لوحة الاتحاد الأوروبي لبانكسي في مرفأ بريطاني (فورين افيرز)
لوحة الاتحاد الأوروبي لبانكسي في مرفأ بريطاني (فورين افيرز)
الأحد 7 يوليو 2019 / 10:43

ماذا بعد التفكك المحتمل للشراكة بين ضفتي الأطلسي؟

في كلمته أمام مؤتمر ميونيخ للأمن في بداية 2019، بعث جون بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق، برسالة مطمئنة إلى ساسة وديبلوماسيين وقادة عسكريين أوروبيين قلقين من فك الارتباط مع أمريكا، قائلاً: "سنعود".

على أوروبا إجراء تحول لمواجهة تحديات اقتصادية وأمنية وسياسية متزايدة من قبل الصين وروسيا

ولقي خطاب بايدن تصفيقاً وارتياحاً. وبدا كأنه قال للأوروبيين: "انتظروا انقضاء عهد ترامب، وعاجلاً أم آجلاً، سيعود الإجماع بين ضفتي الأطلسي الذي حددته حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتحلي بالصبر مطلوب في هذه المرحلة".

أمل وهمي
ويبدو أن بايدن غذى أملاً شائعاً لكنه وهمي، حسب ما عرضته ألينا بولياكوفا، أستاذة الدراسات الأوروبية لدى جامعة جون هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة في مجلة "فورين أفيرز"، وبنيامين حداد مدير مبادرة مستقبل أوروبا لدى مجلس الأطلسي.

قد تستطيع إدارة أمريكية جديدة تسكين بعض التوترات الحالية عبر الأطلسي، فترفع مثلاً تعريفات جمركية فرضت على صناعتي الفولاذ والألومنيوم الأوروبيتين، أو تعود إلى اتفاقية باريس للمناخ. لكن تلك الإصلاحات لن تعالج المشكلة من جذورها، فالخلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا لم يبدأ مع ترامب، ولن ينتهي معه.

وبدلاً من الاستسلام للحنين، يتعين في رأي كاتبي المقال، على زعماء الولايات المتحدة وأوروبا البدء في إجراء تقييم نزيه للمسار الذي أوصلهم إلى الأزمة الحالية، وهو خطوة أولى على طريق بناء شراكة عبر الأطلسي أكثر نضجاً وتطلعاً نحو المستقبل.

تفاوت في القوة
ويرى كاتبا المقال أن أكبر تهديد للعلاقة عبر الأطلسي لا يأتي من قبل بيت أبيض عدائي، أو نتيجة فصل بين المصالح. إن الأزمة الحالية هي، في المقام الأول، نتاج تفاوت في القوة بين الولايات المتحدة وأوروبا.

ومنذ وقت طويل، تقبل الجانبان هذا الخلل، وعززاه. وظلت أوروبا خانعة في مقابل الحصول على ركن تحت مظلة الدفاع الأمريكي. ورغم كل غطرستهم في المطالبة بـ "تقاسم الأعباء"، لطالما فضل قادة أمريكيون انتفاعاً أوروبياً مجانياً، على فوضى أوروبية.

إلى ذلك، أدت نهاية الحرب الباردة، ونهوض الصين، إلى تحويل أولويات واشنطن الأمنية إلى مكان آخر، تاركة أوروبا لمصيرها وحدها.

وكما قال سيغمور غابرييل، وزير الخارجية الألمانية السابق: "تعتبر اليوم القارة بمثابة جهة نباتية في عالم من أكلة لحوم البشر". وقد أعطت سياسة إدارة ترامب حيال أوروبا، والتي تتناوب ما بين اللامبالاة والعداء، لهذا التشبيه أهمية ملحة ومتجددة.

استقلال استراتيجي
وحسب كاتبي المقال، يتطابق الرأي السابق مع رؤى أوروبية لـ "استقلال استراتيجي" عن الولايات المتحدة، يدعو إليه رئيس اللجنة الأوروبية جان كلود يونكر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وحتى تاريخه، لا يزال الجيش الأوروبي حبراً على ورق، ولكن حتى مثل تلك الاقتراحات المبدئية تثير شكوكاً، إن لم يكن معارضة صريحة، في واشنطن.

ويبدو أنه يخشى من أن تؤدي رغبة أوروبا في المضي في طريقها في مسائل أمنية، إلى وضع القارة في منافسة مباشرة مع الولايات المتحدة. ويفضل صناع سياسة أمريكيون أن ينفق أوروبيون المزيد على القوة العسكرية ضمن حدود حلف شمال الأطلسي، وهي فكرة تقوم على فرضية أن أوروبا أكثر قوة ستبقى تابعة للقيادة الأمريكية.

لكن، في رأي كاتبي المقال، الأمل بدفع أوروبا للاستثمار في دفاعها دون تطوير مصالح أمنية أكثر استقلالية شيء خيالي. ويترتب على صناع السياسة الأمريكية أن يتخذوا قراراً.

فهل يفضلون الحفاظ على القارة الأوروبية ضعيفة ومنقسمة بما يتماشى مع مصالحهم، وتعتمد على القوة الأمريكية؟ أم أنهم مستعدون للتعامل مع شريك أكثر قوة واستقلالية، قد يعارض أحياناً سياساتهم المفضلة؟ وفي المقابل، لا تستطيع أوروبا ادعاء امتلاكها زعامة عالمية مستقلة، والاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة لحماية أمنها، بما في ذلك في أقرب المناطق إليها.

وفي اعتقاد الكاتبين، على المدى الطويل، ستجني واشنطن مكاسب من قارة قوية قادرة على الدفاع عن مصالحها، وتخوض معاركها الخاصة، أكبر بكثير مما تحققه من قارة ضعيفة ومقسمة.

ويجب أن يبقى التحالف عبر الأطلسي حجر الأساس للنموذج الغربي للقيم والمبادئ الديمقراطية الليبرالية. لكن على أوروبا إجراء تحول لمواجهة تحديات اقتصادية وأمنية وسياسية متزايدة من قبل الصين وروسيا.

وبدل العودة إلى شراكة عبر الأطلسي، لا بد أن تشهد نزاعات، على الولايات المتحدة وأوروبا البدء في استثمار وقبول نتائج مترتبة على استقلالية أوروبا عن الناتو.