غلاف رواية "أورويل في الضاحية الجنوبية" (أرشيف)
غلاف رواية "أورويل في الضاحية الجنوبية" (أرشيف)
الإثنين 22 يوليو 2019 / 21:53

البحث عن أورويل

أين نجد مقابل الثورة الشيوعية والانقلاب النازي في الضاحية؟. أين نجد الثورة ونظامها الحديدي، بل أين نجد الفوهرر النازي والزعيم الشيوعي؟

"أورويل في الضاحية الجنوبية" عنوان مثير لرواية فوزي ذبيان، لكن المثير أكثر هو أن أورويل لا يحضر بأي شكل في الرواية، هو بذلك سرّ الرواية ولغزها. الرواية مع ذلك لا تحتمل الألغاز ولا تقوم عليها وإن بدا ان استدعاء اسم أورويل وتضمينه في العنوان هو إيعاز بقراءة للرواية، قراءة خاصة تبدأ من العنوان وتقوم عليه. أورويل يبقى في استمرار معلقاً فوق الرواية بدون أن ينفذ إَّليها. مع ذلك يبقى العنوان سؤالاً قد يكون سؤال الرواية أو فحواها، لكن على القارئ في هذه الحال أن يبدأ من العنوان وأن يستوضح أورويل ويعرف عنه ما يكفي لأن يقابل وقائع الضاحية الجنوبية مع النص الأوريولي، وأن يبحث في هذا النص عن مفاتيح للرواية فالعنوان يوحي بدرجة من التكتم والخفاء ليسا في الرواية. المقصود هو أن نبدأ من العنوان قراءة ثانية للرواية.

علينا في هذا السبيل أن نعود الى أورويل في روايتيه، الموجزة مزرعة الحيوان والمطوّلة 1984. هذا يتطلّب وقفة على التراث الأوريولي الذي هو في مجموعه وفي تضاعيفه دعوة ضد الاستبداد وضد الفاشية والتوتاليتارية. وقفة لا تكفيها مقالة موجزة لا تزيد عن 500 كلمة، لكن علينا أيضاً أن نبدأ من الرواية نفسها "أورويل في الضاحية الجنوبية". الرواية كما قلنا لا علاقة واضحة لها بجورج أورويل. إنها عبارة عن نص تفصيلي لمشهد الضاحية الجنوبية في بيروت، بل هي هذا المشهد الذي يتقدم للقارىء في شبه ومضات متلاحقة. الضاحية هي بطل فوزي ذبيان، والرواية بكاملها نبش فيها واستقصاء تفصيلي لدواخلها. الرواية التي تحمل اسم الضاحية في عنوانها ليست تاريخاً للضاحية أو دراسة عنها، لذا نقرأها ونحن نبحث عن الضاحية، نبحث عما وراء التفاصيل ووراء الوقائع الصغيرة ووراء شخصيات التي نصادف ظلالها، نفعل ذلك والعنوان نصب أعيننا، فالضاحية الجنوبية هي التي تعيد الرواية خلقها والعنوان يتضمن اسمها، العنوان يحرضنا على أن نستجمع تفاصيل النص لنرى فيها ووراءها المشهد بكامله، الضاحية الجنوبية كلها.

يظل مع ذلك السؤال قائماً. إذا كان جورج أورويل في «مزرعة الحيوان» يدين الثورة والانقلاب الصادرين عن الحيوانات التي ثارت على الإنسان وانقلبت عليه، لتشكل في ما بينها نظاماً يذكر بديكتاتوريات التوتاليتارية التي تجلت في الثورة الشيوعية والسلطة النازية، وأدت الى ديكتاتورية هتلر وستالين، يدعونا هذا الى التفكير في الضاحية الجنوبية اللبنانية ويجعلنا نتساءل ما هو مقصد فوزي ذبيان من الرواية بعنوانها اللافت. نتساءل أين نجد مقابل الثورة الشيوعية والانقلاب النازي في الضاحية؟. أين نجد الثورة ونظامها الحديدي، بل أين نجد الفوهرر النازي والزعيم الشيوعي؟، أين نجد مقابل النظام الحديدي للشيوعية والنازية؟، أين نجد مقابل النازية والشيوعية كنظريتين وفلسفتين؟. هل نجده في ذلك الذي يبكي كلما تذكر أخته الراحلة، هل نجده في الرئيس وفي دليفري الأراكيل وفي لصوص السيارات وفي التهريب والمهربين وفي القبضايات والعوانس. لا نملك أن نجد معنى ذلك بدون أن نلتجئ إلى العنوان، وبدون أن نعتبر أن ذلك كله خلف الرواية وخلف السير والوقائع. إنه مخفي مستتر في مشهد الضاحية بل هو موجود بالرمز والإشارة، بعد تأويل وبعد قراءة أوريولية، فما يدعونا إليه فوزي ذبيان هو قراءة تقلب الموضوع من أساسه وتوسط أوريولي في وقائع الرواية وتفسير أوريولي يسبق القراءة ويعطيها فحواها.