مؤتمر الجاليات الفلسطينية في السلفادور (أرشيف)
مؤتمر الجاليات الفلسطينية في السلفادور (أرشيف)
الثلاثاء 2 يوليو 2019 / 20:13

خطايا راقصة

الرقص الشرقي آخر المفردات التي أقحمت في قاموس الاتهامات والتوظيفات السريعة التي تقترن بالسجال السياسي الفلسطيني المستمر منذ سنوات حول الوحدة والانقسام، وأحقية التمثيل لتفتح هامشاً جديداً من تدني مستوى خطاب التحريض، والتحشيد المتبادل بين الفرقاء الفلسطينيين.

استنهضت المقاطع التي ظهرت فيها الراقصة الشرقية كوامن تفكير الفئات التي تصدرت واجهة التمثيل الفلسطيني لتعيد توجيه الأنظار إلى أثر الذهنية الريفية في صناعة القرار الفلسطيني

كان من الممكن أن يبقى مؤتمر الجاليات الفلسطينية الذي عقد في السلفادور حدثاً عابراً مثل مختلف الفعاليات التي تقام في مناطق الشتات الفلسطيني، وتغضب طرفاً او أكثر من الأطراف المتنافرة لولا تداول نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع لراقصة شرقية ظهرت في حفل أقيم على هامش ذلك اللقاء.

تعاملت التعليقات التشهيرية التي رافقت تلك المقاطع مع ظهور الراقصة باعتباره العورة التي تسيء للأطراف المنظمة للمؤتمر، ما يوحي بتوسيع اللجوء الى الغرائزي في تشويه السياسي.

عند تنصلها من الاتهامات الموجهة لسفارتها في السلفادور، لم تبتعد الخارجية الفلسطينية عن منطق التعامل مع الرقص الشرقي باعتباره "رذيلةً" فأشارت في بيانها إلى أن "كل ما عرض من فيديوهات لراقصات إنما يمثل القائمين على المؤتمر" لتتكئ على ظنون إلقاء كرة "الخطيئة" في الجانب الآخر.

في الحالتين استنهضت المقاطع التي ظهرت فيها الراقصة الشرقية كوامن تفكير الفئات التي تصدرت واجهة التمثيل الفلسطيني، لتعيد توجيه الأنظار إلى أثر الذهنية الريفية في صناعة القرار الفلسطيني.

ما لم ينتبه إليه المتساجلون الفلسطينيون، وهم يجردون الجسد من الفن، وربما لا يعرفونه أن الرقص الشرقي بعض مظاهر ثقافة تركت بصماتها على ملامح وعي شعوب هذه المنطقة، وجرى التعامل معها في كثير من الأحيان باعتبارها دلالات على مكونات الهوية.

غاب عنهم أيضاً حضور الرقص الشرقي ونجماته في الحياة السياسية العربية خلال القرن العشرين الذي تشكل أحداثه الخطوط العريضة لمآلات قضيتهم المهددة بتبعات عقود من الإخفاقات والفشل في قراءة المشهد والتعامل مع الأزمات.

وقد تكون الرغبة في التوظيف الآني، ومحاولة التأثير الساذج في وسائل التواصل الاجتماعي، وراء تجاهل مواقف وتجربة فنانة بقامة تحية كاريوكا التي أشار إدوارد سعيد إلى دورها في تشكيل الثقافة المصرية، وانتمائها لعالم النساء التقدميات اللواتي يتفادين الحواجز الاجتماعية أو يزلنها، واعتبرها الموسيقار محمد عبدالوهاب "ظاهرة وطنية" وكان لها أثرها في الإبداع الغربي.

ينطوي عالم كاريوكا أيضاً على تجربة نضالية مفرداتها السجن، والعمل السياسي السري، شأنها شأن رموز الثقافة والفكر في زمنها، وكان من الممكن أن يستفيد المتساجلون الفلسطينيون من دروسها لو منحوها اهتماماً خلال صراعهم على كعكة التمثيل والشرعية المجهضة.

كان بإمكان المتساجلين الفلسطينيين إدانة الراقصة لوجودها في المكان والحدث المختلف عليهما كما يجري في العادة عند انتقاد سياسي أو مثقف على موقف أو ممارسة مستهجنة، بدلاً من تحويلها إلى دليل إدانة أو تهمة يتقاذفونها لتوسيع مدى التشوهات التي لحقت بالعمل الفلسطيني، أو إخفاء عيوب سياساتهم وممارساتهم .

يصعب النظر إلى السجال الكاريكاتوري حول راقصة مؤتمر الجاليات الفلسطينية في أمريكا اللاتينية، الذي تعامل مع الرقص الشرقي باعتباره عورةً وغض الطرف عن الخطايا السياسية، باعتباره حدثاً عابراً في ظل حضور دلالاته التي تبدأ من عجز ما كان يعرف بالثورة الفلسطينية عن مراكمة وعي سياسي واجتماعي ولا تنتهي بخلل معايير تحديد وتوصيف الشبهات.