رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو (أرشيف)
الأحد 30 يونيو 2019 / 20:03

حجر نتانياهو...!

التراجع عن الدعوة لانتخابات جديدة يستدعي تجاوز العطلة الصيفية، ودعوة البرلمان الذي حل نفسه بقانون للانعقاد، وتبني أغلبية الثلثين لقانون جديد يُلغي قرار الحل السابق

كانت الخلاصة، في هذا الشأن، أن النخب السائدة، على اختلاف ألوان الطيف السياسي، ستحاول تفادي الأزمة بكل طريقة ممكنة، بما في ذلك التضحية بأشخاص، وإعادة النظر في قواعد اللعبة السياسية.

والواقع أن أحداً من ممثلي النخب المعنية لا يستطيع التظاهر بأنه لا يعرف الدلالات الضمنية لمعنى التضحية بأشخاص، وتغيير قواعد اللعبة، للخروج من المأزق. فالمقصود أن هناك في قيادة الليكود من يرى أن نتانياهو أصبح عبئاً على الحزب، وأن تكتل أبيض ـ أزرق يشترط وجود شخص غيره للخروج من المأزق، ناهيك عن إدراك الجمهور لحقيقة أن ورطة حل البرلمان، والعودة مرتين إلى صندوق الاقتراع، خلال ستة أشهر، نجمت عن مناورات نتانياهو، وجاءت تعبيراً عن مصالح شخصية ضيقة.

وبما أن المشهد السياسي الإسرائيلي لا يكف عن الحراك، ويموج بتيارات عنيفة فوق، وتحت السطح، فقد طرأ تحول دراماتيكي جديد منذ يوم الثلاثاء الماضي، حين أعلن نتانياهو أنه يفكر في إلغاء الانتخابات المُقبلة.

لم يستأثر هذا الكلام باهتمام الجمهور، والساسة، والمُعلّقين وحسب، بل وفتح مزاداً كبيراً لشائعات كثيرة، وسيناريوهات محتملة، أيضاً.

ومن الشائعات أن نتانياهو يجري مفاوضات سرية مع تحالف أبيض ـ أزرق لتشكيل حكومة يتناوب الطرفان على رئاستها. وهناك، أيضاً، مَنْ تكهن بأن كلام المذكور عن إلغاء الانتخابات مجرد مناورة، فهو يعرف أن التحالف المذكور لن يوافق على شروطه، ولكنه يريد تحميله مسؤولية الذهاب إلى انتخابات جديدة يراها أغلب الإسرائيليين مكلفة وغير ضرورية، ناهيك عن حقيقة أنها قد تعيد إنتاج المأزق، أي الفشل في تشكيل حكومة ائتلافية تحظى بأغلبية مريحة في البرلمان.

نفى الناطقون باسم تحالف أبيض ـ أزرق، وكذلك الليكود، وجود مفاوضات كهذه، وكرر الأوائل رفضهم تشكيل حكومة مع نتانياهو.

وفي السياق نفسه، عزا مراقبون كلام نتانياهو عن إلغاء الانتخابات الجديدة إلى خوفه من نتائجها، فاستطلاعات الرأي الأخيرة لا تدعو للتفاؤل، وعقبة ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" ستبقى قائمة، طالما لم يوافق على قانون الخدمة الإلزامية لطلاب المدارس الدينية.

وفي السياق نفسه، أشار آخرون إلى أن التراجع عن الدعوة لانتخابات جديدة، يستدعي تجاوز العطلة الصيفية، ودعوة البرلمان الذي حل نفسه بقانون للانعقاد، وتبني أغلبية الثلثين لقانون جديد يُلغي قرار الحل السابق، وكذلك الدعوة لانتخابات جديدة، لتمكين رئيس أوفر الكتل البرلمانية حظاً، في انتخابات نيسان (أبريل) الماضي، من تشكيل حكومة جديدة.

ثمة عقبات كثيرة تعترض هذا السيناريو، ومنها أن الحصول على أغلبية الثلثين، أي 80 عضواً من أصل 120، ليس بالاحتمال المضمون نتيجة الاستقطاب السياسي الحاد، ناهيك عن عقبات تشريعية تتمثل في توفير مُسوغات قانونية من جانب المدعي العام، والمستشار القضائي للحكومة لإضفاء شرعية قانونية على أمر كهذا. وهذه مسألة مُعقدة، أيضاً.

وفي السياق نفسه، وبما يُضيف مزيداً من الحركة والحراك إلى المشهد السياسي الإسرائيلي، أعلن إيهود باراك، الذي اعتزل العمل السياسي منذ سنوات، العودة إلى معترك السياسة، ودخول المعركة الانتخابية القادمة بحزب جديد.

شغل باراك مناصب كثيرة، على مدار سنوات طويلة، في المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل، ولايزال يحظى بمكانة مرموقة، ويمكنه الرهان على كسب بعض أصوات العماليين، الذين أصابهم أداء قيادة الحزب الحالية بخيبة الأمل، وكذلك أصوات ناخبين في معسكر يمين الوسط.

وهذا يعني أنه قد يسلب تحالف أبيض ـ أزرق بعض ناخبيه.

وإذا كان في هذا الواقع ما يُسهم في تفتيت الصوت الانتخابي، فإن تحالف أبيض ـ أزرق يحاول، من جهته، استمالة بعض الناخبين في معسكر اليمين القومي الديني، من خلال تبني مواقف أكثر تشدداً إزاء الفلسطينيين، ومستقبل الأراضي المحتلة.

يمكن أن نرى، إذاً، ما أحدثه سقوط ثلاثة أحجار في بركة مضطربة من موجات ارتدادية، في فترة لا تتجاوز أسبوعين، أولها حجر ليبرمان، الذي أعلن استعداده للتعاون مع تحالف أبيض ـ أزرق لتشكيل حكومة ائتلافية قوية، وحجر نتانياهو، الذي يحاول التملص من استحقاق انتخابات قادمة، وحجر باراك العائد إلى معترك السياسة بعد سنوات من الغياب.

ولا يبدو من السابق لأوانه القول إن توقع سقوط المزيد من الأحجار، وربما مصحوبة بدوي كبير، يبدو تحصيلاً للحاصل من الآن وحتى الموعد المُقرر للانتخابات في سبتمبر المُقبل.