الرئيس الفلسطيني محمود عباس مترئساً اجتماعاً طارئاً للقيادة الفلسطينية.(أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس مترئساً اجتماعاً طارئاً للقيادة الفلسطينية.(أرشيف)
الإثنين 29 يوليو 2019 / 19:04

وقف العمل بالاتفاقيات يستثني التنسيق الأمني؟!

لا يتجاوز قرار الرئيس عباس حدود الخطاب الإعلامي الموجه إلى الداخل الفلسطيني، وليس إلى إسرائيل والولايات المتحدة

رغم الضجيج الإعلامي الذي رافق قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، ورغم الاستبشار الشعبي بتحول حقيقي في موقف السلطة والتزامها بهذه الاتفاقات المرفوضة وطنياً، وبعد موجة التصريحات التي تميزت بلغة حادة ونبرة عالية في الترويج لهذا القرار وتقديمه للجمهور كإعلان نهاية للمرحلة السياسية السوداء... لم يحدث شيء على الأرض، وواصلت السلطة الفلسطينية التزامها بأهم الاتفاقات وأخطرها، وهو اتفاق التنسيق الأمني مع الاحتلال، ومع الأمريكان أيضاً، وأثبت هذا الموقف بالفعل أن الرئيس ومعه مجموعة الحكم في المقاطعة يقدسون هذا التنسيق ولا يسمحون بالمساس به.

كان الرئيس عباس يعلن قراره "التاريخي" في رام الله مساء الخميس الماضي، ويستعد في الوقت نفسه للسفر إلى تونس صبيحة اليوم التالي للمشاركة في جنازة الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي. وكان السفر يحتاج إلى تنسيق أمني مع إسرائيل، ولم يحدث ما يعيق خروج الرئيس من الأراضي الفلسطينية، ما يؤكد أن روتين التنسيق المقدس ظلّ على حاله.

كان استبدال الإلغاء الكامل للاتفاقات بوقف العمل بها أضعف الإيمان، ورغم ذلك لم نلمح على الأرض أي إشارة إيمانية في هذا الاتجاه، بل إن إسرائيل كثفت حملات الاعتقال للمطلوبين الفلسطينيين، وكانت قواتها تعتقلهم من بيوتهم في عدد من مدن الضفة في وضح النهار وتحت أعين الأمن الفلسطيني، الذي انشغل في مراقبة ومحاولة تعطيل مخيم تعليمي للأطفال نظمته إحدى الجهات الوطنية في مخيم الأمعري.

لم يتم إلغاء الاتفاقات، ولم يتم تنفيذ القرار الرئاسي بوقف العمل بها. ما الذي تم إذن؟
في الواقع لا يتجاوز قرار الرئيس عباس حدود الخطاب الإعلامي الموجه إلى الداخل الفلسطيني، وليس إلى إسرائيل والولايات المتحدة، وهو خطاب يهدف إلى تنفيس الضغط الشعبي المتصاعد بعد جريمة هدم مائة منزل فلسطيني في بلدة صور باهر بضواحي القدس المحتلة.

كما أن القرار الرئاسي لم يأت بجديد، بل كان صيغة مخففة لقرار من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بإلغاء الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وتعليق الاعتراف بدولة الاحتلال، بل وكانت هناك توصية بحل السلطة الفلسطينيية ووضع إسرائيل أمام مسؤولياتها كقوة احتلال.

لم ينفذ أي شيء من هذه القرارات والتوصيات، بل جاء القراء الرئاسي مخففا لها، ومتجاوزا للإطار الأهم في منظمة التحرير وهو مجلسها المركزي، وواضعا السلطة قبل المنظمة في صناعة القرار الوطني الفلسطيني، وهو ما لا يمكن ولا يجوز.

قبل ذلك كانت السلطة الفلسطينية قد أوقفت المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وقطعت كل خطوط التواصل مع المستوى السياسي في تل أبيب، لكنها احتفظت في الوقت نفسه، بالعلاقة الأمنية بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والشاباك، بل إن رئيس هذا الجهاز التقي بالرئيس عباس في أكثر من مناسبة.

وبعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس أعلنت السلطة الفلسطينية قطع العلاقات مع الولايات المتحدة وأوقفت الاتصالات مع واشنطن، لكنها حافظت على العلاقة مع وكالة المخابرات المركزية السي آي إيه، وقام مدير المخابرات الفلسطينية بزيارة العاصمة الأمريكية بصفته الرسمية.

هي إذن قرارات تسكينية للغضب الشعبي الفلسطيني، ولا تجيء في سياق التحول وتصحيح المسار المنحرف منذ الانحراف التاريخي الذي يحمل اسم اتفاقات أوسلو.