ليوناردو دي كابريو وراسل كرو في فيلم "جسد الأكاذيب" (أرشيف)
ليوناردو دي كابريو وراسل كرو في فيلم "جسد الأكاذيب" (أرشيف)
الأربعاء 3 يوليو 2019 / 20:42

جسد الأكاذيب

في فيلم "Body Of Lies"، أو "جسد الأكاذيب" 2008، للمخرج ريدلي سكوت، قوى الشر مُتبادلة بين أعداء أمريكا الإرهابيين، الذين يفجرون أنفسهم في كل مكان على سطح الأرض، وأمريكا التي تدافع عن أمنها وسلامتها. الخير الأخلاقي الأمريكي، المفقود في رسالة الفيلم، كان سبباً في الفشل، والاستقبال الفاتر.

بدا تشاؤم ريدلي سكوت في فيلم "جسد الأكاذيب"، متماسكاً أمام الزمن، فلم تتقدم الحرب على الإرهاب منذ 2008 إلى الآن 2019

يبدأ الفيلم بأحد قادة الإرهاب، ويُدعى "السليم"، يتوعد أمريكا والغرب، بتفجيرات دفاعاً عن الإسلام، ثم نرى في مدينة مانشستر غرب بريطانيا، ثلاثة آسيويين صغار السن، في شقة فقيرة، يستعدون لتفجير المبنى كله، لحظة القبض عليهم.

مدينة سامراء، العراق، الممثل ليوناردو دي كابريو في دور فارس، عميل الاستخبارات الأمريكية، نائم يفكر في كلمات الممثل راسل كرو في دور "إد"، مدير الاستخبارات الأمريكية. هل ننتمي إلى هناك أم لا؟ لا يهم أن تجيب على هذا السؤال، لأننا هناك متعبون، ولا يمكننا رؤية النهاية. لا يمكننا حتى تعزية أنفسنا بأن عدونا متعب مثلنا.

من 2008 زمن ظهور الفيلم، إلى 2019 الزمن الحالي، ما زالت كلمات "إد"، مدير الاستخبارات الأمريكية، سارية المفعول. فليس الأمريكيون وحدهم متعبين، بل العالم كله يدفع ضريبة الحرب على الإرهاب.

لا يلمس المخرج ريدلي سكوت السبب الحقيقي لتفشي الإرهاب، وهو أن الإرهاب كان من الآثار الجانبية غير المحسوبة، للحرب الباردة التي فازت فيها الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب، على الاتحاد السوفييتي، والدول الاشتراكية التابعة له.

إن إغفال الخير الأمريكي من قِبل المخرج ريدلي سكوت، بالنسبة لهوليوود، أقل قسوة من الحديث عن الآثار الجانبية للحرب الباردة.

كلمات راسل كرو عن الانتماء، تتردد في عقل فارس، وكأن مدير الاستخبارات يُذكر العميل ليوناردو دي كابريو، بأنه أمريكي، رغم الأصل العربي، والذقن غير المهذبة على طريقة الإسلاميين.

فارس من جهته لا تؤرقه كثيراً فكرة الانتماء، بل في تقدم أحداث الفيلم، سيعمل فارس على إرضاء الاستخبارات الأردنية، والاستخبارات الأمريكية، بالكذب، وسيعاقَب من الجهتين.

يلعب ريدلي سكوت في فيلم "جسد الأكاذيب"، على قيمة المعلومات المتعلقة بالإرهابيين، فهناك شبه سباق بين الاستخبارات الأمريكية، وبين الاستخبارات الأردنية، وراء المعلومة.

يُشخص "إد" لرجال الدولة الأمريكية، حالة الإرهابيين، بأنهم يعيشون في الماضي، ويرمون الهواتف المحمولة، ويستغنون عن البريد الإلكتروني، فإذا بنا رجال المستقبل، لا نستطيع رؤيتهم، ولهذا فنحن هدف سهل للإرهابيين.

في الواقع المعاش، يستخدم الإرهابيون تكنولوجيا الاتصالات بإفراط، عبر يوتيوب، وفيس بوك، وتويتر، وكل أدوات السوشيال ميديا، فالرؤوس المقطوعة، والتفجيرات، ومبايعات القتل والتدمير، مزدهرة بعدد المشاهدات الخيالية.

الحقيقة أن الإرهابيين مرئيون أكثر من اللازم على عكس كلمات "إد" مدير الاستخبارات الأمريكية.

بالطبع الواقع ليس حجة على الفن، لكن السينما الأمريكية المحدودة جمالياً، والقريبة جداً من أرض الواقع، تفرض علينا المُقَارنة.

