الكاتبة الأمريكية إي جين كارول التي اتهمت ترامب باغتصابها (أرشيف)
الكاتبة الأمريكية إي جين كارول التي اتهمت ترامب باغتصابها (أرشيف)
الجمعة 5 يوليو 2019 / 18:16

غير جديرة!

تنفست زهراء الصعداء حين أتيت لأقف بجانبها أمام حائط مدرستنا الثانوية بانتظار وصول السيارة التي كانت ستقلنا برفقة صديقاتنا في الفصل.

لإخراس أي متضررة من التحرش أو الاعتداء، يتم الإشارة بشكل مذل ومهين إلى كونها غير جديرة أساساً بالتعرض لهذا التجاوز

"أوف، كم أنا ممتنة لأني لم أعد مضطرة للوقوف ههنا وحدي. لن تصدقي أعداد الشباب الذين خفضوا نوافذ سياراتهم، وهتفوا نحوي بعبارات التحرش".

قلبت بؤبؤي عيني بضجر. يا لها من "دراما كوين" تعمل من الحبة قبة، ومن الهتاف جريمة!
ولكن ضجري كان شديد البراءة أمام نبرة التهكم والسخرية التي قوبلت بها زهراء فور ركوبنا السيارة العائلية الضخمة، والتي كانت تغص آنذاك بما لا يقل عن نصف درزن من المراهقات اللاتي يتخبطهن شيطان الهرمونات، والتمرد.

"لم يبد عليكِ الضيق والنكد يا زهراء؟ مسكينة. لا بد وأنك تعرضت لسيل من المعاكسات خلال وقوفكِ"، سألت إحداهن فيما جاهدت الأخريات لإخفاء ضحكتهن الواضحة.
فصمتت زهراء.

صمتت بوجهها الذي لم تعرفه مساحيق التجميل، وغزته البثور وحب الشباب. صمتت زهراء، التي لم تستجب لمطالب الفتيات بفصل حاجبيها المُتصلين، أو ارتداء العباءات المزركشة عوضاً عن الالتزام بالسواد التام.

صمتت زهراء لأنها لم تكن تستطيع إثبات أحقيتها بأن تصبح الضحية! إنها، دون مبالغة، الحيلة الأكثر شيطانية التي ابتدعتها الـrape culture، أو "ثقافة الاغتصاب" السائدة في المجتمعات البطريركية، وهي الثقافة التي تطبع التعدي على أجساد الآخرين.

فلإخراس أي متضررة من التحرش أو الاعتداء، يُشار بشكل مذل ومهين إلى أنها غير جديرة أساساً بالتعرض لهذا التجاوز، وغالباً لأنها لا توافق المعايير الجمالية السائدة على صعيد الملامح أو الوزن.

ولقد رأينا هذا الأسلوب يطل برأسه الخبيث أخيراً في حادثتين متقاربتين زمنياً، حتى بدتا وكأنهما من صنع نفس العقل المدبر في واشنطن، والقاهرة.

فالحادثة الأولى كانت حينما اتهمت إي. جين كارول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باغتصابها، فما كان منه إلى أن رد: "أولاً، ليست من النوع من النساء الذي يجذبني"، في تلميح جارح إلى أنها لم تكن جديرة أصلاً بالارتقاء إلى مقام ضحيته.

أما الحادثة الثانية، فكانت حين خرجت عارضة الأزياء المكسيكية جيوفانا فال عن صمتها بعد تحرّش عمرو وردة، نجم كرة القدم المصرية، بها، فقوبلت بموجة جماهيرية ساخرة ممن نشروا صورها الخالية من تأثير "الفوتوشوب"، و "فيس تون"، ليقولوا بطريقتهم الخاصة إنها ليست جيدة بالشكل الكافي ليصطفيها مجرمهم المحبوب.

أرأيتم ماذا تفعله هذه الحيلة الشيطانية؟

إنها لا تكتفي بجعل التحرش والاعتداء "وساماً" من نوع آخر يُعلق على صدر المرأة ليشهد لها بالإثارة، والحسن، والأحقية بالاهتمام، ولكنها أيضاً تجعل كل امرأة تراجع موافقتها لمعايير الجمال السائدة ألف مرة، قبل فضح الجاني عليها، والويل والثبور لها إن كانت لا توافق الشروط والمؤهلات اللازمة لأن يكرمها بسعاره الجنسي، وانفلاته الأخلاقي.

زهراء، وإي. جين، وجيوفانا، وغيرهن الملايين، لم يكن جديرات سوى بالاحترام.