الثلاثاء 16 يوليو 2019 / 15:00

القنبلة النووية.. إيران تحترف التهديد

24 - إعداد - أحمد إسكندر

بعد عام واحد من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم عام 2015، ذكرت وكالات الأنباء الإيرانية أن طهران توقفت رسمياً عن الوفاء ببعض الالتزامات التي تعهدت بها بموجب "خطة العمل الشاملة المشتركة". وتم إبلاغ الأطراف المتبقية في هذه الخطة (الموقعون على الاتفاق النووي) بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي بالقرار.

الرسائل النووية الإيرانية غالباً ما تبدو بريئة ودوائر صنع السياسات في أمريكا وأوروبا يتمتعون بفهم محدود للقضايا التقنية الكامنة وراء هذه الرسائل

مثل هذه الإعلانات مثيرة للقلق بوجه خاص نظراً "للمناطق الرمادية" الكثيرة التي تكتنف نص "خطة العمل الشاملة المشتركة"، ويشكل الكثير منها أرضاً خصبة صالحة للاستغلال إذا حاولت إيران المضي قدماً في برنامجها النووي والضغط على دول أخرى.

تخصيب اليورانيوم

في 8 (أيار) مايو صرّح الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده تخطط للاحتفاظ بمخزوناتها من اليورانيوم الزائد والماء الثقيل رداً على العقوبات الأمريكية المفروضة على شحن هذه المواد، "وهي خطوة لا تنتهك الصفقة مباشرة ولكنها لا تتماشى مع الالتزام العام للنظام بإرسال هذه العناصر إلى الخارج".

وحذّر روحاني من أنه ما لم تقم الدول المتبقية في خطة العمل الشاملة المشتركة بحماية الاقتصاد الإيراني من العقوبات الأمريكية في غضون 60 يوماً، سيتم استئناف تخصيب اليورانيوم على مستوى أعلى وه ما حدث بالفعل.

خطة العمل الشاملة المشتركة تعتبر "وثيقة تقنية" والاستمرار في مراقبة أهم الأنشطة المحددة التي تحظرها أو تسمح بها قد يكون أمراً صعباً بالنسبة لغير الخبراء في هذا المجال.

بضعة أشهر
ولفت الكاتب فيليب غوردون في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، إلى أن النشاط النووي الأخير لإيران جاء في الوقت الذي تم فيه التوقيع على الاتفاق النووي، حيث كان يُعتقد أن بضعة أشهر فقط تفصل إيران عن تجميع ما يكفي من المواد الضرورية لصنع قنبلة نووية.

ومع دخول الاتفاق حيز التنفيذ، فإن المدة المطلوبة لهذا الغرض مددت لأكثر من سنة وانتهاك إيران للقيود المتعلقة بحجم مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب وبتعهدها الحد من التخصيب لا تغير بشكل جوهري هذه المدة، لكن مع مرور الوقت فإنه هذه الفترة تتقلص.

وحتى مع وجود ما يكفي من المواد لصنع قنبلة، يتعين على إيران إتقان التسلح النووي، وهي العملية المعقدة لتطوير القدرة على التفجير وتوصيل جهاز متفجر ويعتقد معظم الخبراء أن إيران علقت نشاطها المرتبط بهذه العملية منذ عقد من الزمن تقريباً.

ورأى الكاتب أن أهمية هذه الانتهاكات لا تكمن في أنها ستقرب إيران على الفور من القنبلة النووي، لكن من شأن تدمير الاتفاق كلياً أن يفتح الباب للوصول إلى ذلك.

قنبلة ذرية

القوى الدولية عبرت عن قلقها من أن إيران تسعى لإنتاج قنبلة ذرية حيث لا تتطلب إلا 25 كيلوغراماً من اليورانيوم العالي التخصيب أو 8 كيلوغرامات من البلوتونيوم ويتم تصنيع كل من اليورانيوم العالي التخصيب واليورانيوم المنخفض التخصيب باستخدام أجهزة الطرد المركزي، في حين أن البلوتونيوم هو نتاج ثانوي موجود في الوقود النووي المستهلك.

