الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الإثنين 15 يوليو 2019 / 21:38

هل يصمد أردوغان في وجه العقوبات الأمريكية والأوروبية ؟

24. إعداد: شادية سرحان

مع اقتراب واشنطن من فرض عقوبات أمريكية على تركيا، بسبب عناد وإصرار الرئيس رجب طيب أردوغان على صفقة الصواريخ الروسية "أس400"، تنتظر تركيا ضربة أخرى بعد تحذيرات الاتحاد الأوروبي لأنقرة من مواصلة التنقيب "غير القانوني" عن النفط والغاز في البحر المتوسط، قبالة سواحل قبرص، وإلا فسوف تواجه عقوبات أوروبية، ما يُهدد بتفاقم أزمة تركيا الاقتصادية.

وتنتظر تركيا حزمة عقوبات أمريكية رداً على صفقة الصواريخ الروسية المثيرة للجدل، والتي تسلمت أنقرة دفعة منها في الأيام القليلة الماضية، ولكن أردوغان مازال يراهن على ترامب لمنع العقوبات.

أردوغان يتودد لترامب
وفي خطاب حمل الكثير من التودد، قال أردوغان إن "ترامب قادر على إنقاذ أنقرة من عقوبات محتملة ستفرضها واشنطن بعد شراء تركيا منظومة الصواريخ الروسية إس 400".

ووصف مراقبون مساعي الرئيس التركي لتفادي هذه العقوبات بـ"اليائسة"، مؤكدين أنه لا مفر لتركيا من العقوبات الأمريكية.

وجاءت تصريحات أردوغان بعد يومين من استلام تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، أول شحنة من قطع منظومة إس 400، رغم تحذير واشنطن من عواقب هذا الإجراء، ومن فرض عقوبات أمريكية على أنقرة.

ونقلت محطة خبر "ترك" التلفزيونية عن أردوغان قوله أمام صحافيين أتراك، إن لترامب "سلطة الإحجام عن الصفقة أو تأجيل تطبيق قانون مجابهة خصوم الولايات المتحدة بالعقوبات"، في إشارة إلى العقوبات الأمريكية الرامية لمنع الدول من شراء عتاد عسكري من روسيا.

وأضاف أردوغان "بما أن هذا هو الوضع، على ترامب إيجاد حل وسط".

وفي قمة دول العشرين باليابان في الشهر الماضي بدا كأن ترامب يتعاطف مع الموقف التركي عندما قال إن "أنقرة اضطرت لشراء المنظومة إس-400 من موسكو لأن الإدارة الأمريكية السابقة رفضت بيعها صواريخ باتريوت".

وأمس الأحد، صرح أردوغان، بأن اتفاق شراء منظومة "إس 400" الروسية يعد "الأهم في تاريخ تركيا"، مضيفًا أن "بلاده لم تشتر المنظومة الصاروخية للحرب، وإنما لحماية الأمن القومي".

وأكد أردوغان، بحسب وكالة الأنباء التركية، أن "أنقرة ستستلم كامل منظومة إس 400 بحلول أبريل  (نيسان)2020" بعدما حصلت أنقرة يوم الجمعة الماضي، على الأجزاء الأولى من المنظومة، غير مبالية بتهديدات واشنطن المباشرة.




عقوبات أمريكية محتملة 

ولم يكن التهديد الأمريكي بحرمان تركيا من صفقة طائرات الجيل الخامس "إف 35" ووقف تدريب الطيارين الأتراك عليها، كافياً، لإقناع أنقرة بالعدول عن الصفقة.

وحسب موقع مجلة "فورين بوليسي"، قد تتحرك الولايات المتحدة بشكل أقوى، بتوقيع عقوبات مختلفة على أنقرة، بموجب قانون "مواجهة خصوم أمريكا"، مشيراً إلى أن "العقوبات يمكن أن تتراوح بين رفض التأشيرات، وتقييد أي صادرات أسلحة تركية تقريباً، وصولاً إلى حظر الوصول إلى المؤسسات المالية الأمريكية".

وأكدت وكالة "بلومبرغ"  من جهتها، أن واشنطن قد لا تكتفي بإخراج تركيا من برنامج تصنيع طائرة "إف-35"، ردا على شراء صواريخ إس 400 الروسية، بل يمكن أن تفرض عليها 5 من 12 عقوبة متاحة.

ووفقاً للوكالة فإن العقوبات الأمريكية المتاحة تشمل حظر صفقات العقار، وفرض قيود على الاستثمار في السندات الأمريكية، وتقييد وصول الشركات التركية إلى القطاع المالي الأمريكي، فيما يمكن لترامب أن يطلب من مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي، رفض إقراض المؤسسات التركية، ومنع البنوك الأمريكية من تقديم قروض للشركات والمصارف التركية بأكثر من 10 ملايين دولار".

