مقاتلون من داعش في سوريا.(أرشيف)
مقاتلون من داعش في سوريا.(أرشيف)
الأربعاء 17 يوليو 2019 / 14:23

استرضاء أردوغان في سوريا قد يكرر تجربة داعش

رأى الباحث البارز في معهد المشروع الأمريكي مايكل روبن أنّ الحديث العقيم عن مناطق آمنة وعازلة قد يبدو جيداً بالنسبة إلى وزارة الخارجية لكن سياسات الموفد الأمريكي إلى سوريا جيم جيفري ستشعل نيران التطرف وتُعرض الأكراد لمجزرة تذكّر بالمجزرة الصربية بحق مسلمي البوسنة في سيبرينيتشا منذ ربع قرن.

يجب أن يتراجع جيفري عن رؤيته للمنطقة الآمنة. لن تهدّئ الأخيرة تركيا بل ستشجع أردوغان على طلب المزيد

وكتب روبن في مؤسسة الرأي الأمريكية "ذا ناشونال إنترست" أنّه لِفهم السبب الذي يجعل سياسات جيفري السورية والكردية مدمرة إلى هذا الحد، من المهم فهم التاريخ السوري والتركي والكردي.

لماذا لا يثق السوريون الأكراد بالأسد؟
سنة 1982، طوق حافظ الأسد وسط حماه رابع أكبر مدينة في سوريا ودمره بعد عملية فاشلة لإلقاء القبض على متمرد سني. قتلت المجزرة 10 آلاف شخص على الرغم من أن الأسد أحب التباهي بأنّ العدد كان أعلى بكثير. لكن هذه كانت نصف القصة. لم يسعَ الأسد فقط إلى سحق الإخوان المسلمين. لقد عقد صفقة مع الشيطان عبر التعاون مع الإسلامويين السنّة. كانوا أحراراً بشن عمليات جهادية لكن لخدمته أو لأعمال خارج سوريا.

في مارس (آذار) أطلق الأسد الإسلامويين العرب مع البعثيين لسحق الهوية الكردية في شمال سوريا. بالتزامن، سمح بشار الأسد لسوريا بأن تصبح الطريق السريع الأساسي لدخول المقاتلين الأجانب إلى العراق لشن عمليات إرهابية ضد القوات الأمريكية والحكومة العراقية. في 2009، لم يكن أحد سوى رئيس الوزراء العراقي الطائفي الفاسد المقرب من إيران نوري المالكي من اتهم سوريا بتسهيل الإرهاب في العراق.

لماذا لا يثق السوريون الأكراد بتركيا؟
بعد اندلاع الحرب الأهلية، عزز السوريون الأكراد الإدارة في شمال شرق سوريا. استطاعت وحدات حماية الشعب المعزولة والمحاصرة من النظام السوري وتركيا وحتى من حكومة كردستان الإقليمية في العراق أن تهزم جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة بما يزيد قليلاً عن أسلحة تم شراؤها من السوق السوداء المحلية. حين زار روبين كردستان السورية في يناير (كانون الثاني) 2014، كان المركز الحدودي لا يزال متفحماً بسبب القتال فيما وثائق للإسلامويين ولحقبة الأسد كانت متبعثرة في الطابق السفلي.

مع ذلك، تحالف الأكراد والمسيحيون واليزيديون والعرب في المنطقة لتشكيل حكومة محلية. لم تكن الحكومة مثالية لكنها كانت متسامحة وآمنة. ذهبت الفتيات إلى المدرسة بدون خوف من التعرض للتحرش الجنسي وكانت الخدمات البلدية منتظمة والأسواق تعج بالزبائن. وأعيد توطين العرب النازحين من أماكن سورية أخرى في المنطقة تحت الإدارة الكردية. كان ذلك البداية فقط.

