إنفوغراف 24
إنفوغراف 24
الخميس 18 يوليو 2019 / 15:15

تأثير العقوبات على اقتصاد تركيا.. كارثي

24 - إعداد: ريتا دبابنه وناصر بخيت

أعلنت الولايات المتحدة أمس الأربعاء رسمياً، إنهاء مشاركة تركيا في برنامج طائرات إف 35 المقاتلة بحلول مارس (آذار) المقبل، في خطوة تؤكد عزم واشنطن فرض عقوبات على أنقرة بموجب قانون مكافحة خصوم أمريكا، بعد أن تسلمت الأخيرة الأجزاء الأولى من صفقة صواريخ إس 400 الروسية، ما يشكل ملامح حرب باردة جديدة بالمنطقة.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية حذرت خلال الفترة الماضية من عواقب وخيمة قد تطال تركيا، بسبب الصفقة الروسية التي تعتبرها واشنطن عملية معادية لأمنها القومي، لما يترتب عليها من تداعيات استخباراتية أمنية مع روسيا.

عقوبات قاسية
وفق تقرير لوكالة "بلومبرغ" الأمريكية، فإن وزارتي الخارجية والدفاع، تدعمان فكرة سن أشد العقوبات على تركيا، التي قد تشمل عزل أنقرة عن النظام المالي الأمريكي، وهو ما قد يترتب عليه تداعيات مؤلمة على الاقتصاد التركي الهش.

تعاني تركيا من انهيار اقتصادي كبير، تأثراً بالعقوبات الأمريكية التي فرضت عليها منذ أغسطس (آب) الماضي، إثر قضية اعتقال السلطات التركية القس الأمريكي أندرو برانسون بتهم تتعلق بالتجسس.


وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية حينها في بيان فرض عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين، لدورهما في اعتقال واحتجاز القس، قائلة إن هذان المسؤولان يقودان منظمات تابعة للحكومة التركية، وهي مسؤولة عن انتهاكات تركيا الصريحة لحقوق الإنسان.

استهداف الاقتصاد
وشملت العقوبات بشكل دقيق مصادرة أصول المستهدفين داخل الولايات المتحدة، وحظر دخولهم البلاد، ومنعهم من الانخراط في أعمال تجارية مع كيانات أو شركات أمريكية، بموجب قانون "ماجنيتسكي" لعام 2016.

ومنذ ذلك الحين، تعاني تركيا من انهيار اقتصادي كبير طال الليرة التي شهدت هبوطاً حاداً بنسبة 20 % جراء الخطوة الأمريكية، والتي فعلياً كانت تعاني منذ يناير (كانون الثاني) العام الماضي هبوطاً بقيمتها لأكثر من 34% أمام الدولار، الأمر الذي يدفع أسعار السلع اليومية نحو الارتفاع.


انهيار الليرة
وفي ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة، كشفت بيانات وزارة المالية التركية الثلاثاء، أن الميزانية سجلت عجزاً بقيمة 12.05 مليار ليرة (2.11 مليار دولار) في يونيو (حزيران) المنصرم.

وتوقعت الحكومة بحسب المستجدات والأرقام القائمة، عجزاً يقدر بـ 80.6 مليار ليرة في نهاية 2019، بعد أن سجلت الميزانية عجزاً بلغ 78.58 مليار ليرة في الأشهر الستة الأولى من العام مقارنة مع 46.1 مليار ليرة في نفس الفترة من 2018، وفق ما أورد موقع "أحوال تركية".


ارتفاع الديون
من جهة أخرى، كشفت تقارير صحافية أن ديون تركيا الخارجية، خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط، وهي التفرة التي تعرضت فيها أنقرة لأقسى العقوبات، ارتفعت إلى 40 مليار دولار، لتتخطى بذلك 453 مليار، وهو الأمر الذي توقع خبراء اقتصاديون أن يزداد في حال قررت واشنطن سن عقوبات جديدة، حيث لن يعد أمام حكومة أردوغان سوى الاستمرار في الاقتراض.

وبحسب بيانات حصلت عليها صحيفة فاينانشيال تايمز مؤخراً، فإن العجز النقدي في الخزانة بلغ 78 مليار ليرة في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، فيما سجل الرصيد النقدي، خلاف الفوائد، عجزاً قدره 30 مليار ليرة في الأشهر الستة الأولى لهذا العام، ما اضطر البنك المركزي التركي، إلى تحويل أجزاء من أموال الاحتياطي لديه إلى الخزانة.


