تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الخميس 18 يوليو 2019 / 20:09

السؤال الصحيح

لعل أحد أسباب أزمتنا في تعاملنا مع الحقائق والمعتقدات الأخرى هو أننا لا نطرح الأسئلة الصحيحة، فتكون نتيجة أسئلتنا أجوبة تحمل نصف الحقيقة

أراد الملك المصري "بسماتيك الأول" معرفة أول لغة في العالم ليثبت أنه يمثل أعرق وأقدم شعب في العالم، فخطرت له فكرة عجيبة، وهي وضع طفلين حديثي الولادة في مكان لا يسمعان فيه أي حديثٍ على الإطلاق، ثم ينتظر نطق الطفلين للغة الفطرة الأولى.

اقتصت التجربة وضع الطفلين في عُهدة أحد الرعاة ليقوم بإطعامهما حليب الماعز ورعايتهما، وكان الجزء الأهم من التجربة هو فرض حجر صوتي على الطفلين حتى لا تتلوث عندهما اللغة بمفردات أخرى.

بلغ الطفلان الثانية من العمر، وفي يوم من الأيام هرعوا إلى الراعي وهما يصيحان "بيكوس" becos، سمع الملك بالأمر، فاستشار معاونيه الذين أجروا تحقيقاً في الحادثة ليتوصلوا إلى كون بيكوس كلمة "فريجية" -يُتحدث بها في بعض أجزاء آسيا القديمة- تعني الخبز، خاب أمل الملك وأغلق باب البحث في الموضوع. اليوم نعلم أن استنتاج الملك وحاشيته كان مشوهاً، فالطفل لا يكتسب لغة ما ما لم يسمع أحداً غيره يتحدث بها، فربما سمع الطفلان كلمة بيكوس من الماعز أو ربما تكون الكلمة وسيلة لاستجماع صوتيهما عند الشجار.

هذه القصة مثال جيد على سلبيات البحث المُوجه، فتجربة الطفلين أريد منها إثبات فكرة مُسبقة وليس إثبات حقيقة عمياء، ومن يريد أن يختبر فكرة من أجل تأكيدها فلا يُتعب نفسه ويضيع وقته ووقت غيره لأن نتيجة بحثه -مهما كانت- ستشوبها شبهة التحيز، فإذا ما جاءت نتيجة تجربته بخلاف توقعاته فإن نفسه قد تُسول له ترميم التجربة وطمس النتائج الحقيقية بسبب كونها نتائج سلبية وغير مهمة ولا تستحق أن تُذكر.

لعل أحد أسباب أزمتنا في تعاملنا مع الحقائق والمعتقدات الأخرى هو أننا لا نطرح الأسئلة الصحيحة، فتكون نتيجة أسئلتنا أجوبة تحمل نصف الحقيقة، فطرح سؤال (ما هي أول لغة تحدث بها الإنسان في العالم؟) يختلف جذرياً عن طرح سؤال (هل يستطيع حديثو الولادة إثبات أن لغتنا هي الأولى في العالم؟).