خسارة جيل بسبب تصرفات تركيا
خلال الأسبوع الماضي، عاد روبن إلى المنطقة لزيارة القامشلي الذي يقع جزء منها تحت سيطرة الأسد إضافة إلى عامودا والرقة. لقد زار أيضاً كوباني حيث تمكن الأكراد من كسر حصار لستة أشهر بدأ في سبتمبر (أيلول) 2014. تحدث عصمت شيخ حسن وهو قائد كردي لازم المدينة مع أولاده للدفاع عنها عن تضحيات الأكراد مع قيام تركيا بتموين وتأمين ممر آمن أحياناً لداعش عبر الحدود. المدفن القريب شاهد على التضحية.

تزين الصور أولئك الذين سقطوا دفاعاً عن المدينة حيث يرقد العرب والأكراد والمسيحيون بالقرب من بعضهم البعض. تُبرز الخسائر الهائلة للأكراد خصوصاً الشباب ما بين 18 و20 عاماً شعوراً بخسارة جيل كان يمكن تفاديها لولا تصرفات تركيا وتعزز أهمية شعور الذين نجوا بصيانة تضحيات من فقدوهم من أحبائهم.

لتجاهل المزاعم التركية

لم تكن كوباني المعركة الوحيدة لكنها غيرت مسار الحرب. خلال الوقت الذي زار فيه روبن المنطقة للمرة الأولى، كان الديبلوماسيون الأمريكيون يرفضون التحدث إلى السوريين الأكراد بدافع احترام الشراكة الأمريكية التركية. لكن واقع الدعم التركي الساكن أو حتى النشط لداعش ومجموعات متطرفة أخرى في سوريا أقنع واشنطن بأنّ الانتصار على داعش تطلب التعاون مع الميليشيات الكردية بغض النظر عن مزاعم تركيا حول أنها تملك روابط إرهابية.

دعا روبن إلى تجاهل هذه المزاعم. صحيح أن هنالك صلات بين حزب العمال ووحدات حماية الشعب لكن لا دليل على أنّ الأخيرة هي إرهابية. تصنف تركيا حزب العمال الذي شن حركات تمردية ضد الجيش التركي على أنه إرهابي. لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعطى عبدالله أوجلان الشرعية سنة 2012 حين أطلق مفاوضات سرية وجعله زعيماً أساسياً للأكراد. اليوم، أوجلان هو فيلسوف سياسي وداعي مصالحة أكثر من كونه ماركسياً وإرهابياً من الحرب الباردة. غالباً ما يقارنه الأكراد بنيلسون مانديلا.

حماقة
يستخدم أردوغان التعاون الأمريكي الكردي لإذكاء نيران معاداة أمريكا في تركيا ويحث بعض مسؤولي وزارة الخارجية، انطلاقاً من عملهم في تركيا أو زواجهم من تركيات في بعض الحالات، على استرضاء أردوغان. يجادل البعض بأنّ الرئيس التركي يتفاوض بناء على كل ملف على حدة وأنّ لقاءه في منتصف الطريق يعد حكمة للفوز بتنازلات أخرى. ويعترف آخرون بأجندة أردوغان الآيديولوجية لكنّهم يقترحون بأنّ تركيا شريك أهم من أن يتم تهميشه. ويكتب روبن أنه سيكون من الحماقة افتراض أنّ الستاتيكو سيكون فعالاً مع أردوغان لأنّ ذلك سيتطلب تجاهل 16 سنة الأردوغانية على كل مستويات المجتمع، كالتعليم والبيئة الإعلامية والجيش.

عفرين.. قبرص شمالية جديدة
إنّ تحليلاً أكثر واقعية يظهر خطر الاسترضاء. في منطقة عفرين، شكل الأكراد أغلبية السكان طوال قرون. بعد هزيمة المتطرفين، أدار السوريون الأكراد المنطقة بسلمية. وكان تأمين الحدود التركية مكسباً استراتيجياً. لكن إدارة ترامب الحريصة على استرضاء تركيا ومنع أردوغان من استغلال عذر لقطع العلاقات الديبلوماسية أعطت الضوء الأخضر للهجوم العسكري. طهرت القوات التركية بشكل منهجي المنطقة من الأكراد والإرث الكردي.

