الأحد 14 يوليو 2019 / 13:05

ساحرات عصر "إنستغرام".. شريرات قتيلات الأمس معالجات الروح اليوم

تبدو علامات الإجهاد من العمل على تلك العرافة المقيمة بمدينة لوس أنجليس الأمريكيةـ فقد تجاوزت الساعة الثانية بعد الظهر، ولكنها لم تجد فسحة من الوقت لتعد وجبة الغداء، ولا حتى لأن تمسح الرماد المتناثر المتبقي من احتراق الشموع على المذبح الخاص بها.

غادر للتو أحد زبائنها منزلها ذا الطابق الواحد المشيد من الأخشاب والذي تتخذه مكاناً للعمل، وذلك بعد جلسة اطلع خلالها على ما ينتظره في المستقبل من وقائع باستخدام أوراق اللعب، وهو منزل تميزه رائحة البخور التي لا تزال تملأ أرجائه، ثم إن عليها أن تستقبل بعد ساعة زبوناً آخراً يبذل جهداً خارقاً لكي يستكمل أبحاثه لنيل درجة الدكتوراه.

وفي نفس الوقت يتعين عليها أن تكرس وقتاً لكي تعد رسالتها الأسبوعية التي تنشرها على شبكة الإنترنت، ثم تمارس طقوساً للتطهير استعداداً لنشاط جديد لها، وبعد ذلك تجمل أظافرها استعداداً للظهور في برنامج لتليفزيون الواقع، على أن تقضي أية فترة متبقية من وقتها في الكتابة، حيث أنه يجب عليها أن تسلم المسودة الثانية من مذكراتها إلى الناشر في غضون أسبوع.

وهذه العرافة التي تعرف باسم أماندا ييتس جارسيا، كانت تعمل سابقاً معلمة للفنون بعد أن حصلت على درجة أكاديمية عليا في فنون الكتابة والأفلام والنقد الأدبي من معهد كاليفورنيا للفنون، وظلت تتعيش خلال الأعوام الثمانية الماضية من العمل كساحرة محترفة، ويتمثل عملها في "العلاج بالطاقة"، وتنظيم "جلسات لتقوية خاصية الحدس"، مع جلسات من آن لآخر لطرد الأرواح الشريرة، كما تقوم العرافة بتدريس فنون السحر في ورش عمل على موقع إلكتروني وأيضاً في منزلها.

وتعي هذه العرافة قيمة التسويق جيداً، ولذلك فهي تكرس عدة ساعات كل أسبوع للوصول إلى زبائن جدد، حيث تدون رسائل إخبارية وتحدث موقعها الإليكتروني، وترسل نصائح على مواقع التواصل الاجتماعي حول موضوعات مثل كيفية وقف تأثير اللعنة التي تصيب شخص ما باستخدام "الطاقة السلبية المنبعثة من خسوف القمر".

وتقول أماندا جارسيا "إذا كنت تعتقد أن عمل الساحرة يتمثل في مجرد الجلوس وعمل تعاويذ وتمائم طوال الوقت، فقد جانبك الصواب، فنصف عملي ينشر على موقع إنستغرام".

"ساحرة"
ولكن ماذا يدور بخلدك عندما تسمع كلمة "ساحرة" ؟. هل تتخيل قبعة سوداء مدببة ؟، أم تسترجع "محاكمات سايلم" للأشخاص المتهمين بممارسة السحر في ماساتشوستس عام 1692، والتي أسفرت عن إعدام 20 شخصاً معظمهم من النساء ؟، أم أعضاء الديانة الوثنية الممزوجة بالسحر التي يطلق عليها ويكا؟.

ليست تلك على الإطلاق هي صور ساحرات اليوم اللاتي تتزايد شهرتهن بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، واللاتي يعتبرن أنفسهن عاملات في مجال العلاج، فهن يساعدن الزبائن الذين يناضلون من أجل التغلب على عقبات الحياة ومصاعبها ومشاعر الإحباط العاطفي أو التقدم في العمر أو كراهية النساء، أو على ما يتعرضون له من ضغوط العمل، أو الذين يجدون أن العلاجات الأخرى الشائعة من الناحية الثقافية مثل جلسات التأمل والتأهيل والدعم النفسي ليست كافية.

وتسعى الساحرات الجدد إلى مساعدتك على أن تكون في أفضل صورة ممكنة لك، أو كما تقول جارسيا "إن إسهاماتي تتمثل في زراعة الجمال والحب في قلوب زبائني ومساعدتهم على النجاح في الحياة".

ولا توجد قائمة رسمية تحدد وظائف الساحرات، كما أنهن ليس بحوزتهن تصاريح رسمية بمزاولة العمل تشير إلى المتطلبات التعليمية والتدريبية لمزاولتهن المهنة (مما يعني أن الزبائن الذين يذهبون إليهن يتحملن المسؤولية)، وتتنوع الخدمات المقدمة ما بين عقد جلسات للعلاج بالأعشاب إلى تقديم تمائم تجلب الحب إلى الاتصال بعالم الأرواح للحصول على الإرشادات، وتتقاضى بعض الساحرات مبلغ 200 دولار عن كل جلسة تستغرق ساعة واحدة.

طريقة
وتصف الممثلة الكوميدية والكاتبة ساره بنينكاسا بعد أن بدأت في حضور جلسات العرافة جارسيا في أغسطس من العام الماضي، هذه الجلسات بأنها تبدو "في بعض أجزائها مثل الدعم النفسي وفي البعض الآخر مثل الطقوس الدينية".

