وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووزيير الخارجية البريطانية السابق فيليب هاموند.(أرشيف)
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووزيير الخارجية البريطانية السابق فيليب هاموند.(أرشيف)
الإثنين 22 يوليو 2019 / 20:20

بريطانيا وإيران.. تاريخ من العلاقات المعقّدة

24- زياد الأشقر

عن التوتر البريطاني-الإيراني، كتبت كارولين ألكسندر وغولنار موتيفالي في موقع "بلومبرغ"، أن معاودة فتح السفارة البريطانية في طهران كان بهدف إلى تدشين عهد جديد من العلاقات بين الجانبين.

 وما إن رفع العلم البريطاني على مبنى السفارة في طهران في أغسطس (ب) 2015 حتى قال وزير الخارجية البريطاني حينها فيليب هاموند، إن الحدث "هو ركيزة أساسية".

وحصل ذلك بعد ستة أسابيع من التوقيع على الاتفاق الدولي الذي يكبح نشاطات إيران النووية في مقابل تخفيف العقوبات التي تخنق اقتصادها. لكن منذ بدأ الاتفاق بالتداعي العام الماضي، فإن التوترات بين بريطانيا وإيران أخذت في التصاعد. وثم جاء الاستيلاء الدراماتيكي على ناقلة النفط البريطانية في الخليج، رداً مباشراً على احتجاز المملكة المتحدة ناقلة إيرانية كانت تبحر في المتوسط. وسبق لبريطانيا أن هددت إيران بـ"عواقب خطيرة"، ستتضمن حزمة من العقوبات.

كيف ساءت العلاقات؟

وتساءلت الكاتبتان، كيف ساءت العلاقات إلى هذا الحد؟ المملكة المتحدة بعد كل شيء هي جزء من ثلاثي أوروبي يحاول إنقاذ الاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لكن بريطانيا في طريقها للانفصال عن الاتحاد الأوروبي وتشجع على إبرام اتفاق للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، التي لا تزال القوة الاقتصادية المهيمنة عالمياً.

وأشارتا إلى أن علاقات بريطانيا مع إيران تعود إلى القرن السابع عشر، وتميزت بفترات من الخصومات، بعضها حل بسرعة وبشكل عادل، والجزء الآخر مستمر حتى يومنا هذا. وعلى سبيل المثال، لا يزال الإيرانيون يلومون بريطانيا عن المجاعة التي ضربتهم قبل مئة عام. وتحت كل هذا يكمن شعور بأن بريطانيا تلعب لعبة مزدوجة.
 ويقول استاذ التاريخ الحديث في الشرق الأوسط في جامعة أندروز بالمملكة المتحدة علي أنصاري: "الإيرانيون مهووسون بفكرة أن البريطانيين هم الذين يتلاعبون في الخلفية، ويستغلون الولايات المتحدة... ".

أزمة سياسية
ولفتت الكاتبتان إلى أن بريطانيا التي تضررت من عملية بريكست تعاني أزمة سياسية، وتنتقل من رئيس وزراء إلى آخر. ويتنافس أبرز مرشحين لرئاسة الوزراء وهما وزير الخارجية الحالي جيريمي هنت ووزير الخارجية السابق بوريس جونسون على لقب صديق يغدقه عليه ترامب.

ومع أن إيران لم تكن مستعمرة بريطانية بالمعنى الحرفي، لكن مع ذلك مارست المملكة المتحدة نفوذاً واسعاً في هذا البلد عبر القرون. وخلال "اللعبة الكبرى" في القرن التاسع عشر، خاضت بريطانيا الفيكتورية وروسيا القيصرية صراعاً للسيطرة على آسيا الوسطى، وعلقت بلاد فارس في المنتصف.

