الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيف)
الإثنين 15 يوليو 2019 / 19:34

سلطتان تتذاكيان على شعب ذكي بالفطرة

تتعمد سلطتا الأمر الواقع في الضفة وغزة إساءة تقدير ذكاء الفلسطينيين حين تقدمان خطاباً متذاكياً يبرر الواقع السياسي المعيب الذي تشاركتا في خلقه وتواصلان الشراكة في إدامته، وتتمترسان في خندقين للدفاع عن الغلط.

رغم خلافهما، بل وتناقضهما في كل شيء، تتفق السلطتان على المضي في مشروع الانقسام ورفض المصالحة والمرواغة لتعطيل الجهود المصرية لتحقيقها، واختلاق مبررات واهية للتنصل من سلسلة الاتفاقات والتفاهمات

ورغم خلافهما، بل وتناقضهما في كل شيء، تتفق السلطتان على المضي في مشروع الانقسام، ورفض المصالحة والمرواغة لتعطيل الجهود المصرية لتحقيقها، واختلاق مبررات واهية للتنصل من سلسلة الاتفاقات، والتفاهمات السابقة التي تمت برعاية مصرية.

وكلما ظهر بصيص أمل في إنهاء الفصل القائم بين الضفة والقطاع، يسارع رموز الانقسام إلى تبديده بإطلاق تصريحات اتهامية موتورة تقفز على المصلحة الوطنية وتستجيب للرغبة الإسرائيلية في إطالة أمد هذا الواقع الفلسطيني السياسي المعيب.

مسار المصالحة مغلق ولا تلوح في الأفق بوادر لفتح هذا الطريق، رغم الحاجة الوطنية الملحة لموقف واضح وموحد وعملي في مواجهة صفقة القرن، والتصدي لمحاولات الولايات المتحدة فرضها بتجاوز الطرف الفلسطيني.

صحيح أن السلطتين أعلنتا رفضهما للصفقة، لكن هذا الرفض لم يتجاوز حدود اللغو الإعلامي، ولم يصل إلى إجراءات حقيقية في التصدي للراهن الصعب بموقف عملي يبدأ بإنهاء الانقسام، ويستجيب لشروط التنسيق الضروري بين الفصيلين الأكبر في الساحة الفلسطينية، بدلاً من التنسيق مع الاحتلال الذي تمارسه رام الله وغزة سواءً بالاتصال المباشر أو عن طريق وسطاء.

يرفض الطرفان تقديم التنازلات لبعضهما، لكنهما يواصلان تقديم التنازلات للاحتلال، سواءً بترسيخ الانقسام، أو بالحفاظ على التنسيق الأمني في الضفة، والتهدئة الأمنية في غزة، ويبدو الوضع مريحاً للغاية بالنسبة لإسرائيل التي تتعامل مع الطرفين بمنطق العصا والجزرة.

نعود إلى التذاكي ونستعيد تصريحاً للقيادي الكبير في حركة حماس فتحي حماد، الذي دعا إلى قتل اليهود في العالم بينما حركته تتمسك بالتهدئة الأمنية مع الاحتلال، مقابل موافقة إسرائيل على إدخال الأموال القطرية إلى القطاع في حقائب المبعوث محمد العمادي.

ونستعيد أيضاً تهديداً أطلقه قيادي حمساوي آخر بقصف إسرائيل بالطائرات، وتصريحاً ثالثاً بمحو إسرائيل عن الخريطة خلال أسبوعين!

كل هذه التصريحات أطلقت في ظل الالتزام الحمساوي بالتهدئة والتمسك بها بل، والاعلان عن رفض الحركة للصواريخ العبثية التي تطلق على مستوطنات الاحتلال في غلاف غزة.

في المقابل تعلن سلطة رام الله رفضها لصفقة القرن وتقطع العلاقة مع البيت الأبيض، لكنها تستمر في العلاقة الأمنية مع السي آي ايه! وتؤكد حرصها على الوحدة الوطنية، لكنها تعاقب غزة وأبناءها بإجراءات تطال رغيف الخبز، من خلال القطع المبرمج للرواتب.

ويستمر التذاكي في الحديث عن خطوات مقبلة في مواجهة الاحتلال ورفض التفاوض مع حكومة نتانياهو، بينما يتواصل التنسيق مع الشاباك، ويستمر التشبث بالتنسيق الأمني مع الإسرائيليين باعتباره مصلحة سلطوية لا مجال للتفكير بتجاوزها.

في آخر تجليات التذاكي أعلن رئيس الحكومة الفلسطينية محمد أشتية قبل أيام توجه السلطة للفكاك من العلاقة مع إسرائيل، وأوضح أن السلطة تفكر في وقف التحويلات العلاجية للمرضى الفلسطينيين الذين يتم تحويل بعضهم إلى مستشفيات إسرائيلية متقدمة.

ولم يدر في خلد رئيس الحكومة أن هذا الإجراء السلطوي هو في واقع الأمر عقاب للفلسطينيين وليس رداً على الاحتلال.

كان المأمول أن يعلن أشتية أن السلطة تفكر بتنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، بدلاً من وقف علاج المرضى، لكن ذلك لم يحدث ويبدو أنه لن يحدث في ظل قناعة السلطتين الحاكمتين، بأن الفلسطينيين شعب محدود الذكاء.

قناعة السلطتين تعبر عن محدودية ذكائهما لأن هذا الشعب لا يملك شيئاً غير الذكاء.