عناصر من ميلشيات حزب الله العراقي الموالية لإيران في عرض عسكري بالعراق (أرشيف)
عناصر من ميلشيات حزب الله العراقي الموالية لإيران في عرض عسكري بالعراق (أرشيف)
السبت 20 يوليو 2019 / 15:06

الميليشيات الإيرانية قد تجرّ العراق لدائرة الحرب

24. إعداد: شادية سرحان

في ظل تصاعد التوترات في منطقة الخليج، والمخاوف من تطورها إلى مواجهة عسكرية أمريكية إيرانية، يبدو أن العراق في موقع معقد، فقد شهدت الأجواء العراقية تطورات خطيرة، أمس الجمعة، تمثلت بخرقها من قبل طائرة مسيرة مجهولة، استهدفت مصنعاً إيرانياً للصواريخ بمحافظة صلاح الدين في وسط العراق.

واكتفى العراق بالإعلان عن الهجوم، دون أن يكشف مصدر الطائرة المسيرة، فيما يرى متابعون أن الحادث قد يجرّ العراق لأن يكون ضمن دائرة الضربات الجوية لقطع الأذرع الإيرانية التي تتمدد وتعبث في المنطقة.

ضربة المستشارين الإيرانيين
وأعلن بيان خلية الإعلام الأمني في العراق أمس "تعرض معسكر الشهداء التابع إلى اللواء 16 في "الحشد الشعبي" بمنطقة أمرلي في محافظة صلاح الدين فجر أمس، إلى قصف بقذيفة ألقتها "طائرة مسيرة مجهولة"، دون مزيد من التفاصيل.

ولكن تقارير صحافية، قالت إن "القصف قد أسفر عن مقتل 6 عسكريين بينهم 4 ضباط إيرانيين كانوا من المشرفين على صناعة الصواريخ واثنان من مسلحي الحشد بجانب إصابة عدد آخر".

وقال مسؤول أمني، بحسب التقارير ، إن "الغارة استهدفت اجتماعاً لضباط فيلق القدس، ذراع ميليشيا الحرس الثوري الإيراني خارجياً، وميليشيا حزب الله اللبناني مع مسؤولين من الحشد الشعبي في المصنع، وأسفر القصف عن تدمير المصنع بالكامل"، ولم تعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عن الهجوم.

ويعتبر المصنع المستهدف أحد مصانع الصواريخ الإيرانية المنتشرة في العراق، ونشرت إيران أكثر من 3 آلاف صاروخ مختلف بالعراق، يشرف ضباط من فيلق القدس ومليشيا حزب الله اللبناني عليها، بحسب تقارير إعلامية.

وتنتشر الصواريخ الإيرانية في قضاء طوزخورماتو جنوب كركوك قرب قاعدة الصديق العسكرية. وتعتبر الصواريخ الموجودة في طوزخورماتو تهديدا لقاعدة K1 الجوية في كركوك، وتركز إيران صواريخها في مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين القريبة من قاعدة سبايكر، وفي قضاء بيجي ضمن المحافظة ذاتها، وفي القيارة جنوب الموصل قرب مطار القيارة العسكري.

ويحتضن قضاء طوزخورماتو، وخصوصاً بلدة آمرلي، نحو 6 معسكرات تابعة لميليشيات الحشد الشعبي يشرف عليها القيادي في "فيلق القدس" إقبال بور.

و إقبال بور هو مساعد رئيس "فيلق القدس" الإرهابي، قاسم سليماني، وهو المسؤول الأكثر نفوذاً في محافظتي كركوك وصلاح الدين، وهو أيضاً من يقدم الاستشارة للحشد في هذه المنطاق، وبور عادة يدخل العراق عبر السليمانية في كردستان ولديه مقر هناك، ولكن مصدر أمني رفيع المستوى استبعد وجود إقبال بور لحظة تعرض المعسكر للقصف.


