ناقلة النفط البريطانية ستينا إمبيرو.(أرشيف)
ناقلة النفط البريطانية ستينا إمبيرو.(أرشيف)
الأربعاء 24 يوليو 2019 / 21:37

طبول الحرب

يُقدِّر الإسلام السياسي حجم القوة لديه بمعايير عاطفية، هكذا تصوَّر حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، أستاذية العالَم

في عام 2013 ألقى علي خامنئي المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية، والجمهورية هنا قد أُفرِغَتْ من معناها في العلوم السياسية، لصالح الإسلام السياسي، خطاباً موجهاً، أطرى فيه على انطلاق ثورة عالمية جديدة، ما سُمي ب ـ"الربيع العربي"، أو انطلاق صحوة إسلامية كاسحة.

بعد أربع سنوات من كلمات المرشد الأعلى خامنئي، في 2017، اندلعتْ احتجاجات قوية في إيران، وكلها كانت ذات طابع اقتصادي، معيشي، إلا أن الغرب قابل تلك الاحتجاجات في وسائل إعلامه الكبيرة، بفتور نوعاً ما، عكس حماسته المفرطة أمام "الربيع العربي"، ولم يعلن أنها احتجاجات بمثابة بدايات "الربيع الفارسي"، وربما بسبب هذا الفتور، أجهضت.

وتابع خامنئي أن الغرب أخطأ إذ رأى أن جماهير المتظاهرين كانت تُمثل انتصار الديمقراطية، فالمتظاهرون كانوا سيرفضون التجربة المريرة، والمرعبة، للسير خلف الغرب على أصعدة السياسة، والسلوك، ونمط الحياة.

بالطبع أغفل خامنئي، أن الخميني، الأعلى ربما مكانةً من خامنئي، فهو صاحب الثورة الإيرانية 1979، كان مُنعَّماً في الغرب، في فرنسا تحديداً، ويتم تحضيره من قِبَل الغرب ذاته، لتفريغ الثورة الإيرانية من طموحاتها الاقتصادية، أو تحويل تلك الطموحات إلى طموح واحد فقط، وهو التشدد الديني.

كان المتظاهرون في إيران يرفعون شعارات ديمقراطية، ويسارية، وليبرالية، بل إن الغرب بعث، بشكل غير مباشر، واحداً من أعظم فلاسفة القرن العشرين، وهو البنيوي، الما بعد حداثي، الماركسي بتوابل ماوية، ميشيل فوكو، إلى إيران، لتمويه اختطاف الثورة، لصالح الإسلام السياسي.

لا ينقطع التمويه والتبرير في الغرب وأمريكا، لصالح الإسلام السياسي، فعلى سبيل المثال، يلتمس هنري كيسنجر العذر للغرب، الذي تصوَّر أن الثورة الإيرانية كانت ضد نظام رضا بهلوي الملكي، المعادي للديمقراطية. بعد عودة الخميني من الغرب، علَّق على المشانق الكثير من اليساريين والديمقراطيين والليبراليين.

قام الغرب بتمثيل دور المصدوم في فاشية الخميني، وقام أيضاً ميشيل فوكو بتمثيل دور المصدوم في قتل اليساريين والديمقراطيين والليبراليين. كان اكتئاب ميشيل فوكو ومرضه، كفيلين بتكميم أفواه الماركسيين الفرنسيين، واعْتُبرتْ مساندة فوكو للفاشية الدينية، مسألة معقدة لا يجب الحديث عنها.

تحدث مهدي بازركان رئيس الوزارة الأولى الذي عينه الخميني، مرةً، لصحيفة نيويورك تايمز، عن ملامح الحكم الثيوقراطي، وهي ملامح تجعل نظام الحكم أمراً سماوياً، وأن الانشقاق عن هذا النظام، يُعتبر هرطقة، وليست مُعَارَضَة. قبل الوصول للسلطة سمح الإسلاميون بتسمية أنفسهم مُعَارَضَة، وعندما وصلوا إلى السلطة، أصبح أي مُعَارِض مُهرطقاً دون نقاش.