ربما أراد المخرج ريدلي سكوت من كلمات "إد"، تبرير المزيد من مراقبة الإرهابيين بالأقمار الصناعية، التي تهيمن على الصورة في فيلم "جسد الأكاذيب"، وكأنها لعبة تكنولوجيا صرفة.

"إد" يراقب الجميع عبر شاشات الأقمار الصناعية، ولا يسلم من المراقبَة عميله فارس، الذي يقول لمدير الاستخبارات، إن أحد الإرهابيين لا يريد تفجير نفسه، مقابل إعطاء المعلومات عن القيادي الإسلامي "السليم"، والذهاب إلى أمريكا.

فارس يعد نزار بمكان آمن في الولايات المتحدة، متجاوزاً رأي "إد"، الذي يطلب من فارس استجواب نزار في العراق، وليس في أمريكا. يرى فارس أن أتباع "السليم" لن يتركوا نزار على قيد الحياة إذا استُجوب في العراق. "إد" يقول عن نزار: "يريد أن يأتي إلى أمريكا قطعةً واحدةً، ويرفض أن يذهب للجنة ألف قطعة. كان عليه التفكير قبل ذلك".

يفهم "إد" أن فارس تجاوز حجمه، وعرض على نزار الملجأ الآمن في أمريكا. يقول "إد" لفارس: "أطلق سراحه، وعندما يقتلونه سنكون هناك بأقمارنا، ونرى مَن سيطلق عليه الرصاص". استخدام الأقمار الصناعية في جمع المعلومات، أهم في فيلم "جسد الأكاذيب"، من الحرب نفسها.

يحاول الإرهابيون قتل نزار، لكن فارس هو الذي يُطلق على نزار، رصاصة الموت. يقول فارس لـ "إد" في الهاتف المحمول: "لعلك رأيت الوميض؟ أعدمت نزار". "إد" في ولاية فرجينيا، مكان وكالة الاستخبارات المركزية، ويسأله فارس من العراق: "هل رأيت وميض رصاصة الإعدام؟" 

ينجو فارس من الموت، ويطارد خلية "السليم"، بفضل الأقمار الصناعية، والطائرات الأمريكية. أصبح فارس وجهاً محروقاً في العراق، ولهذا يبعثه "إد" للأردن، لمُراقبة جهاديين لهم علاقة أيضاً بالقيادي الإسلامي "السليم". في عمان سيعمل فارس مع هاني سلام مدير الاستخبارات الأردنية، والذي يسعى مثل "إد"، للوصول إلى "السليم".

يقول "إد" لفارس: "لا تبادل معلومات مع هاني، تأخذ منه فقط، ولا تعطه ما لدينا. هاني سلام يحذر فارس من الكذب". "إد" يمارس عمليات استخباراتية جانبية دون علم فارس الذي يتعرض لخطر الكذب على هاني سلام، بسبب "إد". هاني سلام من جانبه، يورط فارس في معرفة معلومات عن أحد الجهاديين دون علم "إد".

"السليم" يختطف عائشة صديقة فارس الذي يذهب إلى هاني سلام، ويعترف له بعملية استخبارتية أخرى من وراء ظهره. يغضب هاني سلام، ويقول لفارس إنه لن يساعده في إنقاذ عائشة.

يذهب فارس إلى الجهاديين، لإنقاذ عائشة. "السليم" يقول لفارس: "هناك من فعل بك ما تفعله بالآخرين، الكذب". يقول فارس: "إذن دفعت ثمني. صفقة". يرد "السليم": "ليست هناك صفقة، لأنه لن يُفاوضك أحد من أجلي. أنا لدي الآن عميل للسي آي إيه، هذا هو المهم". يكسر "السليم" إصبع فارس بضربة شاكوش، وهو يقول له: "مرحباً بك في غوانتانمو". جهادي آخر يقطع إصبع فارس، المكسور الممزق، بسكّين.

قبل ذبح فارس بثوانٍ، تهاجم قوات هاني سلام، خلية "السليم"، وتصفي الخلية، وتقبض على "السليم". في المستشفى يقول هاني سلاّم لفارس: "أول من يهتم بشأنك، هو أول من يزورك، وهذا قد لا يهم، لأن لا أحد يعلم أنك هنا". لم يستطع "إد" مساعدتك بأقماره الصناعية وطائراته.

بدا تشاؤم ريدلي سكوت في فيلم "جسد الأكاذيب"، متماسكاً أمام الزمن، فلم تتقدم الحرب على الإرهاب منذ 2008 إلى الآن 2019، بل ازدادت تعقيداً بفعل التكنولوجيا، وبفعل من يتحكم في التكنولوجيا، ومن يستخدمها أيضاً.