(أرشيف)
(أرشيف)
الجمعة 19 يوليو 2019 / 14:49

هل بدأت المعركة الكبرى في إدلب؟

24. إعداد: شادية سرحان

فيما يبدو أن طبول الحرب قرعت في محافظة إدلب السورية، معلنة عن بدء المعركة الكبرى في آخر جيوب المعارضة في الشمال السوري والتي قد تكون الأخيرة في الحرب السورية، حيث يسعى نظام الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه من الروس والإيرانيين لإنهاء معركة إدلب، وسط ترجيحات باحتمال تكرار سيناريو حلب في 2016.

ويرى خبراء ومحللون سياسيون في الشأن السوري، أن معركة إدلب تختلف عن كل ما سبقها من معارك في سوريا، لأنها قد تضع تركيا وروسيا وإيران في مواجهات مباشرة، فيما ينتهز نظام الأسد الفرصة لاستعادة ما فقد من أرض وأصبحت خارج سيطرته.

الملاذ الأخير
وبعدما استعادت قوات الحكومة السورية معظم المناطق التي فقدها أمام فصائل المعارضة المسلحة في 2011، كان يرحّل، في نهاية كل معركة، الذين يرفضون المصالحة مع الحكومة نحو إدلب، التي أصبحت آخر معاقل معارضي النظام في حرب السنوات الثماني، و"المرتع الأخير للإرهابيين"، من وجهة نظر روسيا وإيران.

وفي كل معركة، كانت إدلب الملاذ للنازحين والملجأ الأخير لأعداء النظام، ويعيش في إدلب أكثر من 4 ملايين نسمة، أكثر من نصفهم نازحون من مناطق أخرى، فيما يبقى مئات الآلاف عالقين على الحدود مع تركيا بالقرب من بلدة أطمة.

ومن ذلك، يعتبر الكثير من المحليين، أن هجوم الأسد على إدلب، مدعوماً القوات الجوية الروسية، مسألة وقت فحسب، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

وبحسب تقارير إعلامية، فإن الأسد مصمم على استعادة السيطرة على جميع سوريا، ليحرز الانتصار بعد سنوات من الحرب الأهلية، كما أن حليفته موسكو تشعر بالقلق من إيجاد المقاتلين الأجانب القادمين من البلدان المجاورة لها في آسيا الوسطى، موطئ قدم لهم في إدلب.



ساحة المعركة

وأطلقت قوات الحكومة السورية وحلفاؤها في 25 أبريل (نيسان) 2019، حملة عسكرية واسعة على مناطق سيطرة المعارضة بمنطقة خفض التصعيد.

وكانت محافظة إدلب ومحيطها شهدا هدوءاً نسبياً بعد توقيع اتفاق روسي تركي في سبتمبر (أيلول) 2018، نصّ على اقامة منطقة منزوعة السلاح بين القوات الحكومية والفصائل، لم يُستكمل تنفيذه.

ويتركز أغلب القصف في الجزء الجنوبي من أراضي المعارضة بما في ذلك المنطقة منزوعة السلاح، ورغم أن حجم الهجوم ليس واضحاً بشكل كامل حتى الآن.

وتعتقد مصادر في المعارضة السورية أن "هدف الحكومة هو السيطرة على طريقين رئيسيين يؤديان إلى حلب يمتدان جنوباً من مدينة إدلب عبر مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة".

وسبق أن اتفقت روسيا وتركيا ضمن اتفاق سوتشي على أن يظل الطريقان مفتوحين، ومن دوافع روسيا في الشمال الغربي تأمين قاعدتها الجوية في اللاذقية من هجمات المعارضة.

وبشأن الاتفاق بين روسيا وتركيا حول خفض التصعيد لم يعلن أي طرف في الأزمة السورية انتهاء فاعلية الاتفاق وإيجاد حلول غير دموية في الشمال السوري، لكن ما يحدث على الأرض تحول إلى مستنقع دماء.



المثلث التركي الروسي الإيراني
ولا تعني المعركة في إدلب فقط من يحاربون على الأرض، فهناك أطراف دولية تشعل المواجهة، فالطرف الأول، هو روسيا التي تدعم الجيش السوري، وقد يكون هذا سببا كافيا لإطالة أمد حسم المعركة، لصالح القوات الحكومية، كما كان السيناريو في معارك سابقة، وفقاً لتقارير إعلامية.

ومع أن موسكو ألقت ظلالاً من الشك على مدى الحاجة إلى شنّ هجوم عسكري كبير في إدلب، لم يمنعها ذلك من القيام، إلى جانب القوات التابعة للنظام، بقصف البنى التحتية المحصنة واستخدام الأسلحة المحظورة دولياً، بما في ذلك الذخائر العنقودية، ما يشي بعدم اكتراثهما الواضح بحياة المدنيين.

ويركز الجيش السوري هجماته على أطراف مركز محافظة إدلب، في سعي لإعادة فتح الطرق السريعة الرئيسية التي تمر في مناطق الفصائل المسلحة، غير أن هذه الاستراتيجية، وبسبب الدعم التركي للمسلحين، لم تؤت ثمارها، بحسب مراقبين.

