"حديقة الأمس" لبول شاوول.(أرشيف)
"حديقة الأمس" لبول شاوول.(أرشيف)
الإثنين 29 يوليو 2019 / 19:07

حديقة بول شاوول

الصباح في بيتي يكرر جمله الناقصة يعبر حياته ومضاً، يعبر من شجرة الفتنة الى ما يخفيه النعناع

مئتا صفحة تؤلفان مجموعة بول شاوول الأخيرة «حديقة الأمس» التي صدرت بعد غياب طويل. منذ «دفتر سيجارة» التي كانت كما يحمل عنوانها مطوّلة شعرية حول موضوع واحد. «حديقة الأمس» بمائتي صفحاتها قد تشكل أغزر مطولة شعرية حول موضوع واحد، بل هي حسب المجموعات الأخيرة التي صدرت لبول شاوول آخرها «كشهر طويل من العشق» «دفتر سيجارة» «حديقة الأمس» وقد يبدو لافتاً الى أبعد حد أن يُصدر صاحب أيها الطاعن في الموت «الهواء الشاغر» «ووجه يسقط ولا يصل»، ما يبدو أن كلاً من مجموعاته لها لغتها وأسلوبها وكيانها الخاص وكل المجموعات الأخيرة تكاد تكون حول موضوع واحد «شهر طويل من العشق» مطولة شعرية عن الحب و«دفتر سيجارة» كما يدل عنوانها مذكرات تدخين. أما الغريب اللافت فهو «حديقة الأمس» حيث يتناول في مئتي صفحة ما يمكن أن يشكل عالم الحديقة وما يبدو في مئتي صفحة عناصر الحديقة، إذا تذكرنا العناصر الاغريقية الأربعة، فالمطولة الشعرية تبدأ بالهواء أحد هذه العناصر.

الهواء هذا الصباح
مليء
غباره غابر مأهول بأصوات غابرة
.........

هذه الوجوه التي تمر على مرأى الهواء
الهواء بحركته، بثقله، بشميمه، بروائحه سيكون الموضوع العضوي الذي تنبني عليه المطولة الشعرية
لأنها تشعر أحياناً
إما بثقل أجسامنا عليها أو بثقل نظراتها
أو حتى بثقل همومها أو ثقل الآخرين حولها
ويمكن أن يدرج الغيمة في الهواء
أصابت الغيمة اليوم في آخر الصيف كل الحديقة
وحيث يكون هواء تكون المساحات المفتوحة ومنها الحديقة بلا أبواب
بلا أبواب. الحديقة لكن بنوافذ كثيرة، هكذا تقبل عليك كهواء هنا، أو كسماء هناك، بلا أبواب
الفضاء هو موضوع هنا لكن كيف ينتقل من دون أن يثقل، وبدون أن يتغير الى الحديقة. ما يبقى للشعر هو الطبيعة والشعر والشعر هنا فضاء بكل معنى الفضاء.

الصباح في بيتي يكرر جمله الناقصة
يعبر حياته ومضاً، يعبر من شجرة الفتنة الى ما يخفيه النعناع في عبقه الثرثار
ولكن الغموض هو أيضاً من الفضاء
فجأة غموض، فجأة ينتقل الغموض من فكرة الى فكرة
الشعر وهو يستمد من عناصر الطبيعة عناصرها الأربعة أو الثلاثة أو الواحد، الشعر هكذا يتحول الى منظر طبيعي وإلى فضاء
مرّ الهواء هذا الصباح بالدفلى ولم يتوقف
ربما كانت ألوانها قوية عليه،
عندما زار الهواء الحديقة
في آخر الخريف
لم يجد فيها ما يحمله معه
طوى يديه على يديه
وأنفاسه على أنفاسه.