ويرى أنصاري أن أحداث بداية القرن العشرين  "غيرت المنظور التاريخي". وتمحورت تلك الأحداث كما هي الآن حول النفط. ففي عام 1901 بدأ رجل الأعمال والمستثمر ويليام نوكس دارسي البحث عن النفط في بلاد فارس. وبناء على الصفقة التي وقعها مع شاه إيران فقد أصبح المالك الرئيسي للنفط الذي يعثر عليه. وتحصل العائلة المالكة على نسبة 16% من الأرباح السنوية ولا دور لها في طريقة إدارة الشركة.

شركة النفط
ونشأت شركة النفط الإنكليزية- الفارسية لاحقا عندما عثر دارسي على النفط الخام في الصحراء جنوبي البلاد. وعلق وينستون تشرتشل الذي كان قائداً للبحرية وأشرف على تحولها من استخدام الفحم الحجري إلى النفط "جلب لنا الحظ منحة من أرض السحر لم نتخيلها حتى في أحلامنا المجنونة".

وقبل بداية الحرب العالمية الأولى، حقنت الحكومة البريطانية الشركة برأسمال جديد وحصلت على امتيازات فيها وبنت أكبر مصفاة نفط في العالم قرب الخليج الفارسي لتنقية النفط وشحنه إلى بريطانيا. وبدت المصفاة مثل مستعمرة منفصلة عاش فيها الموظفون البريطانيون وعائلاتهم في حالة مترفة، أما الموظفون الإيرانيون فكانوا يعيشون في مدن الصفيح.

ولم يكن مفاجئاً اندلاع التظاهرات والإضرابات، ووصلت ذروتها في عام 1951 وبعد موجة من المشاعر المعادية للاستعمار التي انتشرت في المنطقة، قام رئيس الوزراء، محمد مصدق بتأميم شركة النفط وألغى حقوق التنقيب عن النفط.

وردت بريطانيا بإغلاق المصافي وحاصرت الموانئ الإيرانية وجمدت الحسابات. وعندما بدا واضحاً أن مصدق قد انتصر، ضغطت بريطانيا على الولايات المتحدة لكي تعين رئيس وزراء متعاطف مع الشاه. وتعاون الطرفان معاً على الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1953. وتمت تسمية الشركة باسم البترول البريطاني ولم تستطع الحصول على السيطرة السابقة بسبب الموقف العام المعادي لبريطانيا ولكنها حصلت على عضوية في مجموعة النفط الإيرانية.

تأميم النفط

وبعد الإطاحة بشاه إيران وولادة الجمهورية الإسلامية في ظل آية الله روح الله الخميني أعيد تأميم النفط الإيراني من جديد. ومن هنا منح احتجاز ناقلة النفط الإيرانية في جنوب إسبانيا، ومثل سياسات ترامب تجاه إيران الفرصة لتوحيد القوى السياسية المتنافسة. كما وأعطت الجمهورية الإسلامية الفرصة للهجوم على بريطانيا الإمبريالية الاستعمارية والمؤيدة للملكية التي تريد التدخل في الشأن الداخلي الإيراني.

وردت طهران بعد يومين على احتجاز ناقلتها، واحتجزت ناقلة نفط بريطانية. وصورت الصحافة الإيرانية الهجوم على البلاد بأنه مؤامرة أمريكية- بريطانية.

ففي العنوان الرئيسي لصحيفة "أرمان" المعتدلة "سيناريو أمريكي مع لاعبين بريطانيين"، أما صحيفة الإصلاحيين “أفتاب” فكان عنوانها "تطرف في جبل طارق". ووصفت صحيفة المتشددين "كيهان" احتجاز السفينة البريطانية بأنه عملية انتقامية ضد "قراصنة الملكة".

وكانت الحرب العراقية – الإيرانية التي دعمت فيها بريطانيا صدام حسين وفتوى الخميني ضد سلمان رشدي هي من النقاط السيئة في العلاقات بين البلدين. وفي الفترة الاخيرة شهدت توتراً بسبب سجن البريطانية- الإيرانية نازنين زغاري- رادكليف منذ عام 2016 بتهمة التجسس. ونقلت قبل فترة من سجن إيفين سيئ السمعة إلى قسم العلاج النفسي.