يعترف هنري كيسنجر بأن المُحاكمات والإعدامات الفورية التي قام بها الخميني، أكثر فاشية بمراحل، من التي قام بها نظام الشاه قبله، وهو اعتراف لا يؤثر في تعديل سياسات الغرب، أو أمريكا، مع الإسلاميين. أخطأنا في أفغانستان، أخطأنا في العراق، أخطأنا في الصومال. هذا النوع من الاعترافات يُقال في الغرب وأمريكا من حين لآخر، والغرض منه، أننا لم نكن نقصد.

يرى البعض أن احتجاز ناقلتي النفط المرتبطتين ببريطانيا، يوم الجمعة الماضي، في مضيق هرمز، تصعيد من المرشد الإيراني خامنئي، وكأنّ خامنئي أراد أن يفتح الممر الدبلوماسي مرةً أخرى، للرئيس حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، سيما وأن هذا الممر كان قد رُدم نوعاً ما مع الرئيس دونالد ترامب.

أيضاً أعلنتْ إيران أن احتجاز ناقلتي النفط، جاء رداً على احتجاز المملكة المتحدة، لناقلة نفط إيرانية في جبل طارق، وحدث هذا في وقت سابق من الشهر الجاري. إيران تتخيل أن معادلة القوة العسكرية بينها، وبين الغرب وأمريكا، متساوية. يُقدِّر الإسلام السياسي حجم القوة لديه بمعايير عاطفية، هكذا تصوَّر حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، أستاذية العالَم.

أعلنتْ بريطانيا أنها تتابع بقلق بالغ احتجاز ناقلتي النفط التابعتين لها في مياه الخليج العربي، وأكد المسؤولون البريطانيون أنهم يعملون مع شركائهم الدوليين، وصرَّح بوب سانجوينيتي رئيس غرفة الشحن في بريطانيا، أن استيلاء القوات الإيرانية على ناقلتي النفط يمثل تصعيداً للتوترات في منطقة الخليج، وأكَّد على الحاجة إلى توفير المزيد من الحماية للسفن التجارية.
 
كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أعلنتْ أيضاً الخميس الماضي، أنها أسقطت طائرة مسيرة إيرانية، فوق مضيق هرمز. حاولتْ التجسس على المدمرة "يو إس إس بوكسر". ورداً على إسقاط الطائرة المسيرة، صرَّح وزير الخارجية الإيراني، بأن إيران ليس لديها معلومات عن فقدان طائرة مسيرة.

وقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت: إن ما حدث في مياه الخليج يؤكد مؤشرات مقلقة إلى أن إيران قد تختار مساراً خطيراً للسلوك غير القانوني، المزعزع للاستقرار. المواجهة العسكرية مُحتملة، وغرور وثقة خامنئي في قوته العسكرية، يُشبه غرور وثقة زعماء الإرهاب في شرائط الفيديو، وهم يتوعدون الغرب بالويل والثبور، والغرب هو مَنْ صنعهم.

من جانب آخر تعرضتْ بريطانيا العظمى، إذا كان هذا اللقب ما زال يحمل شيئاً من ماضي الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، لإهانة وصلتْ إلى نزول فيديوهات شبه سينمائية، لقوات إيرانية، تهبط من مروحية، على ناقلة النفط البريطانية، ثم ترفع العلم الإيراني على ناقلة النفط، واختفاء العلم البريطاني. إهانات من هذا النوع، لا تُمحى إلا بضربات عسكرية.

كانت السخرية التي أطلقها البعض، تتحدث عن كيف للعميل الاستخباراتي، الملكي، 007، رفيع المستوى، جيمس بوند، مواصلة مهماته الصعبة في أفلامه، وكيف ستكون المُقارَنَة مع ما حدث في الواقع بالفعل، إذا تطلَّب المشهد السينمائي من جيمس بوند، هبوطاً صاعقاً على سطح سفينة تقل إرهابيين في عرض البحر.

بريطانيا المترددة الحائرة، تُعلن قولين مُتضاربين على لسان وزير خارجيتها جيريمي هنت، القول الأول إن لندن تدرس الرد بطريقة قوية، وتُحذر طهران من أنها ستكون الخاسر الأكبر إذا تم تقييد حرية الملاحة، والقول الثاني، إن لندن ترغب في خفض التوتر مع إيران. لا يستطيع أحد التنبؤ بما سيحدث في الأيام القادمة، إلا أن طبول الحرب تُقرع بمزيد من القوة.