أعمال هدم في القدس.(أف ب)
أعمال هدم في القدس.(أف ب)
الإثنين 22 يوليو 2019 / 20:47

قضية الفلسطينيين وحدهم

هي إذن مرحلة اليأس، يقتحمها الفلسطيني المحاصر مجبراً، وينخرط في تجلياتها الخطيرة بكل ما تحمل من تفجير للواقع، ليس في فلسطين فقط ولكن في الإقليم

صباح هذا الإثنين الأسود استيقظ الفلسطينيون في القدس وعلى امتداد جغرافيا وطنهم وشتاتهم على جريمة إسرائيلية جديدة نفذتها سلطات الاحتلال أمام الكاميرات.

هدمت إسرائيل اليوم مائة منزل فلسطيني في قرية صور باهر المحاذية للقدس بحجة قرب هذه المباني السكنية من جدار الفصل العنصري الذي يباركه كوشنر وغرينبلات وفريدمان ويعارضه العالم لفظياً ولا يعاقب بناته التلموديين.

تمت الجريمة بهدوء وتحت مظلة من الصمت الدولي والإقليمي المعيب، ولم يكن أمام الفلسطينيين المطرودين من بيوتهم سوى اللجوء إلى شوارع القدس التي تبدو أرصفتها أكثر وداً وصدقاً من بيانات الحكومات ومواقف الفصائل التي تسابقت في إصدار البيانات ولم تحرك عناصرها على الأرض.

جريمة تطهير عرقي تضاف إلى سلسلة طويلة من جرائم حرب الإبادة التي يتعرض لها آخر شعب مظلوم على وجه الأرض منذ عقود مرة وسوداء. لكن الجريمة لا تعني أحداً على ما يبدو، فالعالم مشغول بملفات أخرى، والولايات المتحدة تؤكد انحيازها المطلق للاحتلال، بل وتبارك جرائمه، ولا يستحي مبعوث الرئيس الأمريكي من حمل فأس والمشاركة في الهدم وحفر الانفاق تحت ساحات الأقصى.

السلطة الفلسطينية أيضاً تتفاعل مع الجريمة ببرود عجيب، ويبدو أنها لا يتجاوز رد فعلها حدود البيان الإعلامي أو إطلاق التصريحات التي تدين الجريمة لكنها تتمسك في الوقت نفسه بتقديسها للتنسيق الأمني مع الاحتلال، التزاماً باتفاق أوسلو الذي تخلت عنه إسرائيل منذ سنوات، وأكدت استهتارها ببنوده حين قامت اليوم بهدم منازل تقع، حسب اتفاق أوسلو، في منطقة خاضعة للسلطة الفلسطينية.

أثبتت جريمة اليوم ما كنا نقوله منذ زمن بعيد وهو أنه ليس للفلسطينيين إلا أنفسهم، وهم مكشوفون لكل رياح السوء في شرق أوسط بالاسم فقط لكنه كله يمين.

لا عمق عربياً أو إسلامياً يمكن أن يوفر رافعة للعمل الوطني الفلسطيني، ولا سلطة أو قيادة محلية يمكن أن تحتمل الحراك الشعبي في مواجهة الاحتلال، ولا أمل في تحريك عملية سياسية يمكن أن تصل إلى نهايات تحمل الحد الأدنى من الظلم التاريخي والإنساني للفلسطينيين.

هي إذن مرحلة اليأس، يقتحمها الفلسطيني المحاصر مجبراً، وينخرط في تجلياتها الخطيرة بكل ما تحمل من تفجير للواقع، ليس في فلسطين فقط ولكن في الإقليم.

الفلسطيني في هذه اللحظة القاتمة ظهره إلى الحائط، ولا ثقة لديه في أي طرف، ولا ثقة لديه في قيادته الأوسلوية ولا في نخبه الفصائلية التي أثبتت عجزاً غير مسبوق في المواءمة بين الشعار والموقف العملي، وذلك بسبب اتكائها على مرجعيات قومية ودينية غير فلسطينية الجذر والهوى.

والفلسطيني الذي يرى بيته يهدم في القدس اليوم ومحله يغلق في مخيم في لبنان قبل أيام لا يعير انتباها لما يتشدق به وزراء خارجية أو عمل عرب، مثلما لا يلتفت إلى بيانات الشجب والتنديد التي تطلقها أحزاب وحركات في المنطقة ترفع شعار تحرير فلسطين وتخدم في الواقع أجندات فارسية أو عثمانية.

الأهم من كل ما سبق أن الفلسطيني بات يدرك أنه وحده وأن قضيته تخصه فقط، وأن الجاثمين على صدره في سلطتي رام الله وغزة لا يمثلونه ولا يستطيعون حمل صوته ناهيك عن ترجمة طموحه.

في حالة اليأس هذه لا أحد على الإطلاق يمكن أن يتوقع نتائج حراك يتشكل الآن بعيداً عن السلطة وعن الفصائل، متحرراً من إثم أوسلو ومن النعيق الدبلوماسي الذي عطل طاقات كامنة كثيرة في هذا الزمن.