب انتخابي واعد وراق، ووافق بهدوء، وثقة بعد فوزه في المرة الأولى، على إعادة الانتخابات مرةً ثانية، مُصدِّراً للناخبين إحساساً بالتفاؤل، وكأنَّه أدرك أن ظلم واستبداد رجب طيب أردوغان، كفيل بمُضاعَفَة الفوز.

ربما يفكر رجب طيب أردوغان، والغرب، وأمريكا من ورائه، أن الانتخابات الكبرى على منصب الرئاسة التركية 2023، قد تصعد بأكرم إمام أوغلو إلى سدة الحكم، وعلى أساس هذا التفكير، ستكون محاولات إفشال أكرم إمام أوغلو في إدارة بلدية إسطنبول، الهم الأول الرئيس التركي، وستجد تأييداً صامتاً من الغرب، وأمريكا، والحزب الإسلامي المستقبلي الجديد، الذي سينشق عن حزب "العدالة والتنمية".

من جهة أخرى، ستكون مهمة إفشال أكرم إمام أوغلو، صعبة المنال، لأن تعطيل قاطرة الاقتصاد التركي، أي اسطنبول، سيزيد من استبداد رجب طيب أردوغان، وسيتجرَّأ عليه القريب، قبل البعيد، يكفي الآلاف الذين سُجنوا، وقُتلوا منذ تاريخ الانقلاب على الرئيس التركي في عام 2016، فأعداء أردوغان كثيرون، وفاتورة حساب حكمه، سيدفعها هو وحاشيته، كما يحدث دائماً في تاريخ الدول.

في كلمة فوزه الثانية، شكر أكرم إمام أوغلو، الناخبين الأتراك في إسطنبول، على حماية الديمقراطية، ووعد ببداية جديدة لتركيا، وأظهر رغبته بالتعاون مع رئيس الدولة في أقرب وقت ممكن، وهو يقصد المُقَابَلَة الرسمية مع رجب طيب أردوغان، وبالطبع هذه المُقَابَلَة ستكون ثقيلة جداً على قلب الرئيس التركي. واختتم أكرم إمام أوغلو كلمته، بشعار حملته الانتخابية "كل شيء سيكون على ما يرام".