أما تركيا، فالمحافظة الواقعة شمال غرب سوريا تعتبر مركز النفوذ الرئيسي لأنقرة، وبالتالي خسارتها ستعني نهاية طموحات أنقرة في السيطرة على شمال سوريا، وانتكاسة كبرى في مساعيها إلى ضرب الأكراد الذين تعتبرهم تهديداً وجودياً.

وخلال الفترة الماضية، سعت أنقرة إلى إيجاد حل مع روسيا يضمن استمرار سيطرتها على المحافظة، بيد أن موسكو أظهرت إصراراً على أنه لا مجال للتراجع عن خطط استعادة دمشق لتلك المنطقة الاستراتيجية وطرد الجماعات المسلحة منها، بعد مماطلة تركيا في الإيفاء بالتزاماتها حيال اتفاق خفض التصعيد.

ويقول خبراء عسكريون إن "تركيا وعبر تصعيد الجماعات المسلحة تحاول تحسين شروط التفاوض مع الجانب الروسي"، مستبعدين أن تقبل روسيا ذلك، حيث أن روسيا تريد تسريع عودة تلك المنطقة التي تعد المعقل الرئيسي الوحيد المتبقي تحت سيطرة معارضي نتك الأسد، لتهيئة المجال لتسوية الأزمة السورية".

والواضح أن روسيا وتركيا تضطلعان بدور أساسي في تقرير مصير إدلب، لذا، طالما أن روسيا تغطّي انتهاكات الحكومة، وتركيا تواصل إغلاق حدودها في وجه الفارين من الصراع، يتوقّع الخبراء أن يتكبّد المدنيون المحاصرون في إدلب، والبالغ عددهم 3 ملايين نسمة، تكلفة باهضة الثمن.

ويرتدي الوضع أبعاداً أخطرعلى ضوء إغلاق تركيا لحدودها، ما يمنع هرب المدنيين من أتون العنف، فيما يلوح في الأفق شبح حدوث كارثة إنسانية، على حدّ تعبير الأمم المتحدة.

وبالنسبة لإيران، فقد رفضت نشر ميليشياتها في معركة إدلب، حيث لم ينضم عناصر ميلشيات حزب الله اللبناني والمقاتلون المدعومون من طهران، الذين كانت مشاركتهم أساسية في المعارك السابقة، إلى القتال من أجل إدلب، وذلك لاعتبارهم المنطقة ذات أولوية منخفضة، على عكس المناطق الاستراتيجية المتاخمة للعراق ولبنان، وفقاً لوكالة "أسوشيد برس" الأمريكية.

ومن جهة أخرى، أحكمت هيئة "تحرير الشام"، وهي (الفصيل الأساسي المعارض للحكومة في إدلب، والتي تمسك بزمام الأمور إدارياً وعسكرياً في إدلب ومحيطها)، قبضتها على المدنيين، إذ اعتقلت بشكلٍ تعسّفي العديد من الأشخاص وأساءت معاملتهم لسحق المعارضة، وفق تقارير سورية.



"حلب أخرى"

ولطالما تعرضت إدلب للقصف السوري والروسي، وشكلت لسنوات ملجأ للنازحين الذين فروا من المعارك والقصف ولمقاتلين معارضين أجبروا على الانتقال إليها بعد رفضهم اتفاقات تسوية مع الحكومة السورية في مناطق كانوا يسيطرون عليها.

ومع مرور الوقت، ازدادت الكثافة السكانية في المحافظة تدريجياً، وبالإضافة إلى مناطق سيطرة المعارضة المحدودة في محافظات حلب وحماة واللاذقية المحاذية لها.

حذرت الأمم المتحدة، في تصريحاتها، من أن "إدلب ستصبح حلب أخرى"، وقال دي ميستورا في 16 مايو (آيار) 2018 من سيناريو "أسوأ بـ6 أضعاف في إدلب" خصوصاً بسبب الكثافة السكانية المرتفعة فيها، موضحاً أن سكانها ليس لديهم "مكان آخر يلجؤون إليه"، بعدما كانت إدلب هي الملجأ للخارجين من مناطق فقدتها الفصائل المعارضة.



كارثة إنسانية وشيكة

وتشتد المعارك وتزداد معها مؤشرات وقوع أزمة إنسانية كبيرة، وبهذا الشأن، قالت المتحدثة الرسمية باسم مجلس اللاجئين النرويجي، وهي منظمة إغاثة تعمل في جميع أنحاء سوريا، رايتشيل سايدر، إن "إدلب هي الأكثر هشاشة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولهذا يجب أن تتكيف وكالات الإغاثة مرة أخرى مع الوضع للاستمرار في الوصول إلى الفئات الأكثر هشاشة من خلال أكثر الوسائل مباشرة، بما في ذلك المناطق التي تخضع الآن لسيطرة الحكومة".

كما حذرت الأمم المتحدة خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن من خطر حصول "كارثة إنسانية" في إدلب في حال تواصلت أعمال العنف.

