رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.(أرشيف)
رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.(أرشيف)
الأربعاء 31 يوليو 2019 / 20:30

حماسة بوريس جونسون

ما زالتْ العصا، رغماً عن بوريس جونسون، ممسوكة من المنتصف، كما كان الحال مع تيريزا ماي.

أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون اعتزامه التفاوض من جديد، مع الاتحاد الأوروبي فيما يخص اتفاق، أو معضلة "بريكست". هذا الإعلان المبكر، بعد دخوله داونينغ ستريت مباشرةً، يعني أن بوريس جونسون، سيمزق مجهود رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، التي دأبتْ على القول، إن اتفاق خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والذي أبرمته تيريزا ماي، طيلة ثلاث سنوات، بكثير من الضعف والتذلل، هو أفضل اتفاق ممكن.

التوقعات تقول إن بوريس جونسون لن يسير على خطى تيريزا ماي في إمساك العصا من الوسط، لكن هل يسمح له الواقع الحقيقي، باختيار صريح بين اتفاق، أو لا اتفاق؟ نذكر أن تيريزا ماي أثناء فترة رئاستها، لم تُعدم بين الحين والآخر، بتصريحات "لا اتفاق"، لتهديد للاتحاد الأوروبي، ولتحقيق أقل ضرر ممكن على مائدة المفاوضات، ومع ذلك غلب الضعف بشكل عام على أداء تيريزا ماي.
يُقال إن العولمة أكبر من صانعيها، وعلى هذا لم تدرك بريطانيا بعد، حماقة ما فعلته منذ ثلاث سنوات، وهو استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، وما زاد الطين بلة، أن نتيجة الاستفتاء الديمقراطي، كانت تقول بخروج لا لبس فيه من الاتحاد الأوروبي.

اليوم بعد ثلاث سنوات من إخفاق بريطانيا البائس، في تحقيق الخروج من الاتحاد الأوروبي، ها هو بوريس جونسون، يَعِدُ مرةً أخرى، بتحقيق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الموعد النهائي 31 (تشرين الأول) أكتوبر 2019، سواء باتفاق، أو بغير اتفاق. ما زالتْ العصا، رغماً عن بوريس جونسون، ممسوكة من المنتصف، كما كان الحال مع تيريزا ماي.

أكَّد بوريس جونسون أنه لن يدعو مُطلقاً إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة قبل الموعد النهائي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبأن البريطانيين لا يريدون انتخابات أخرى أو استفتاء آخر، إن ما يريدونه منا، هو تنفيذ تفويضهم بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
توقع إجراء انتخابات عامة مبكرة، هو شبح الفشل الذي يُخيم على سماء المملكة المتحدة، ويضعف من تهديدات بوريس جونسون للاتحاد الأوروبي، لكن من جانب آخر، لا يُسعد الاتحاد الأوروبي كثيراً، أن يكون أداء بوريس جونسون مثل أداء تيريزا ماي، فكما قلنا العولمة أكبر من صانعيها، وهي لا تميز، بين الاتحاد الأوروبي المطيع، وبين بريطانيا العظمى الحمقاء، الدمار للجميع.

عدم سعادة الاتحاد الأوروبي لا تمنعه من الرد على بوريس جونسون، كنوع من السجال المُستأنس، أو كنوع التراشق المرح بوسائدٍ بين طالبات في سكنهن الجامعي. قالت وزيرة الدولة للشؤون الأوروبية أميلي دي مونشالان: إن من غير الوارد إعادة التفاوض على اتفاق الخروج الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، لكن الجانبين لا يزال أمامهما الكثير لمناقشته في العلاقة المستقبلية، وعلينا خلق علاقة عمل، وعدم الدخول في ألاعيب واستفزازات.

أخطر ما صرَّح به بوريس جونسون، هو المُطالبة بإلغاء بند "شبكة الأمان" بين أيرلندا الشمالية، التابعة للمملكة المتحدة، وبين جمهورية أيرلندا الجنوبية، التابعة للاتحاد الأوروبي. وهذا البند من أشد البنود تعقيداً في "بريكست".