تحديات جمّة
وإلى جانب ذلك، يواجه الاقتصاد التركي العديد من التحديات الأخرى التي ما تزال تتفاقم في ظل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد ليس فقد مع الولايات المتحدة، بل أيضاً مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث أقر الاتحاد الأوروبي، الإثنين، إجراءات عقابية بحق تركيا رداً على استمرار عملياتها الاستفزازية في تنقيبها عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخاصة بقبرص.

ومن بين العقوبات التي ستتخذها أوروبا، تعليق المفاوضات حول اتفاقية الطيران مع أنقرة، وخفض المساعدات المالية الأوروبية لتركيا، ودعوة بنك الاستثمار الأوروبي لمراجعة عمليات إقراضه لأنقرة، ما سيشكل ضربة مزدوجة للاقتصاد التركي قد تؤدي إلى انهياره بالكامل.


أزمة اللاجئين
وعلى صعيد آخر، تواجه تركيا أزمة أخرى بشأن اللاجئين السوريين الذين فروا بالملايين إلى حدودها منذ بدء الحرب الأهلية في بلادهم، حيث بدا الرئيس التركي متوجساً حيال بقائهم على أراضيه في الوقت الذي يعاني فيه اقتصاد بلاده المتعثر أزمة خانقة، ففي حين ذكرت تقارير إخبارية أخيراً ترحيل لاجئين سوريين إلى دمشق، أعلن أردوغان أن بلاده ستتخذ ثلاث خطوات جديدة تجاه اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، منها إنهاء تطبيق برنامج "الرعاية الصحية المجاني" المقدم لهم في المستشفيات التركية.

وبالطبع، يقول خبراء أن الخطوات التي يقوم بها الرئيس التركي في الفترة الأخيرة تجاه اللاجئين السوريين تأتي بسبب مخاوف من انقطاع المساعدات الدولية وبالأخ الأوروبية لبلاده، في ظل استمرار الأزمة بين انقرة والغرب. 


هروب المستثمرين
وعودة إلى تداعيات العقوبات، فقد أصبح هروب المستثمرين من تركيا، أمراً شائعاً خلال الفترة الأخيرة، حيث كشفت صحيفة هاندلس بلات الألمانية، الجمعة الماضية، أن تأثير العقوبات الأمريكية المنتظرة على أنقرة ستدفع 7 آلاف شركة ألمانية للانسحاب بكثافة من السوق التركي، ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى خسائر مدوية، لأنه وفقاً للصحيفة، تملك تلك الشركات رأسمالاً في تركيا يبلغ 10 مليارات يورو، فيما توظف 130 ألف شخص، وتحقق أرباحاً سنوية تصل إلى 31 مليار يورو.

وكانت محطة "خبر ترك" نقلت عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قوله الثلاثاء، إن تركيا ستجري خفضاً حاداً في أسعار الفائدة، وذلك بعد أسبوع من قراره عزل محافظ البنك المركزي، مراد جتينكايا، بعد شائعات في الأوساط الاقتصادية تحدثت عن خلافات بين الأخير والحكومة حول ضرورة خفض معدلات الفائدة.


أزمة البنك المركزي
ووفقاً لوكالة رويترز، فإن سعر الفائدة الأساسي في تركيا قفز إلى 24% في سبتمبر (أيلول) لوقف الهبوط الحاد في قيمة الليرة، ومنذ ذلك الحين، أبقى البنك المركزي على الفائدة دون تغيير، مع انزلاق الاقتصاد إلى الركود، للحيلولة دون خسائر جديدة.

ويتوقع خبراء اقتصاديون، أن محافظ البنك المركزي الجديد، مراد أويسال، سيقوم بخفض الفائدة 200 نقطة أساس في الاجتماع التالي لتحديد الفائدة في 25 يوليو (تموز) الجاري.


تفاقم البطالة
ولم تؤثر العقوبات على الليرة التركية فحسب، بل أيضاً واجت أنقرة ارتفاعاً في نسب البطالة والفقر والتضخم والبنزين وحتى مجال صناعة السيارات الذي يعد ركناً مهماً في الاقتصاد التركي، وفق أحدث الإحصاءات.

نشرت وكالة الأناضول التركية الرسمية بيانات الثلاثاء، تكشف أن ارتفاعاً في نسبة البطالة التي سجلت 13% في أبريل (نيسان) الماضي، فيما ارتفعت 3.3% على أساس سنوي.