وأشار الكاتب في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ومدير برنامج "برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" سايمون أندرسون، أنه وفي وقت إبرام الاتفاق، قدّر المحللون أن إيران كانت على وشك امتلاك القدرة على إنتاج كمية كافية من اليورانيوم العالي التخصيب لصنع قنبلة واحدة في غضون بضعة أسابيع، والمعروفة باسم "زمن الاختراق". إلا أنّ الاتفاق غيّر هذه الحسابات من خلال الحدّ من كميات اليورانيوم التي يمكن تخصيبها ومستوى التخصيب ونوع أجهزة الطرد المركزي المستخدمة. وأي اجتياز إيراني لتلك الحدود، ولو كان خطابياً، ينبغي أن يشكّل مصدر قلق كبير.

ولفت أندرسون إلى ان النظام الإيراني تحجج من قبل أن مشروعه التطويري النووي سلمي بحت، وترى الولايات المتحدة أن طهران تتلاعب بمجموعة المهارات اللازمة لتطوير برنامج نووي سلمي لتداخلها إلى حد كبير مع ما هو مطلوب لتطوير برنامج عسكري ينتج الأسلحة النووية.

استراتيجية إيرانية
الملاحظ للاستراتيجية الإيرانية أخيراً يدرك أن النظام في طهران يعتزم إعادة بناء قدرته على صنع سلاح نووي وفي هذا الإطار، عمل وزير الخارجية محمد جواد ظريف على إذكاء نيران هذه التكهنات يوم 28 أبريل (نيسان) عندما قال: "إنّ خيارات الجمهورية الإسلامية متعددة وسلطات البلاد تنظر فيها...وإنّ الانسحاب من "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية" هو واحد منها".

وردد خامنئي في 14 مايو(أيار) تصريح روحاني عندما قال: "إنّ تحقيق التخصيب بنسبة 20% هو الجزء الأكثر صعوبة، أما الخطوات التالية فهي أكثر سهولة"، لافتاً النظر إلى معرفته بالفيزياء النووية، وتذكيره الغرب بشكل أساسي بالسرعة التي يمكن أن تنتج بها إيران المواد المستخدمة لصنع الأسلحة النووية إذا استأنفت التخصيب على نطاق واسع.

بواعث القلق

إيران تحتاج إلى شهور لإعادة بناء قدرتها السابقة على تخصيب اليورانيوم ومع ذلك، يشكّل التخصيب مصدر القلق الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة نظراً إلى قدرته على إعادة النظام إلى المسار المؤدي إلى تحقيق "الاختراق السريع" لمراحل إنتاج السلاح النووي.

كما أحرزت إيران تقدماً في تطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي يمكنها تخصيب اليورانيوم لمستويات أعلى وبكميات أكبر وتمثلت التحديات التقنية الرئيسية في تصميم أجهزة الطرد المركزي وزيادة سرعتها وارتفاعها مع تحاشي وقوع الأعطال. فالتغلب على هذه العقبات يرتبط باستخدام مواد البناء المناسبة "الصلب الخاص أو ألياف الكربون"، والقيام بتجارب وأخطاء هندسية هائلة، إلا إذا حصلت إيران على أسرار مسرّبة من شركات أجنبية متخصصة في هذا المجال.

والتحدي الرئيس بالنسبة لواشنطن هو أن الرسائل النووية الإيرانية غالباً ما تبدو بريئة بشكل معقول. والجمهور الأمريكي ربما حتى عناصر دوائر صنع السياسات يتمتعون بفهم محدود للقضايا التقنية الكامنة وراء مثل هذه الرسائل. وحتى الآن، يبدو أن طهران تحسب قدرتها على الفوز بالمعركة الترويجية أو الإعلانية، ما يسمح لها بالإفلات من الأعمال التقنية التي قد تضعها مرة أخرى على عتبة الدول التي تملك أسلحة نووية.