مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر (أرشيف)
مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر (أرشيف)
الإثنين 8 يوليو 2019 / 21:29

الاعترافات الأمريكية الأخيرة... تراجع تكتيكي أم انسحاب تدريجي؟

هناك احتمال آخر، وهو أن يكون الاعترافان تراجعاً تكتيكياً يهدف إلى تجميد المواجهة السياسية والإعلامية والمضي في تنفيذ الشق السياسي من الخطة الأمريكية وجعل المستجدات أمراً واقعاً

بخلاف الخطاب السابق الحاسم والواثق من النجاح في فرض الرؤية الأمريكية لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أطلق إثنان من الفريق الرئاسي المكلف بالملف تصريحات حملت الاعتراف بصعوبة تحقيق هذه الرؤية، والتلميح بمضي الإدارة الأمريكية في تنفيذ خطتها حتى لو لم تتوّج هذه الخطة بالتوقيع على ما يسمى "صفقة القرن".

التصريح الأول أطلقه جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي وصهره وصاحب فكرة الحل المالي، حين أقر بفشل الورشة التي نظمها مؤخراً في المنامة بسبب المقاطعة الفلسطينية لها.
قال كوشنر إن "الخطة الاقتصادية يمكن تحقيقها، ولكن ذلك لن يتم من دون قيادة فلسطينية".

 وكان هذا التصريح بمثابة اعتراف أمريكي صريح باستحالة العثور على تمثيل فلسطيني حقيقي حتى وإن تم جلب عدد من التجار الفلسطينيين المرتبطين بالاحتلال، وكان في هذا التصريح أيضاً اعتراف صريح بفشل الشق الاقتصادي في الخطة الأمريكية التي بدأ بالفعل تطبيق الشق السياسي فيها دون الإعلان عنه، حيث تم الاعتراف الأمريكي بالقدس المحتلة عاصمة لاسرائيل، وأعلنت واشنطن مباركتها لضم الجولان السوري المحتل، وبدأ سفير أمريكا في إسرائيل بالتمهيد لقبول أمريكي بضم الضفة الغربية أو أجزاء منها لإسرائيل.

وربما انتبه الأمريكيون إلى أن صفقتهم هي الأولى في التاريخ التي تعقد مع طرف واحد وليس بين طرفين، وهي الصفقة الأولى التي يتم تنفيذها قبل الإعلان عنها. لذا سارع جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس ترامب إلى الإعلان أن الخطة ستعلن في الوقت المناسب إسرائيلياً، لكنه اعترف مسبقاً بأنها لن تكون مقبولة لدى الفلسطينيين. وقال في مقابلة صحفية "نحن نفهم أنه لا يمكن لأي شخص طرح خطة يتقبلها الجميع، لكنني أعتقد أن الطريقة الوحيدة للتغلب على هذا الصراع هي أن يتفق الجميع على أنه لا يمكن لأحد وضع خطة مثالية".

في قراءة أخرى لتصريح غرينبلات قد يستنتج المحلل أنه اعتراف مباشر بفشل الشق السياسي للخطة الأمريكية. وقد يكون التصريحان، أو الاعترافان بالفشل، مقدمة لخروج أمريكي تدريجي من الملف وتراجعاً عن فكرة الصفقة المعلنة، بعد أن تيقن صناع القرار في البيت الأبيض أن هناك أبعاداً تاريخية ونفسية للصراع لا يمكن تجاوزها بصفقة ولا تلغيها أعطيات مالية.

لكن هناك احتمال آخر، وهو أن يكون الاعترافان تراجعاً تكتيكياً يهدف إلى تجميد المواجهة السياسية والإعلامية والمضي في تنفيذ الشق السياسي من الخطة الأمريكية وجعل المستجدات أمراً واقعاً لا يمكن الخلاص منه، وهذا هو الاحتمال الأقرب إلى المنطق في ضوء التماهي الكامل بين اليمين الحاكم في الولايات المتحدة ونظيره الحاكم في إسرائيل.

لكن، ومهما كانت النوايا الأمريكية فإن ما أثبتته تجربة الشهور القليلة الماضية هو أن الفلسطينيين لا يقبلون الآن ولن يقبلوا في المستقبل بالتعاطي مع أي أفكار للحل تطرحها إدارة دونالد ترامب، وبات من المؤكد أيضاً أنهم لا يقبلون التفرد الأمريكي بأوراق اللعبة، ولن يكونوا مستعدين لقبول هذا التفرد في المدى المنظور.

الفلسطينيون أيضاً يملكون أوراق ضغط، ويبدو أنهم يستغلون التراجع الأمريكي عندما يعلنون وعلى لسان رئيس الوزراء البدء بفك الارتباط بالاتفاقات مع إسرائيل.. وربما تتمثل ورقة الضغط الأقوى في تنفيذ قرار المجلس المركزي الفلسطيني بوقف التنسيق الأمني مع اسرائيل، وقد تتدحرج كرة الثلج السياسي الفلسطينية وصولاً إلى إعلان حل السلطة، والعودة إلى المربع الأول.

ساعتئذ سينشأ واقع جديد لا أحد يستطيع رسم ملامحه. لكنه سيكون واقعا أكثر قبولاً لشعب لم يعد لديه ما يخسره.