وأوردت البيانات ارتفاع عدد العاطلين عن العمل بـ1.1% مليون شخص على أساس سنوي، ووصل إلى 4.2 مليون شخص في أبريل (نيسان) الماضي، فيما ارتفع معدل التضخم إلى نحو 20%.

قطاع السيارات
من جهته، أكد اتحاد مُصنعي السيارات في تركيا أن إنتاج القطاع في البلاد انخفض 13% على أساس سنوي في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري إلى 735 ألفاً و62 سيارة، وتراجع إجمالي الصادرات في قطاع السيارات ثمانية بالمئة في نفس الفترة ليبلغ 634 ألفا و768 سيارة، مع انكماش صادرات سيارات الركوب تسعة بالمئة، وفق بيان صحافية نشر في موقع "أحوال تركية".

وبالتزامن، ذكرت نقابة أصحاب محطات التزود بالطاقة والبترول والغاز التركية في بيان أمس الأربعاء، أن زيادة جديدة في أسعار المحروقات ستتم بنسبة 11 قرشاً على سعر لتر البنزين، و15 قرشاً على سعر لتر السولار".


قطاع العقارات
وإلى جانب قطاع صناعة السيارات، شهد قطاع مبيعات الوحدات السكنية، الذي كان يعد محرك النمو الاقتصادي في فترة ما، أيضاً هبوطاً حاداً، حيث ذكر المعهد التركي للإحصاء، في تقرير أمس الأربعاء، ونشره موقع "أكتيف هبر" التركي، أن مبيعات العقارات تراجعت خلال شهر يونيو (حزيران) بنسبة 48% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وسط أكبر انكماش في التوظيف بقطاع الإنشاءات.

قطاع العقارات في تركيا، لم يتأثر من العقوبات وتداعياتها فحسب، بل أيضاً بسبب سياسات أردوغان الخارجية الاستفزازية، ففي الوقت الذي تأججت فيه الأزمة بين أنقرة والرياض على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول، عملت أذرع أردوغان على تشويه سمعة المملكة والنيل منها، الأمر الذي دفع دول الخليج وعلى رأسها السعودية التي كانت تحتل المرتبة الأولى في الاستثمار بالعقارات في تركيا، إلى الانسحاب تدريجياً حيث تراجع شراء السعوديين للعقارات في تركيا بنسبة 37% منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، وفق وكالة "بلومبرغ".


قطاع السياحة
وفي سياق متصل، طالت تداعيات العقوبات وما تلاها من أزمات شهدتها أنقرة في الفترة الأخيرة قطاع السياحة أيضاً، حيث ذكرت وزارة السياحة التركية مؤخراً، وفق وكالة "فرانس برس"، أن عدد الزوار الذين يتدفقون إلى تركيا من السعودية شهد خلال الأشهر الـ5 الأولى من 2019 هبوطاً حاداً بلغ نقطة 30% مقارنة بالفترة ذاتها في 2018.

ويبدو أن ذلك قد أثر بالفعل على نسبة السياحة العالمية إلى تركيا، حيث أظهرت مؤشرات صادرة عن وزارة السياحة التركية تراجع عدد السياح بـ 8.12% في مارس (آذار) الماضي، مقارنة مع مارس(آذار) 2018، وهو ما يؤكد تعرض السياحة التي توفر 32 مليار دولار سنوياً للدولة حسب آخر إحصائية رسمية إلى "ضربة مدوية"، كما ذكرت صحيفة "زمان" التركية في تقرير نشر في أبريل (نيسان) الماضي.


شلل الاقتصاد
وبالرغم من تلك الإحصاءات، رفعت وزارة الثقافة والسياحة التركية، الإثنين الماضي، أسعار تذاكر المتاحف بنحو 20% حيث سترفع هذه الزيادة ثمن تذكرة آيا صوفيا وقصر طوب قابي إلى 72 ليرة، وفق ما أوردت مواقع تركية إخبارية.

ويبدو أن الرئيس التركي لا يزال متمسكاً بتعنته الشديد إزاء الأزمات التي أقحم بلاده فيها سواء مع الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي أو حتى مع دول الجوار، في الوقت الذي توقع فيه خبراء اقتصاديون أن أي خطوة جديدة من الممكن أن تشل الاقتصاد التركي الذي يواجه ركوداً مزدوجاً في الوقت الحالي.