غضب في مخيم فلسطيني في لبنان.(أرشيف)
غضب في مخيم فلسطيني في لبنان.(أرشيف)
الخميس 18 يوليو 2019 / 18:40

لبنان.. مسؤولية الثقافة!

القانون الجديد الذي "صدح" به وزير العمل اللبناني المحامي "كميل سليمان" هو تحويل هذا "البؤس" الأخلاقي إلى قانون ليس أكثر

لا يمكن فصل تصريحات وتغريدات وزير الخارجية اللبناني "جبران باسيل" عن القوانين التي أعلن عنها زميله وزير العمل "كميل أبو سليمان" والتي تعتبر الوجود الفلسطيني في لبنان وجوداً أجنبياً، أقصد سلسلة التغريدات والمواقف المعلنة التي تحولت إلى كوميديا سوداء حول "الجينات" الخاصة التي يتمتع بها أولئك الذين يعيشون داخل خطوط "سايكس بيكو"، والتي اعتمدها الانتداب الفرنسي كحدود للدولة اللبنانية.

كان ذلك الخط الانتدابي هو الحد الفاصل الذي اعتمده صهر رئيس جمهورية لبنان ورئيس التيار الوطني الحر ووزير خارجية لبنان، الذي بدأ مبكراً تسويق نفسه كرئيس للجمهورية، الذي يحدد المحمية الخاصة بحاملي جينات العرق اللبناني.

وهو خط مرن جرى تحريكه في أكثر من اتجاه خلال القرن الماضي، فقد أحاط ببلاد الشام وسوريا الكبرى خلال صعود المدّ القومي السوري على يد أنطون سعادة، وارتبط برافعة ثقافية وفكرية أثثت المكتبة العربية وقدمت قراءات هامة للمشهد الثقافي تأسست على الميثولوجيا السورية، كان سعادة الزعيم الذي اكتسب قوته من فكرته وقدرته على ترويجها الرافعة الرئيسية للفكرة السورية، في حين حرك "بيار الجميل" الخط بقوة إلى الداخل، إلى الدرجة التي يمكنه أن يرى من نافذته في "بكفيا" العائلة وهي راسخة في الثالوث المقدس الذي اعتمده كشعار لحزبه، هناك، كما يحدث دائماً، اقتراحات أخرى أقل أهمية وأكثر تطرفاً نمت حول الاقتراحين الكبيرين، اقتراحات بلاغية هوجاء ومشوشة وصلت في تطرفها إلى التحالف مع العنصرية الصهيونية التي تمركزت في جنوب خط الجينات هذا.

"جبران باسيل" هو الكوميديا المتأخرة البائسة لكل هذا والتي تعتقد أنها تراجيديا.

يتحرك جبران في ثلاث دوائر متراصفة حاملاً على كتفه ثلاث إيديولوجيات، فهو "عروبي" غيور في دائرة، و"ممانع" متحمس في الدائرة الثانية و"لبناني" صلب في مواجهة بقية الأعراق الأقل صفاء التي أخرجها خط الانتداب من جنة الجينات اللبنانية في الدائرة الأضيق.

هذه الحركة بين الدوائر الثلاث، هي ما يفسر التبرير البائس للقانون الذي يضيق حياة الفلسطينيين الضيقة في لبنان ويدفعهم للهجرة كوسيلة لمواجهة "صفقة القرن"!.

اعتبار العمالة الفلسطينية عمالة أجنبية في لبنان لا يمكن فصله عن هذه الموجة العنصرية المتدحرجة في "بلاد الأرز" والتي يعبر عنها جبران بـ"بسالة" لافتة، عنصرية تتغذى بقوة على فشل كل شيء تقريباً؛ السياسات الاقتصادية، ووصول فساد النخب السياسية الى مستويات قياسية، وتهالك نظام الدولة بعد أن جرى تفريغه من مضمونه في السياسة والأمن والاقتصاد والتربية والخدمات، وبعد أن انفصل تماماً عن البنية الثقافية العريقة التي تمثلها شريحة واسعة من اللبنانيين الناشطين في الحقل الثقافي محلياً وعالمياً.

المجاميع من الفقراء الغارقين في البطالة والإحباط وانهيار الأحلام ممن يواصل "النظام"، بمختلف مكوناته، دفعهم الى اليأس والخوف، هم من يخاطبهم باسيل، وهم الحاضنة النموذجية لأفكاره وقوانين "سليمان"، عبر توجيه غضبهم نحو "الوافدين" الجدد والقدامى، فلسطينيين وسوريين، بدل توجيه هذا الغضب نحو فساد "النظام" نفسه من جهة، ومن خلال زراعة وهم "التميز" وخصوصية "العرق" من جهة ثانية.

الإشارات كانت كثيرة وفي كل مكان تقريباً، من الاشارة الأم المتمثلة في قائمة المهن الممنوعة على الفلسطينيين والتي تجاوزت الـ(60) مهنة، إلى الإشارات الأصغر ذات الدلالة العميقة على "عنصرية" واضعي هذه السياسة ومروجيها مثل حرمان الفلسطينيات من فحص "سرطان الثدي" في المشافي الحكومية.

إننا نتحدث عن سياسة ترحيل وإبعاد أيضاً، حيث تصاعدت الهجرة نحو أوروبا في أوساط "فلسطينيي" لبنان لتشمل ما يقارب ثلثي العدد الإجمالي للاجئين في المخيمات الفلسطينية، الإحصائيات الأخيرة تتحدث عن رقم 150 إلى 170 ألفاً، بينما كان العدد يترواح بين 350 إلى 400 ألفاً.

القانون الجديد الذي "صدح" به وزير العمل اللبناني المحامي "كميل سليمان" هو تحويل هذا "البؤس" الأخلاقي إلى قانون ليس أكثر.

الجديد هنا هو ردة الفعل على القانون سواء داخل لبنان الممثل بمؤسسات مدنية في الغالب وشريحة واسعة من المثقفين اللبنانيين، أو الحراك الفلسطيني الشعبي بطابعه السلمي وشقه السياسي، ما يستدعي فتح ملف حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كاملاً.

هذه مسؤولية وطنية تتحملها منظمة التحرير الفلسطينية وبنفس الدرجة القوى والمؤسسات المجتمعية والثقافية اللبناية.
المواجهة في نواتها وقبل أن تكون سياسية مواجهة ثقافية.