تعددت الروايات
ولم يعلن المسؤولين، من أين جاءت الضربة الخاطفة التي قتل وجرح فيها العشرات، بينهم مسؤولون من حزب الله اللبناني، والحرس الثوري الإيراني، حسب مصادر محلية، في وقت تعددت الروايات بشأن حادث الطائرة المسيرة التي استهدفت معسكر "الحشد الشعبي" في منطقة أمرلي بمحافظة صلاح الدين.

وبحسب تقارير إعلامية، تذهب الرواية الأولى باتجاه أن تكون الطائرة مرسلة من قبل تنظيم داعش، لكن التفجيرات التي ظهرت أكبر من قدرة حمل "الدرونز" الداعشية التي لا تحمل اكثر من قنبلتين بزنة أقل من 500 غرام، وهو ما قامت به في معارك الساحل الأيمن العراقية عام 2017.

أما النظرية الثانية فتتحدث عن ضلوع إسرائيل في تنفيذ الهجوم، خصوصاً، أنها هددت في وقت سابق باستهداف مصانع ومقرات القوة التصنيعية والتطويرية العسكرية الخاصة بميليشيات الحشد الشعبي.

وفي هذا الإطار، لا يستبعد مدير مركز التفكير السياسي إحسان الشمري فرضية "قيام إسرائيل بقصف معسكر الحشد في صلاح الدين، نظرا لتهديدات سابقة أطلقها مسؤولون في تل أبيب".

وقال الشمري لصحيفة "الشرق الأوسط" إن "هذا مجرد تحليل، إذا قمنا بمراجعة تصريحات المسؤولين الإسرائيليين السابقة وتهديدهم بضرب بعض جماعات الحشد، ويمكن لإسرائيل التغلب على طول المسافة بينها وبين صلاح الدين عبر ما تملكه من تكنولوجيا متطورة، وعملائها الموجودين في الأراضي السورية القريبة".

أما الحشد فاتهم بدوره الولايات المتحدة، وقال إن "الطائرة المسيرة أمريكية واستهدفت المعسكر، ولكن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) نفت ضلوع القوات الأمريكية في الهجوم، بحسب رويترز، إلا أن هذا الاتهام شكل النظرية الثالثة".

وفي كل الأحوال تؤكد النظريات الثلاث حدوث اختراق واضح للسيادة الجوية العراقية، سواء بطائرات مسيرة أو بقصف جوي تركي يتكرر بشكل يومي.

وأكدت مصادر محلية عراقية أن "15 عنصراً من قادة حزب الله اللبناني ممن يعرفون بالمستشارين العسكريين، سقطوا في هذه الضربة، فضلاً عن مستشارين إيرانيين كانوا في معسكر الشهداء الذي يحوي صواريخ باليستية إيرانية، معدة لمهاجمة مصالح أمريكية في العراق، في حال اتسعت دائرة الصراع مع واشنطن".



ساحة حرب

ولم تتوقف إيران وميليشياتها خلال السنوات الماضية عن نقل المئات من صواريخها والطائرات المسيرة بدون طيار إلى العراق ضمن خطتها لجعل بغداد ساحة حرب رئيسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وتؤكد معلومات، وفقاً لتقارير إعلامية، أن الحرس الثوري الإيراني أنشأ أيضاً معامل لتجميع الأسلحة والصواريخ داخل العراق، ونقل العديد من هذه الصواريخ عبر مطار النجف إلى سوريا ولبنان واليمن.

وقبل بضعة أسابيع، تعرضت عدة قواعد عراقية تستضيف قوات أمريكية لهجمات بالصواريخ، لم تعلن أي جهة المسؤولية عنها ولم يصب فيها أحد، ومازالت واشنطن تضغط على حكومة العراق لكبح جماح الميليشيات المدعومة من إيران والتي تمثل خطراً على المصالح الأمريكية في العراق، بحسب مسؤولين أمريكيين.