وأوضحت الوكالة الأمريكية، أنه يمكن استهداف عدد كبير من الشركات التركية العاملة في قطاع الصناعات العسكرية، ما يجعلها عاجزة عن شراء منتجات أمريكية لأسلحتها.

فيما أكد موقع "فورين بوليسي"، أن تركيا ستواجه خسائر كبرى إذا حرمت الولايات المتحدة أنقرة من الصفقة بشكل نهائي، ومن جميع امتيازات تصنيع قطع الغيار.

وأوضح الموقع، أن سحب امتيازات تصنيع قطع الغيار وبعض القطع لمقاتلات "إف 35"، قد تتسبب في خسارة أنقرة لأكثر من 12 مليار دولار، مؤكدًا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيدفع ثمناً مرتفعاً إذا استمر في سياسته العدائية ضد الولايات المتحدة بشراء الأسلحة الروسية.



عقوبات أوروبية
ولم تتوقف العقوبات على الجانب الأمريكي فحسب، فقد أظهرت مسودة بيان للاتحاد الأوروبي الخميس الماضي، أن الاتحاد سيفرض عقوبات على تركيا بسبب التنقيب غير القانوني عن الغاز والنفط قبالة سواحل قبرص، العضو في الاتحاد، في أول إجراء يتخذه عملياً رداً على تعنت تركيا وإصرارها على التنقيب.

وصوت وزراء خارجية الاتحاد، اليوم الاثنين، على حزمة عقوبات أوروبية ضد تركيا، وتحدثت مسودة بيان الاتحاد عن إمكانية تقليص المساعدات بدعوة بنك الاستثمار الأوروبي إلى إعادة النظر في إقراض تركيا، خاصةً إذا بلغت تركيا مرحلة التنقيب التي يبدو أن أردوغان يستعجل الوصول إليها.

ووفقاً لمصادر دبلوماسية، قد يوافق وزراء الاتحاد أيضاً على تعليق مفاوضات حول اتفاق طيران بين الجانبين، وتجميد المحادثات رفيعة المستوى، وتعليق التمويل المخصص لتركيا بوصفها مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي.

وبحسب ما ذكرته وسائل إعلام روسية، تعكس صفقة الصواريخ الروسية رغبة تركيا في السيطرة على المجالين الجويين السوري والقبرصي، لحماية عمليات التنقيب، ما قد يفسر سبب إصرار أردوغان على المنظومة الروسية، رغم وجود منظومة "باتريوت" الأمريكية في بلاده، لكن بإشراف الحلف الاطلسي.

ويرى عدد من المتابعين للشأن التركي، أن سلوك أردوغان يوحي بأنه يتهيأ بوضوح لإدارة ظهره للغرب ليتوجه شطر أوراسيا روسيا، الصين، وايران).

وتترجم مواصلة تركيا التنقيب عن الغاز والنفط قبالة سواحل قبرص حرصها على بسط نفوذها على هذا القطاع رغم تحذيرات الأسرة الدولية، ما قد يؤجج التوتر في البحر المتوسط.



سقوط أردوغان
وتأتي تلك العقوبات في الوقت الذي خسر فيه حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم معركة السيطرة على بلدية اسطنبول، بعد إعادة التصويت لاختيار رئيس البلدية، ما مثل ضربة قاسية للرئيس أردوغان، بسبب  تفوق مرشح حزب المعارضة الرئيسي أكرم إمام أوغلو، بشكل كاسحعلى مرشح حزب العدالة والتنمية.

انهيار الاقتصاد
وتتزامن متاعب أردوغان السياسية الداخلية والخارجية، مع أزمة اقتصادية خانقة، دشنتها الليرة بانهيارها في الفترة الماضية، ما أدى إلى تراجع مؤشرات النمو، بعد تردي الاقتصاد في الركود، وارتفاع التضخم بشكل قياسي، وزيادة البطالة، وسقوط القطاع العقاري، خاصة بعد انسحاب عدد كبير من المستمثرين الخليجيين، وفي طليعتهم السعوديين.

وبعد إقالة أردوغان لحاكم المصرف المركزي، بسبب رفضه خفض سعر الفائدة، تستعد تركيا بعد تعيين حاكم جديد، موالٍ لأردوغان لدخول مرحلة جديدة تتميز بسياسة خفض الفائدة بشكل متزايد، ما يعني قفزات منتظرة في نسب التضخم وتراجع العملة، ومزيداً من الضغوط على الأسعار والحياة اليومية للأتراك، وذلك في الوقت الذي ستدخل فيه العقوبات الأوروبية والأمريكية المنتظرة حيز التنفيذ، ما يشرع المجال للتساؤل عن مدى قدرة أردوغان على الصمود في وجه هذه العواصف الكثيرة التي قامت في وجهه، والتي لعب فيها دوراً حاسماً ربما أكثر من العوامل الخارجية التي لم يكن قادراً على السيطرة عليها.