وتضيف "أعتقد أنها تمارس نوعاً من التدريب والتأهيل الروحي، ويمكنك أن تتوجه إليها بنفس الطريقة التي تتوجه بها إلى رجل دين".

وتسارع جارسيا إلى التنبيه بأنه "لا يجب على الناس أن يستخدموا السحر كطريقة للهروب من مشاكلهم، وأحيانا يكون تلقي المساعدة من طبيب أو من معالج نفسي أو إخصائي اجتماعي أو مستشار في الشؤون المالية هو ما يحتاجونه بالفعل".

وليس كل هذا الحديث عن عمل الساحرات من الأمور الثانوية أو التافهة كما قد يعتقد البعض.

قدرات.. أرواح.. أرقام
فقد أشار استطلاع للرأي العام أجراه عام 2017 مركز "بيو" للابحاث حول مدى انتشار معتقدات حركة "العصر الجديد" الروحية في الولايات المتحدة، إلى أن ما نسبته 40% من الذين أجابوا على أسئلة الاستطلاع قالوا إنهم يؤمنون بقدرات الوسيط الروحاني، كما تؤمن نسبة مماثلة بأن الأشياء الجامدة مثل الجبال والأشجار لديها قدرات روحية.

كما أشار الاستطلاع إلى أن ما نسبته 33% من الأمريكيين يعتقدون بوجود تناسخ الأرواح، ويؤمن ما نسبته 29 % بالتنجيم، بينما يقول ما نسبته 60% أنهم يؤمنون بمعتقد واحد على الأقل من معتقدات حركة "العصر الجديد".

ويبدو أن الدلائل المرصودة تشير إلى تزايد عدد الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم وصف "ساحر".
وتقول هيلين بيرجر الأستاذ بجامعة برانديس الأمريكية والتي تدرس ظاهرة الساحرات وعبدة الأوثان طوال 30 عاماً، إن "الاهتمام بالسحر يتزايد وينحسر من آن لآخر، غير أن مده بدأ يعلو مرة أخرى خاصة بين الفتيات".

وتم إصدار ستة كتب على الأقل عن فنون السحر خلال الأشهر الستة الماضية وحدها، كما دعت مجموعة من المتاحف ساحرات لإلقاء محاضرات وتنظيم ورش عمل في مقارها.

وتزايد عدد الأماكن التي تباع فيها الكرات البلورية والشموع والبخور وغيرها من الأدوات المستخدمة في الأعمال المتعلقة بالسحر، وتطرح هذه الأدوات للبيع سواء في المتاجر أو على شبكة الإنترنت، كما ساعد موقع إنستجرام على نشر أعمال الساحرات.

تطورات ثقافية.. فقدان الإيمان

وتوضح سابينا ماجليوكو المتخصصة في أصل المجتمعات بجامعة "بريتش كولومبيا" في فانكوفر، أن تزايد الاهتمام بأعمال السحر والشعوذة ومعرفة الطالع، يعد استجابة طبيعية للتطورات الثقافية الحالية والتي يشعر كثير من الناس في ظلها بالتهميش وبحرمانهم من التعبير عن آرائهم.

كما توضح أن فقدان الإيمان بالمؤسسات ،خاصة بالحكومة وبالديانة المنظمة، أدى إلى شعور شرائح واسعة من المجتمع بعدم التيقن وبأن العالم لم يعد له معنى.

وتقول ماجليوكو إن "الدراسات بينت أن الأشخاص يتجهون إلى السحر والطقوس في المواقف التي يتعرضون فيها لضغوط عالية، وهذا يفسر العالم بانسبة لكثير من الناس,كما أنهم يشعرون بالغضب إزاء أحوالهم ويفقدون السيطرة على أنفسهم".

نساء.. طقوس

وظل "السحر" خلال فترات طويلة من التاريخ مرتبط بالشر خاصة بالنساء الشريرات، كما أدان العهد القديم الساحرات، وحظرت القوانين النرويجية والرومانية القديمة ممارسة السحر لتنفيذ أغراض شريرة.

ومع ظهور الديانة المسيحية تم بقوة حظر ممارسة السحر، ويقدر المؤرخون أنه تمت محاكمة 50 ألف شخص على الأقل، تم سجن بعضهم وإعدام البعض الآخر بتهمة ممارسة السحر في أوروبا الغربية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وتبلغ نسبة النساء منهم 80%.، بل إن الساحرات لا يزلن حتى اليوم يثرن الخوف والغضب.

فيزياء.. طقوس
وترى الأستاذة بيرجر أن "إمكانية أن تتمتع الساحرات بقدرات ما تثير التوتر البالغ لدى الناس، حيث أنه يعتقدون بأنه إذا كانت الساحرة لديها القدرة على العلاج فإنها قد تمتلك أيضاً القدرة على إلحاق الضرر"،
وتحب جارسيا عرافة لوس إنجليس أن تقول إن السحر لا يتعارض مع قوانين الفيزياء.

وهي تقول لزبائنها إن السحر ما هو إلا أخذ الأفكار التي تدور في الأذهان بحيث نراها كحقيقة على أرض الواقع ونتعامل معها.

وهي عادة ما تعطي زبائنها "واجبات" تتوقع أن يؤدوها بأنفسهم بعد ذلك.

وتقول "إذا أردت أن تبني بداخلك مزيداً من الثقة، فعليك أن تؤدي مهاماً مثل الحصول على دورة دراسية في كيفية التحدث أمام الجمهور"، وهي ترى أن "السحر والطقوس هو طريقة لتركيز الطاقة لدى الأفراد".