ويؤكد محللين سياسيين أنه وعقب قرار رئيس الوزراء العراقي عادلعبدالمهدي بحل الحشد الشعبي وضمه إلى الجيش العراقي، أصبح لدى العراق فرصة ممتازة، وربما هي فرصة فريدة من نوعها قلما تتكرر، في إعادة بناء الدولة كقوة مستقلة وتقدمية في منطقة الشرق الأوسط، ولكنهم أكدوا أن العراق لن يتمكن من النجاح في هذا المسعى في حال استمر وخصوصاً الجيش العراقي تابعاً في قراراته إلى إيران.

وقال مراقبون للشأن العراقي، تعليقاً على قصف معسكر الشهداء، إن "مثل هذه الضربات سيكون لها الأثر النفسي في إدخال الرعب إلى نفوس عملاء إيران في العراق، وتفكيكهم عسكرياً، وفسح المجال للجيش العراقي لبسط سلطته على الأرض، وكذلك تشجيع الأهالي الشيعة الشرفاء في التعبير عن رفضهم للتدخل الإيراني ومقاومته وربما تشكيل محاكم شعبية لمعاقبة اللصوص والعملاء شعبياً في ظل ضعف الدولة وفسادها.

وفي هذا السياق، علق عميد الصحافة الكويتية ورئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية، أحمد الجارالله، على قصف المعسكر التابع لميلشيات الحشد الشعبي، قائلاً: "بدأ غضب الشعب العراقي غارات علي معسكر الشهداء التابع لميليشيات الحشد هذا المعسكر بؤرة لحزب الله وأسلحته إيرانية ووجوده لقمع الشعب العراقي الذي يعارض الوجود الإيراني وهو وجود غاية حلب أموال الشعب العراقي ومصادرة القرار السياسي العراقي".

ويقول الكاتب والسياسي الكويتي في سلسلة تغريدات على تويتر، نشرها مساء أمس، إن "سخونة الحرب في المنطقة تزداد وأن الشعب العراقي قراره بيد إيران"، ويضيف أن "الشعب العراقي مدرك أن أزماته الاقتصادية سببها إيران وأن سوء علاقاته مع أشقائه العرب وجيرانه سببه النفوذ الإيراني في بلاده"، ونوه الجارالله على أن العراق في ورطة وذلك لأن واشنطن تتوقع اعتداءات من ميلشيات إيران على قواتها على الأراضي العراقية.

ويرى الكاتب أن غضب الشعب العراقي بدأ بغارات علي معسكر الشهداء التابع لميليشيات الحشد، هذا المعسكر الذي يعد بؤرة لحزب الله وأسلحته الإيرانية، ويضيف الجارالله أن "الشعب العراقي أصبح يعارض الوجود الإيراني وهو وجود غايته حلب أموال الشعب العراقي ومصادرة قرار العراق السياسي ".



وبعد تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران، أفادت العديد من التقارير الإعلامية، أن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، يأمل بأن يتمكن من الوساطة بين البلدين لخفض التوتر، وهذا بسبب علاقاته الاستراتيجية بالطرفين، وهنا يرى متابعون أنه في حال نجح عبدالمهدي بالوساطة، سيتمكن من تجنب بلاده والمنطقة برمتها حرباً قد نشهد بدايتها من دون أن يتمكن أحد من التنبؤ بكيفية نهايتها.

ومؤخراً، حاولت أمريكا غلق منافذ أرض الرافدين أمام طهران، حيث اقتنعت بأن ذلك كفيل بحل كل أزمات المنطقة بعدما أضحى العراق معسكراً خلفياً لطهران يسهم في دعم جبهاتها في كل من سوريا ولبنان واليمن، بالإضافة إلى ميليشيا الحشد الشعبي التي أكلت الأخضر واليابس في هذا البلد بحجة محاربة تنظيم داعش.



عقوبات

وقبل يومين، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات على اثنين من قائدي الميليشيات التي تدعمها إيران في العراق، بالإضافة إلى محافظين عراقيين اثنين سابقين، لارتكابهم انتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان وعمليات فساد.