لو أُلغِيَتْ "شبكة الأمان" التي تعمل منذ 1998، اتفاقية "الجمعة العظيمة"، ستعود الحدود الصارمة بين أيرلندا الشمالية البروتستانتية، وبين جمهورية أيرلندا القومية الكاثوليكية، وهذا يعني قيود الجمارك، وفقدان الوظائف، وانفصالاً حاداً بين الشمال والجنوب، وقد يعني هذا الانفصال أيضاً، العودة إلى العنف بين الجيش الأيرلندي الجنوبي السري، وبين القوات البريطانية.
إلغاء "شبكة الأمان"، يطمئن البريطانيين السياديين، الخائفين من تفكك المملكة المتحدة.

بموجب اتفاقية "الجمعة العظيمة" 1998، يحق لأيرلندا الشمالية الوحدوية، الحالمة بتوحيد أيرلندا، تقرير المصير، والانضمام لجمهورية أيرلندا في الاتحاد الأوروبي، إذا أرادتْ ذلك، وهذا ما يخافه البريطانيون السياديون.

حث كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه، أعضاء الاتحاد بالتزام الهدوء في الرد على تصريحات بوريس جونسون المتفجرة. الحقيقة أن دول الاتحاد الأوروبي، باستثناء ألمانيا وفرنسا، يمثلون رقماً فارغاً، وهو 25 دولة، وهذا الرقم الفارغ، يعمل فقط بحسب رغبة ألمانيا وفرنسا، وإذا أردنا الدقة، بحسب رغبة ألمانيا، فألمانيا هي التي تحمل أعباء الاتحاد الأوروبي على كتفيها.

أكد ميشيل بارنييه مرات عديدة في عهد تيريزا ماي، والآن أيضاً، أن الاتحاد الأوروبي يقبل فقط تعديلات غير ملزمة على الإعلان السياسي المصاحب للاتفاقية، ومع ذلك فإن هذه التعديلات غير الملزمة، تشترط بدايةً تغيير بعض الخطوط الحمراء للمملكة المتحدة، وهذا التغيير لا يبدو قريباً. كلمات ميشال بارنييه الهادئة تحمل نفس جرعة الإهانة التي وُجِّهَتْ مراراً لتيريزا ماي.

كما ألمح ميشيل بارنييه إلى أن بوريس جونسون لا يتمتع بأغلبية برلمانية كافية، والقصد فيما بين السطور، أن حماسة بوريس جونسون، لا يوجد ما يُبررها على أرض الواقع، والذهاب إلى انتخابات عامة مبكرة، وسط الانقسامات الحادة داخل المملكة المتحدة، قد لا يكون في صالح بوريس جونسون، كما حدث مع تيريزا ماي.

الرئيس دونالد ترامب وحده هو مَنْ شجَّع بوريس جونسون على المضي قدماً، وقال إن المملكة المتحدة كانت تحتاج لجونسون منذ فترة طويلة، وأنه بدأ بالفعل محادثات مع رئيس الوزراء الجديد، تتعلق باتفاق للتجارة الحرة، وهو اتفاق أكبر بكثير مما كان متاحاً للمملكة المتحدة في ظل عضوية الاتحاد الأوروبي. تجري المقارنات بين دونالد ترامب، وبين بوريس جونسون بشكل محموم. أيضاً أشاد دومينيك راب وزير الخارجية الجديد في حكومة جونسون، وهو من متشددي "بريكست"، بحديث دونالد ترامب الدافئ عن المملكة المتحدة.
الاختبار الحقيقي لحماسة بوريس جونسون، سيكون في جولته الأوروبية القادمة. سيدور الحديث هناك، في مكاتب أنيقة باردة، في برلين، وبروكسل، وباريس، مكاتب يُغلف جدرانها خشب الماهوجني الثمين، والحديث الواقعي هناك قد لا يناسب عفوية جونسون، ومرحه الزائد، وشعره الأشقر المنكوش.