دمرت المقاتلات التركية قبر القديس مارون وكنيسة يوليانوس التي تعود إلى القرن الرابع عشر، وهي موقع تراثي مصنف من يونيسكو، وفقاً لما قاله المدير العام للمتاحف والآثار في سوريا محمود حمود. وأشارت تقارير إلى أنّ الأتراك جرفوا المقابر كما أسقطت القوات التركية تمثال كاوا الحداد وهو بطل كردي أسطوري. هذا التدمير الممنهج جريمة حرب.

وطنت القوات التركية العرب في البيوت الكردية لتغيير التوازن الديموغرافي والثقافة المحلية في المنطقة. ورحبت بالمجموعات المتطرفة بما فيها القاعدة. بذلك، جعل الأتراك من عفرين المركز الإرهابي نفسه الذين قالوا إنهم يريدون تفاديه. أصدر الأتراك بطاقات هوية محلية جديدة ووضعوا العلم التركي بجانب العلم السوري. وبينما يستخدم الأكراد الليرة السورية وجوازات السفر السورية، حولت تركيا عفرين إلى قبرص شمالية جديدة مهيئين الأرضية لاحتلال إمبريالي ودائم.

كتعزيز القاعدة لمحاربة داعش
تهدد المنطقة الآمنة الأمن الأمريكي حيث من غير المرجح أن تنجح منطقة جيفري على الجانب السوري. رفضت السلطات الكردية مقترحات لاستخدام قوات تركية لأنها ستكون مساوية لتمكين القاعدة من أجل محاربة داعش. يقترح جيفري ووزارة الخارجية قيام قوات دولية بتأسيس هذه المنطقة في سوريا. لن يكون الأمر عبارة عن مشروع مكلف وحسب بل قد يعرض الأكراد للقتل بالنظر إلى قلة احتمالات أن يكون جنود حفظ السلام راغبين بالدفاع عنهم من مذبحة القوات التركية أو وكلائها المتطرفين، كما حصل في سيبرينيتشا.
 
يذكر روبن أنه زار كردستان العراق منذ حوالي عشرين سنة. اليوم يسافر آلاف الأمريكيين والأتراك وغيرهم إلى مطارات المدن البارزة في إربيل والسليمانية. في ذلك الوقت، حاصرت تركيا إلى حد كبير حكومة كردستان ورفضت الاعتراف بها. حالياً، تشكل تركيا أكبر شريك تجاري لكردستان العراق وهي تبني مطاراتها.
كانت إدارتا كلينتون وبوش حكيمتين بالوقوف في وجه غضب تركيا بدلاً من تهدئتها. كانت سياسة جيفري الاسترضائية لتجسد سياسة سيئة للغاية حينذاك. اليوم هي سياسة أكثر سوءاً، بما أن تركيا قبل أردوغان كانت حليفاً لم يدعم التطرف السني، لكن تركيا ما بعد وصول أردوغان ليست حليفاً وهي تدعم هذا التطرف.

لا لاسترضاء من لا يُسترضى.. ما الحل؟

يجب أن يتراجع جيفري عن رؤيته للمنطقة الآمنة. لن تهدّئ الأخيرة تركيا بل ستشجع أردوغان على طلب المزيد. ستكمن سياسة أكثر حكمة في أن تدعم واشنطن إدارة كردية في شمال شرق سوريا كما إقامة نظام فيديرالي لمستقبل البلاد. يجب أن تستثمر الولايات المتحدة مباشرة في المنطقة وتساعد في إعادة إعمارها لتأمين وظائف للأمريكيين وإقامة منطقة من التأثير والتسامح. عوضاً عن التعامل مع الأكراد السوريين كعدو في محاولة مضللة لاسترضاء من لا يُسترضى، على واشنطن تشجيع أنقرة على التعامل معهم كسوق. ترامب عند مفترق طرق في سوريا. هو يقول إنه هزم داعش في سوريا لكنه يبدو قريباً من اتباع سياسة قد تعزز تكراره.