وأوضحت الوزارة أن الشخصيات الأربعة هم ريان الكلداني قائد اللواء 40 ووعد قادو قائد اللواء 30، إلى جانب اثنين آخرين من المحافظين العراقيين السابقين، وهم نوفل حمادي السلطان محافظ نينوي السابق، وأحمد الجبوري محافظ صلاح الدين.

ومن جانبه، قال مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي، إن واشنطن ستفرض عقوبات على قادة الميليشيات المرتبطة بإيران فى العراق، مشدداً على أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تنشر المليشيات المدعومة من إيران الإرهاب.

وكانت العلاقات بين واشنطن وبغداد، قد شهدت توتراً ملحوظاً، إثر تكثيف قادة ميليشيات الحشد الشعبي والأحزاب الموالية لإيران لخطاباتها المتشددة ضد أمريكا، خصوصاً بعد إدراج واشنطن الحرس الثوري الإيراني على قوائم الإرهاب الدولية وإيقافها تجديد الإعفاءات من العقوبات على طهران.



عمليات ثأر متبادلة

وفي هذا الشأن، يؤكد الخبير والمحلل السياسي العراقي مناف الموسوي، في تصريحات له، أن أمريكا قادرة على إشعال المنطقة بأكملها بكبسة زر إلا أنها لن تكون قادرة على ضبط الأمور بعدها، فردة الفعل ستكون أكبر من القدرة الأمريكية على الحسم، وستصبح قواتها في العراق مهددة من الأذرع الإيرانية العاملة في بلاد الرافدين، وهو ما قد يقود إلى عمليات ثأر متبادلة.

ولكن الموسوي، وهو أيضاً مدير مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية، قلل من احتمال دخول العراق في هذه الأزمة حتى لو اندلعت الحرب أو حصلت أية اشتباكات بين القوات الإيرانية والأمريكية.

ويوضح "أمريكا لديها قواعد عسكرية عدة في دول الجوار كما أنّ لديها أسطولاً بحرياً وحاملات طائرات ضخمة ولن تحتاج الأراضي العراقية من أجل استهداف إيران".

ويرى مناف الموسوي أن القوات الأمريكية لن تدفع بأية قوات عسكرية إضافية إلى العراق، بيد أن ذلك لا يعني أبداً أنها تسعى إلى التهدئة، ويوضح "بحسب متابعتنا لأسلوب عمل الولايات المتحدة العسكري فإن الحرب البرية أو المواجهة المباشرة هي آخر الخيارات، حيث تلجأ القوات الأمريكية عادة إلى استنزاف الخصم أولاً وإنهاكه بالعقوبات كما نشاهد حالياً، ثم تتبعه بقصف جوي تدمير المرافق الحياتية الأساسية"، وهو أمر تستطيع أمريكا فعله دون أية حاجة لحليفها العراق.




لكن انعكاسات الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران، لا يختلف اثنان على ثقل وطأتها على بلد مثل العراق، فهو الذي لطالما اعتمد بنحو كبير على جارته إيران في مجالات اقتصادية واسعة، ناهيك عن الارتباط السياسي والديني لشريحة كبيرة من مكونات الشعب مع البلد الجار، الذي يمكنه بدوره أن يستخدم هذا الارتباط أداة ضغط تخدم مصالحه، بدلاً من الدخول في مواجهة مباشرة مع الأمريكيين داخل العراق.

وعقب قصف الطائرة المسيرة المجهولة لمعسكر الشهداء التابع لميليشيات الحشد الشعبي في صلاح الدين، يرى العديد من المراقبين، أن العراق قد دخل رسمياً ضمن دائرة المواجهة الأمريكية الإيرانية؟، ولكن يبقى السؤال الذي يطرحه جميع المتابعين للشأن العراقي، هل سيتمكن العراق من فك ارتباطه بإيران ويبعد شبح الحرب عن البلاد؟