ووفق تقارير للأمم المتحدة التي أحصت تعرّض أكثر من 25 مرفقاً طبياً للقصف الجوي منذ أكثر من شهرين، دفع التصعيد أكثر من 330 ألف شخص إلى النزوح من مناطقهم.

وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن "أكثر من 152 ألفاً فرُّوا من بيوتهم بين 29 أبريل (نيسان) والخامس من مايو (أيار) الأمر الذي رفع عدد النازحين في الشمال الغربي إلى مثليه منذ فبراير (شباط).

ومنذ بدء التصعيد في نهاية أبريل (نيسان)، قتل المئات من جراء الغارات السورية والروسية وقصف للفصائل وفق مصادر سورية.

وفي الأيام القليلة الماضية، أعلنت جماعات لحقوق الإنسان أن 22 شخصاً على الأقل قتلوا في غارات جوية روسية وسورية.

وأعلنت المعارضة أن قوات حكومة الأسد استهدفت عدداً كبيراً من المستشفيات ومنازل المدنيين، كما حدث في عمليات حصار سابقة لمعاقل أخرى للمتمردين.

وبلغ القصف بالبراميل المتفجرة أسوأ مستوياته في 15 شهراً على الأقل، والبراميل المتفجرة عبارة عن حاويات ممتلئة بالمتفجرات تسقطها طائرات الهليكوبتر، بحسب رويترز.




الوضع في إدلب
ومنذ أكثر من شهرين، تواجه محافظة إدلب ومناطق محاذية لها، تصعيداً في القصف، يترافق مع معارك عنيفة تتركز في ريف حماة الشمالي. وبعد الاشتباكات والهجمات بين القوات الحكومية والفصائل المسلحة، سجل الجيش السوري المدعوم من روسيا تقدماً محدوداً، في الجيب الأخير للمعارضة المسلحة شمال غربي سوريا.

وتضاربت الأنباء أمس الخميس حول مشاركة قوات برية روسية في المعارك بعد تعثر قوات النظام السوري في التقدم شمال حماة باتجاه إدلب في شمال غربي البلاد.

ونفت وزارة الدفاع الروسية صحة أنباء حول مشاركة قوات تابعة للوحدات الخاصة الروسية في معارك في محيط إدلب، وأكدت أن موسكو "لم ترسل قوات برية إلى سوريا".

وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن مصادر في المعارضة السورية أن "قوات برية" و"قوات خاصة" روسية، شاركت في العمليات القتالية في محافظة إدلب"، وقالت إن "هذه القوات تم إرسالها خلال الأيام الأخيرة للقتال إلى جانب الجيش السوري في شمال غربي البلاد."

كما نفت موسكو في وقت سابق مشاركة قوات من "المرتزقة" تابعة لجيش خاص معروف باسم "جيش فاغنر" في عمليات قتالية حول دير الزور، وفي مناطق مختلفة في سوريا، لكنها اضطرت إلى الاعتراف لاحقاً بوجود هذه القوات، بعدما تلقت ضربة جوية أمريكية قوية.

في المقابل، أعلن في موسكو عن أن طائرات حربية سورية وروسية شنت سلسلة غارات مركزة أول من أمس، استهدفت 6 مقرات قيادية ومستودع ذخيرة لتنظيمي "جبهة النصرة" و"الحزب الإسلامي التركستاني" في ريفي إدلب وحماة، فيما قال نشطاء سوريون إن "القصف استهدف مناطق مدنية".

وفي هذا الإطار، أوضحت الباحثة في الشؤون السورية في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" سارة كيالي، في تصريحات لها، أن "الوضع في إدلب، آخر المعاقل السورية الخاضعة إلى سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، لم يعد يُحتمل".

وأضافت أن "الحكومة السورية أعربت بوضوح عن نيتها استعادة إدلب مهما كلّف الأمر، لكنها لن تتمكّن من فعل ذلك من دون الحصول على دعم حليفتها الأساسية روسيا". 

وبدرها، طالب مجلس الأمن الدولي، أمس الخميس خلال اجتماع مغلق عقِد على عجل، روسيا على وضع حد للهجمات على المستشفيات في منطقة إدلب، بحسب ما أعلن دبلوماسيون.

والاجتماع الذي عقد بطلب من الكويت وألمانيا وبلجيكا، يُضاف إلى اجتماعات عدة أخرى نظمتها الدول الثلاث بدءاً من مايو (أيار) في مواجهة اشتداد المعارك في شمال غرب سوريا.

ووفقاً لتقارير إعلامية، تأتي كتلة النفي الروسية كتأكيد على ما تقوله المعارضة وتمهيداً في الوقت ذاته لمعارك ستكون الأشد عنفاً من تلك التي كانت طوال الأشهر الثلاثة الماضية، وهنا، يتسأل الخبراء والمحللين السياسين، هل يتكرر سيناريو حلب في إدلب أم سيكون السيناريو في أخر معاقل المعارضة هو الأعنف والأسوء من كل المعارك السابقة في الحرب السورية.